مقال

فى طريق الاسلام ومع نبى الله زكريا ” الجزء الرابع “

فى طريق الاسلام ومع نبى الله زكريا ” الجزء الرابع “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع نبى الله زكريا عليه السلام، وقد توقفنا مع الدروس المستفاده من قصة نبى الله زكريا عليه السلام، ومع الدعاء من العبد لله تعالى وكلما اجتمع قلبه على الله تعالى كان أكثر تأثرا، وكان الدعاء أقرب إلى الله تعالى، وأرجى للإجابة، وكذلك فإن الدعاء ينبغي أن يتضمن طلبا، وثناء على الله تعالى بأوصافه، وأن يحمد عز وجل، وأن يكون هذا الدعاء خارج من قلب خاشع، وهذا فى قوله تعالى “ادعوا ربكم تضرعا ” وألحوا بالدعاء، واشتغلوا بالوسيلة إلى الله عز وجل، والتوسل إما أن يكون بأسماء الله الحسنى، فتقول يا رحمن ارحمني، يا غفور اغفر لي، يا توب تب علي، يا ستير استرني، ونحو ذلك، أو يكون بسؤال الله تعالى بأعمال صالحة قد قمت بها، مثل قصة أصحاب الغار، توسلوا إلى الله بأعمال صالحة، الثلاثة الذين دخلوا الغار، وانطبقت الصخرة عليهم، فسألوا الله بأعمال صالحة، أحدهم سأل الله ببره والديه، والثاني سأل الله بترك الزنا وإعطاء المرأة المال في وقت الشدة، والثالث سأل الله بأمانته بحفظ المال، وتنمية المال لصاحب المال، وأنه رجع وأخذ ماله، وما أعطاه شيء لا جزاء ولا شكورا، واستاقه ولم يترك منه شيئا، وأن الله أجاب الدعاء لما سألوه بأعمال صالحة، ولذلك ممكن العبد أن يقول اللهم إني أسألك بحبي لنبيك، اللهم إني أسألك بصدقتي، وكما يجوز أن يسأل الله تعالى بأعمال صالحة عملها لله، ويتوسل إلى الله بأعمال صالحة عملها.
فقيل أنه رجعت ذات مرة من المرات إمرأة في إحدى المدن، من حضور حفل عرس متأخرة في الليل إلى العمارة التي تسكن فيها، وفي مصعد العمارة دخلت المصعد، وضغطت الزر على الطابق الذي تسكن فيه، ولما انتصف المصعد في الطريق وقف تعطل، وتعلق المصعد لا فوق ولا تحت، وكررت ضغط الزر أكثر من مره، ولكن ما استجاب المصعد، وأصبحت تضرب على الباب، وصياح كثير ولكن ما أحد سمعها ولا سمع استغاثتها، والمصعد داخل هذه الكبينة المغلقة، وبدأ يقل الأكسجين، وبدأت هذه المرأة تعاني في التنفس، فقعدت تفكر، وتذكرت قصة أصحاب الغار، وكيف أنهم سألوا ربهم لما انطبقت عليهم الصخرة، وسألوا ربهم بأعمال صالحة فأنقذهم، فجلست تفكر بعمل صالح تدعو به، وهي محبوسة في المصعد، فتقول لم أجد ما وجدت عمل خالص، فكرت صلاتي عادية، وصيامي عادي، وهي قاعدة توشك على الاختناق ولكن تذكرت عملا، فسألت ربها به، قالت في لحظة الشدة هذه اللهم إنه جاءتني فلانة من صديقاتي فقالت أريد العمرة والحج فضعي أولادي عندك حتى أتمكن من الذهاب للعمرة والحج، وإني قبلت، ووضعت أولادها عندي، وحافظت عليهم، ورعايتهم حتى رجعت، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عني ما أنا فيه، فانطلق المصعد مباشرة، بدون أي شيء، قالت بمجرد ما انتهيت من الدعاء، انطلق المصعد.
 
وقف عند الدور الذى أريده وانفتح الباب وطلعت، وسبحان الله القائل فى سورة النمل ” أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ” فإذا من الأشياء سؤال الله تعالى بالأعمال الصالحة، وكذلك التوسل إلى الله تعالى بأسمائه، والتوسل إلى الله بضعف العبد، والتوسل إلى الله بصفاته، والتوسل إلى الله بالإيمان به، والتوسل إلى الله بالأعمال الصالحة، والتوسل إلى الله بذكر الحال، فهذه من أنواع التوسل الجائزة، وأيضا التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته، كما فعل عمر بن الخطاب رضى الله عنه مع العباس بن عبد المطلب، وقال “اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا” يعني في حياته، ” فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فسقوا” رواه البخاري، وقد قررت هذه القصة قضية عامة، مفادها أن الله تعالى يفعل ما يشاء أن يفعله، دون تقيد بالأسباب والمسببات والعادات، وهو الفعال لما يريد، فقدرته سبحانه لا يعجزها شيء، وكذلك الحض على الإكثار من ذكر الله تعالى، ومن تسبيحه وتمجيده لأنه بذكر الله تطمئن القلوب، وتسكن النفوس، وتغسل الخطايا والذنوب، وأن العقلاء من الناس يلجؤون إلى خالقهم عز وجل لكي يرزقهم الذرية الصالحة، والأولاد الراشدين، الذين يخلصون عبادتهم لله، ويبذلون أموالهم وأنفسهم من أجل إعلاء كلمة الحق، ونشر الفضائل، ونبذ الرذائل، وأن الدعاء متى صدر من قلب سليم، ولسان صادق، كان مرجو القبول، وجدير بالإجابة.
وفي الآيات من سورة مريم قد تحدثت عنه وعن ابنه عليهما السلام، فقد رحم الله زكريا بأن أعطاه والدا في كامل النبوة وهو شيخ كبير السن، فبشره بذلك بنفسه تارة وبملائكته أخرى، وتولى الله عز وجل، تسميته، ولم يشرك فيها من تقدمه، وجعله الله عز وجل هبة منه لعبده زكريا، وفي هذا دلالات على قدرة الله وعنايته بصفوته من خلقه، فزكريا دعا الله بصوت خفي ليكون أقوى في الاستجابة وأبعد عن الرياء، وأدخل في الإخلاص فاشتكى لله عز وجل من الضعف ووهن العظم، وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن، وبه قوامه، وهو أصل بنائه، فإذا وهن تداعي وتساقطت قوته، ولأنه أشد ما فيه وأصلبه، وكذلك قال إن رأسه قد شاب وشبه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته، وانتشاره في الشعر وكثرته منه كل مأخذ، وفي هذه الآيات تظهر آداب الدعاء جلية من زكريا عليه السلام مع ربه وما يستحب منه، فمنها الإسرار بالدعاء، ومنها استحباب الخضوع في الدعاء وإظهار الذل لله عز وجل، والمسكنة والضعف، ومنها التوسل إلى الله تعالى بنعمه وعوائده الجملية كما قال ” ولم أكن بدعائك رب شقيا ” أي لم أتعود منك أن تردني خائبا في الدعاء، وفي هذا تمهيد منه عليه السلام لما يستدعي الرحمة ويستجلب الرأفة، ثم ذكر أنه يدعو الله من أجل أنه يخاف على الدين من الذين يلون أمر رهطه من بعد موته، لعدم صلاحية أحد منهم لأن يخلفه في القيام فيما كان يقوم به من الإرشاد ووعظ العباد.
وحفظ آداب الدين والتمسك بهديه المبين، كما أن امرأته عاقر لا تلد من وقت شبابها، فدعا الله تعالى أن يهب له ولدا يلي من الأمر ما كان إليه وارثا من آل يعقوب في العلم والنبوة، وسأل الله أن يجعله مرضيا عنده قولا وفعلا، فاستجاب الله تعالى دعاءه وبشره بيحيى عليه السلام، وعن ابن عباس رضي الله عنهما “لم تلد العواقر قبله مثله” وروي أنه لم يعص الله ولم يهم بمعصية قط، فتعجب أن يكون له غلام لأن امرأته عاقر وقد بلغ من الكبر عتيا، أي حالة لا سبيل إلى إصلاحها ومداواتها، فقال الله عز وجل إن هذا الأمر عليه سهل، وامتن عليه بنعمة خلقه من العدم وهو إنسان ونطفة وعلقة، فكذلك يخلف الله لكما الولد وأنتما على هذا الحال، عند ذلك طلب نبى الله زكريا عليه السلام من ربه عز وجل أن يجعل له علامة تدله على تحقق المسؤول ووقوع الحمل ليطمئن قلبه، فقال الله عز وجل آيتك لا تقدر على تكليم من حولك من الناس مع كونك سويا معافى بلا مرض في بدنك ولسانك ثلاث ليال كاملة بأيامها، وذلك ليتجرد لشكر الله، عند ذلك خرج إلى قومه من مصلاه أو غرفته فأشار إليهم رمزا حيث إنه لا يستطيع الكلام كما أوضحنا، أن يصلوا لله طرفي النهار صباحا ومساء، ثم استؤنف الكلام حيث طوى قبله جملا كثيرة مسارعة إلى الإنباء بإنجاز الوعد الكريم من الله العزيز الحكيم، وهو وجود هذا الغلام المبشر به، ويعلمه التوراة كتاب نبى الله موسى عليه السلام.
 
التي كانوا يتدارسونها بينهم ويحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار، وقد كان سنه إذ ذاك صغيرا، فلهذا نوه بذكره وبما أنعم عليه وعلى والديه، وقال الله ليحيى اقرأ التوراة بجد وحرص واجتهاد، وآتاه الله الحكمة وفهم التوراة والعلم والاجتهاد في الخير وهو صبي صغير، كما وهب الله عز وجل، يحيى عليه السلام العطف والشفقة وطهارة من الذنوب وعصمة بليغة منها، وكان يتقي الله ويخافه، بارا بوالديه، محسنا إليهما، ولم يجعله الله متكبرا عاقا لهما أو عاصيا لربه، ثم أنعم الله عليه بعد ذلك بالسلام الدائم والنعيم الأبدي، والسلام بمعنى السلامة والأمان من الآفات، وفيه معنى التحية والشرف، وفي ذكر الأحوال الثلاث، الولادة والموت والبعث حيا، زيادة في العناية به عليه السلام، وفي الآيات من سورة الأنبياء تأكيد لما ورد في سورة مريم بأن الله استجاب لزكريا دعاءه وأصلح له زوجه بعد عقرها معجزة وكرامة من الله تعالى، فهو وابنه من الأنبياء الذين كانوا يسارعون ويبادرون في فعل الخير ويدعون الله عز وجل، راغبين في الثواب، راجين للإجابة، ورهبة من الله وإليه، وكانوا خاشعين لله أي محبين متضرعين، وفي سورة آل عمران، وعندما وجد زكريا بعد أن كفل مريم العذراء أم المسيح عليه السلام الرزق الذي وهبه الله لمريم، كلما دخل عليها في موضعها أو غرفتها وسألها عن ذلك فقالت له إنه من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب.
هنا دعا زكريا عليه السلام، الله عز وجل أن يهبه ذرية طيبة، إن الله سميع الدعاء، فأجابه الله تعالى وأرسل الملائكة تبشره وهو في مصلاه بيحيى عليه السلام نبي خلق بكلمة الله كن فيكون، وهو عليه السلام نبي يسود قومه ويفوقهم، وحصورا أي أن يحيى عليه السلام لا يقرب النساء حصرا لنفسه، أي منعا لها من الشهوات عفة وزهدا واجتهادا في الطاعة، ونبيا من الصالحين، أي ناشئا منهم لأنه من أصلابهم، ثم بقية الآيات تأكيد على ما ورد في سورة مريم، وهكذا فإن نبى الله زكريا هو أحد الرسل الذين تم ذكرهم في القرآن الكريم سبع مرات، وينسب زكريا عليه السلام إلى بني إسرائيل، ويعود بالنسب إلى يعقوب ابن إسحاق عليهم احسن وأفضل الصلاة والسلام، وكان نبى الله زكريا عليه السلام من كبار الربانين الذين خدموا الهيكل في بيت المقدس، وكان عمران أبو السيدة مريم العذراء رئيسهم والكاهن الأكبر فيهم، وقد من الله على عمران وزوجته بمولودة أسموها مريم عليها السلام ونذرتها أمها لخدمة بيت المقدس، وبعد ولادتها أحضرتها لبيت المقدس لتفي بنذرها، وأعطتها للعباد والربانين، وقد تنافسوا في كفالتها لأنها ابنة رئيسهم عمران، وبعد حصول القرعة وقعت كفالتها على نبى الله زكريا عليه السلام كما أخبرنا القرآن بذلك، وقد تفرغت السيدة العذراء مريم للعبادة، وقد كان نبى الله زكريا يجد عنها رزقا لم يأتها به، وهذا من إكرام الله عزوجل لها، وقد وقع حب الذرية في نفس زكريا عليه السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى