مقال

فى طريق المعرفه ومع نبى الله داود ” الجزء الثامن “

إعداد / محمـــد الدكـــــرورى

ونكمل الجزء الثامن مع نبى الله داود عليه السلام، فكان عليه السلام طاهرا ونقي القلب، جمع الله له الملك والنبوة، بين خيري الدنيا والآخرة، وكان الملك يكون في سبط والنبوة في آخر فاجتمعا في داود عليه السلام، وكان عليه السلام فتي

صغيرا من بني إسرائيل، وجنديا شجاعا من جنود طالوت، وكان جالوت ملكا قويا جبارا وقائدا مخوفا، وعندما تقابل الجيشان في الميدان نادى جالوت بأعلى صوته هل من مبارز؟ فلم يخرج من بنى إسرائيل أحد حتى خرج داوود من

بين الصفوف وتصدى له، وكان ماهرا في رمي المقلاع، وكان معه خمسة أحجار، فرماه بالحجارة بمقلاعه فوقعت بين عينيه فقتلته، حيث أراد سبحانه وتعالي أن يجعل مصرع هذا الجبار جالوت علي يد هذا الفتى الصغير، فقال ابن كثير فيه

دلالة علي شجاعة داوود عليه السلام، برغم صِغر سنه، أنه قتل جالوت قتلا أذال الله تعالى به جنده وكسر جيشه، ولا أعظم من غزوة يقتل فيها قائد الجيش، فتغنم بسبب ذلك الأموال الجزيلة، ويصبح الأبطال والشجعان والأقران أسرى،

وتعلو كلمة الإيمان على الأوثان، ويظهر الدين الحق على الباطل وأوليائه، وإن من معجزات داوود عليه السلام، أن الله عز وجل منّ عليه أن ألان له الحديد حتى كان يفتله بيده دون

أن يحتاج إلي نار ولا مطرقة، حيث كان يتقن صنع الدروع منه، ليحصن المقاتل من الأعداء، وكأنه قطعة من القماش، ولقد أرشده الله إلي صنعتها وكيفيتها.

وقد ثبت في الحديث “أن أطيب ما أكل الرجل من عمل يده، وأن نبي الله داوود عليه السلام كان يحب أن يأكل من عمل يده مثل باقي أنبياء الله، فكان يصنع كل يوم درعا يبيعها”

وقال النبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم “كان داوود أعبد البشر” رواه مسلم، وقال النبي صلي الله عليه وسلم أيضا “أحب الصلاة إلي الله صلاة داوود، وأحب الصيام إلي الله صيام داوود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه،

ويصوم يومًا ويفطر يوما” متفق عليه وعن قيام داود عليه السلام الليل، قيل كانت له ركعة من الليل يبكي فيها نفسه، ويبكي ببكائه كل شيء ويصرف بصوته الهموم والأحزان، وقال ابن كثير كان لا يمضي ساعة من آناء الليل وأطراف

النهار إلا وأهل بيته في عبادة ليلا أو نهارا، كان داود هو المقتدي به في ذلك الوقت في العدل وكثرة العبادة وأنواع القربات إلى الله، وقد قال بعض العلماء هذا الخصمان من الملائكة، وأن الله تعالى أرسلهم لنبى الله داود ليختبره، وهنا يذكر الإسرائيليون قصة غريبة عجيبة، منكرة فظيعة سيئة لا

تليق بنبى الله داود عليه السلام أبدا، فيقولون “إن داود كان له تسعة وتسعون امرأة، وأن هناك رجل كان عنده امرأة واحدة، وإن داود أعجب بجمالها، وإنه أرسل زوجها في جيش جعله في المقدمة ليموت حتى يرث زوجته من بعده، ويضمها إلى التسعة والتسعين التي عنده فتصبح مائة” وهذا لعمر الله في غاية البشاعة، والسخف.

والسوء وليس بعجيب على اليهود أن يفتروا مثل هذا، فهم معروفون بأنهم، يبهتون أنبياءهم، وأنهم يسبونه، ويشتمونهم، ويقعون فيهم، فلا غرابة من أن يحدثوا مثل هذه القصة الباطلة الواضحة السقوط، وأن يلطخوا سمعة النبي

الكريم بالعشق المحرم، والمكر المحرم، والحيلة المحرمة، والظلم لكي يضم زوجة ذاك إلى زوجاته، وتالله إن كل امرئ منا ليصون كما قال ابن حزم نفسه، وجاره المستور عن أن يتعشق امرأة جاره، ثم يعرض زوجها للقتل عمدا ليتزوجها،

وهذه أفعال السفهاء الفساق المتمردين، لا أفعال أهل البر والتقوى، فكيف بنبي الله داود عليه السلام؟ فهذه القصة، وأمثالها من كذب اليهود، وقد قال البرهان البقاعي “وأخبرني بعض من أسلم منهم يعني من اليهود أنهم كانوا يتعمدون ذلك

في حق داود عليه السلام لأن نبى الله عيسى من ذريته ليجدوا سبيلا إلى الطعن فيه، وهذه القصة تبين مدى ما وصل إليه اليهود من ظلم الأنبياء، وهم الذين قتلوهم، وأراقوا دماءهم، فليس بغريب أن يفتروا عليهم مثل هذه

الفرى، وذهب بعض العلماء إلى أن هذه القصة على مسألة الخصمين على ظاهرها، وأنهم رجلين من البشر اختصما في غنم، فرجعنا إلى مسألة هل هذان الخصمان من الملائكة أو من البشر؟ وهل هما ملائكة فأرسلهما الله بقصة منسوجة مثل مضروب أو هي فعلا حصلت؟ لكن هى قصة لبعض البشر، وأنهما تسورا المحراب.

وأما عن قصة نبى الله داود وسليمان في الحرث؟ فمن المعروف عن الحرث أنه الأرض التي تنتج الزرع والمحصول بعد حراثتها من قبل الإنسان والتعب عليها، وقد رفعت للنبي داود عليه السلام قضية خصومة مفادها أن أغنام أحد

الأشخاص قد عاثت فسادا بمزروعات أحد الحقول وقيل أنها عناقيد من عنب، فقضى داود عليه السلام لصاحب الزرع بالماشية والأغنام، ولكن أشار القرآن الكريم إلى أن حكمه لم يصب الحق، وهذا ليس قدحا بشخصية النبي إنما هو يبقى بشر قد يخطئ وقد يصيب، ومن استطلع الحكم في قضية

الحرث هو النبي سليمان بن داود عليهما السلام، وكان ذلك بفضل الله وتوفيقه حينما قال تعالى ” ففهمناها سليمان ” فهنا إشارة إلى أن قدرته على حل القضية إنما هو توفيق من الله

وهداية، وقد كان حكم النبي سليمان عليه السلام، في قضية الحرث، أن يأخذ صاحب الزرع الماشية فيستفيد من صوفها وأوبارها وألبانها، ريثما يقوم صاحب الماشية بحراثة أرضه وتعهد زرعه حتى يعود كمان كان، ليسلم صاحب الزرع زرعه ويستلم هو ماشيته، وقد وافق والده على هذا الحكم لأنه رأى

فيه العدل وتحقيق الحق، ورغم أنهما هما الاثنان أوتيا العلم والحكمة، إلا أن هذا لا يمنع أن يفوق أحدهما الآخر الحكمة والعلم ولذلك كان فيه قوله تعالى ففهمناها سليمان، ولقد بين النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن أفضل الكسب هو كسب الإنسان من عمل يده.

وقد كان أنبياء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام قدوة ومثالا في ذلك حينما كانوا يعملون ويجدون من أجل تحصيل لقمة عيشهم، فلم يكونوا عالة على الناس وحاشاهم ذلك، بل كانوا ينزلون إلى الأسواق يعقدون الصفقات التجارية كما كان النبي

محمد صلى الله عليه وسلم يفعل قبل بعثته حينما كان يتاجر بأموال السيدة خديجة رضي الله عنها، كما كانوا يبرعون في الصناعات والحرف التي يقومون بها مثل نبي الله نوح عليه السلام الذي كان نجارا، وداود عليه السلام الذي كان بارعا في

الحدادة، وصناعة الأدوات التي ينتفع الإنسان منها، ونبي الله داود عليه السلام هو أحد أنبياء بني إسرائيل، حيث بعثه الله في مرحلة هامة من مراحل تاريخ بني إسرائيل عندما كانت المواجهة على أشدها بين بينهم وبين القوم الجبارين الذين

كانوا يسكنون فلسطين، فقد كان داود عليه السلام جنديا في جيش الملك طالوت، وحينما حصلت المواجهة بين جيش بني إسرائيل وجيش جالوت تمكن داود عليه السلام من قتل جالوت زعيم الجبارين في فلسطين، حيث انتصر حينها بنو إسرائيل ودخلوا فلسطين، ثم مكن الله سبحانه لداود عليه

السلام في الأرض حينما أصبح ملكا على قومه، ثم خلفه بعد وفاته ابنه سليمان عليه السلام، وكان نبى الله داود عليه السلام مثالا في التقوى والورع والشجاعة والفروسية، فقد كان صواما قواما يصوم يوماً ويفطر يوما، كما كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه.

وقد آتاه الله الحكمة حينما كان يقضي بين الناس، وقد ذكر الله عز وجل قصة الرجلين اللذين تسورا المحراب عليه ليحكم بينهما فيما اختلفا فيه، كما آتاه الله فصل الخطاب، حيث كان خطيبا بارعا مفوها لا يشق له غبار، كما سخر الله

تعالى له الجبال والطير لتسبح معه، وأمّا حرفته ومهنته التي اشتهر بها عليه السلام فهي الحدادة، فقد ألان الله سبحانه وتعالى له الحديد حتى يستطيع أن يشكل منه ما أراد من الأدوات التي ينتفع منها الناس، ومن بين الأمور التي احترف

صناعتها صنع الدروع التي تقي الرجال في الحروب، وقد برع عليه السلام في حرفته تلك حينما كان يقدر حلق الدروع ويحكم صنعتها، ومازالت هذه السيرة العطرة لهذا النبي الكريم تفيض بالعبر والعظات والدروس، ومن دروسها العامة،

هو أن الفضل ليس بتقدم السن، ولا بالأبوة إذ لا يلزم أن يكون الكبير أفضل من الصغير، ولا الأب أفضل من الابن، فالفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ففي هذا القصة ظهر فضل فهم نبى الله سليمان على أبيه بتفهيم الله إياه، ولكن ذلك لا ينقص من قدر داود عليه السلام، وفي

القصة بيان فضل القوة النافعة أيا كانت قوة دينية أم قوة دنيوية، وفي القصة فضل غيرة الرجل على نسائه، والعمل على إبعاد كل سبيل تشينهن، وأن ذلك من كمال الرجولة، فعند الإمام أحمد في مسنده بسند جيد, عن أبي هريرة رضي الله عنه.

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “كان داود النبي فيه غيرة شديدة، وكان إذا خرج أغلقت الأبواب فلم يدخل على أهله أحد، حتى يرجع” وفي القصة أايضا بيان فضل حسن الصوت وأنه نعمة من نعم الله تعالى إذا استعمل في الخير،

فقد كان نبى الله داود عليه السلام، نديّ الصوت حسنه، فاستغل ذلك في طاعة الله تعالى، فقصة نبي الله داود عليه السلام التي تبين من خلالها حرص أعداء الأنبياء من اليهود وغيرهم على تشويه صورة الرسل والنبيين عبر الأجيال، وقد رأينا ما فيها من العظات والدروس وهكذا لو تأمل المسلم في

قصص الرسل والأنبياء بعين متأملة سيجد خيرا كثيرا بتدبره لتلك القصص الصادقة، وأما عن صحة قصة دخول ملك الموت على نبى الله داوود عليه السلام؟ فلقد ورد في قصة دخول ملك الموت على نبي الله داود حديث، رواه أبو هريرة

رضي الله عنه، فقد قال، قال رسول الله صل الله عليه وسلم “إن داود عليه السلام كان رجلا غيورا وكان إذا خرج أغلق الأبواب فأغلق ذات يوم وخرج فأشرفت امرأته فإذا هي برجل في الدار فقالت من أدخل هذا الرجل ؟ لئن جاء داود

ليلقين منه عناء, فجاء داود فرآه فقال من أنت ؟ فقال أنا الذي لا أهاب الملوك ولا يمنع مني الحجاب فقال فأنت والله إذا ملك الموت وزمل داود عليه السلام مكانه” وأما عن صحة قصة نبى الله داود عليه السلام مع المرأة ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى