مقال

فى طريق الاسلام ومع نبى الله زكريا ” الجزء الأول “

فى طريق الاسلام ومع نبى الله زكريا ” الجزء الأول “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ومازال الحديث موصولا عن الأنبياء والرسل الكرام عليهم جميعا الصلاة والسلام، ويقول الله عز وجل فى الحديث القدسى الجليل ” أنا والأنس والجن في نبا عظيم اخلق ويعبد غيري، أرزق ويشكر سوايا، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد، أتودد إليهم برحمتي وأنا الغنى عنهم ويتبغضون إلي بالمعاصي، وهم أفقر ما يكونون إلي، وأهل ذكرى أهل مجالستي، فمن أراد أن يجالسني فاليذكرنى، وأهل طاعتي هم أهل محبتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي إن تابوا إلي فانا حبيبهم وإن أبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب، الحسنة عندي بعشر أمثالها وأزيد، والسيئة عندي بمثلها وأعفوا، وعزتي وجلالي لو أستغفروني منها لغفرتها لهم، ومن اتانى منهم تائبا تلقيته من بعيد، ومن أعرض عنى ناديته من قريب، أقول له أين تذهب ألك رب سواي ألك رب سواي” ويقول الله عز وجل فى الحديث القدسى “إني لأجدنى أستحي من عبدي يرفع إلى يديه يقول يأرب فأردهما فتقول الملائكة إلى هنا إنه ليس أهلا لتغفر له فأقول ولكني أهل التقوى وأهل المغفرة أشهدكم إني قد غفرت لعبدي يا ابن ادم انك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى يا ابن ادم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك يا ابن ادم لو لقيتني بتراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شئ لأتيتك بترابها مغفرة ” وإن النبوة والأنبياء من سنة التفضيل في الكون.
وهو أن اختار الله عز وجل، صفوة من عباده من بني البشر ليكونوا أنبياء ورسلا للناس، فقد قال الله تعالى فى كتابه العزيز” تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس” والأنبياء أشرف خلق الله تعالى، وهم الأعلام التي يهتدي بها الناس وأهل العقيدة على أن كل رسول نبى، وليس كل نبي رسول، والمسلم في صلب عقيدته الإيمان بالأنبياء والرسل جميعا، فقال الله تعالى فى كتابه الكريم ” لا نفرق بين أحد من رسله ” وقد ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم عددا من أنبياء الله ورسله عليهم السلام، ولكن بعضهم لم يذكر لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى، فقد قال تعالى ” ورسلا قد قصصناهم عليك ورسلا لم نقصصهم عليك” ونبي الله زكريا عليه السلام، هو أحد الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، حيث جاء ذكره وسيرته في ثلاث سور قرآنية، هن، آل عمران، ومريم، والأنبياء، وكان ذلك في سبعة مواضع، وزكريا أو زكرياء وهو اسم علم أعجمي عبري يعني “ذكره الله” أو “مذكور الله” وهو نبي في الإسلام ووالد النبي يحيى عليهما السلام، وأما في المسيحية هو زوج أليصابات ووالد يوحنا المعمدان، وهو زكريا بن برخيا ويقال زكريا بن دان، ويقال زكريا بن لدن بن مسلم بن صدوق بن حشبان بن داود بن سليمان بن مسلم بن صديقة بن برخيا بن بلعاطة بن ناحور.
بن شلوم بن بهفاشاط بن إينامن بن رحيعام بن سليمان بن داود، عليهم جميعا السلام، وهو من بني إسرائيل، وفي المسيحية فإن نبى الله زكريا هو والد القديس يوحنا المعمدان وليس بنبي بل هو رجل بار وصالح وكاهن من فرقة ابيا سالك في جميع وصايا الرب وأحكامه، فبينما كان يؤدي نوبة فرقته جاءت عليه القرعة جريا على عادات اليهود، ليدخل يبخر هيكل الرب “فظهر له ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور، فلما رآه زكريا اضطرب ووقع عليه خوف فقال له الملاك “لا تخف يا زكريا لأن طلباتك قد سمعت وامرأتك إليصابات ستلد لك ابنا وتسميه يوحنا، ويكون لك فرح وابتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته” وقد ورد في نسب نبى الله زكريا عليه السلام أنه زكريا بن دان بن مسلم بن صدوق، ويمر نسبه بنبى الله سليمان بن داود عليهما السلام، حتى يصل إلى يهوذا وهو ابن يعقوب عليه السلام، وورد أن زكريا كان يعمل نجارا، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم ثماني مرات، وفصلت قصته في سورتي مريم وآل عمران، وقد بعث نبيّا في بني إسرائيل، بدعوة التوحيد، وعبادة الله سبحانه، وترك ما دون ذلك، في وقت كثر فيه إفسادهم وكفرهم، وانتشر الفسوق، والظلم والمنكر بعمومه بينهم، فقد كان ملوك بني إسرائيل حينها كفرة وفجرة، ملؤوا بغضا للدين وأهله، فتسلطوا على الأتقياء الصالحين، قتلا وظلما، وقد طال زكريا عليه السلام.
من بلائهم حين أمر الملك هيرودس بقتل يحيى بن زكريا عليه السلام، إرضاء لعشيقته، وقد عايش نبى الله زكريا عليه السلام، انتشار القتل، والظلم في بني إسرائيل، وكان الله تعالى، قد قدّر لحكمة يعلمها ألا يرزق زكريا بالولد، فلما أحس أن الكبر قد تغشاه، وأنه وحيد ليس حوله من يقيم الدين معه، أو يخلفه فيه توجه لله سبحانه وتعالى بالدعاء، فقال الله عز وجل ” وإنى خفت الموالى من ورائى وكانت امرأتى عاقرا فهب لى من لدنك وليا، يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا ” فاستجاب الله تعالى دعوته بأن جعله يكفل السيدة مريم عليها السلام، أولا، ثم بُشّر بأن زوجته حامل، وسيكون له ولد بإذن الله تعالى، ولقد بلغ نبى الله زكريا عليه السلام، مرحلة الضعف والشيب كما وصف في دعائه لله سبحانه، لكنه بالرغم من ذلك لم ييأس من قدرة الله سبحانه وتعالى، وفضله عليه بأن يرزقه الولد رغم ظروفه، وكان لكفالته مريم عليها السلام، سبب إضافي لذلك اليقين، فنبى الله زكريا حين كفل السيدة العذراء مريم عليهما السلام، رأى لها من الكرامات الشيء العظيم، فقد كان يدخل عندها فيجد أمامها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، تفضلا من الله وكرامة، فزاد هذا من يقينه، ورغبته في أن يكرمه الله تعالى بالولد، بالرغم من أن زوجته عاقر لا تلد، وقد كبر هو كذلك، فأجاب الله سبحانه وتعالى، دعوة نبيه زكريا عليه السلام.
فبشره بأن سيكون له ولد، اسمه يحيى، حيث قال الله تعالى ” يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ” ففوجئ زكريا عليه السلام، بالخبر، بالرغم من أنه كان متوجه لله سبحانه وتعالى بالدعاء، فطلب أن يجعل الله له آية لهذه البشارة، ودليلا على وجود الحمل، فكانت آيته السكوت، فلا ينطق ثلاثة أيام بالرغم من اعتدال مزاجه، ومعاشرته للناس، وقد قيل إنه كان يستطع ذكر الله تعالى فقط، ولا يكلم الناس، ولقد كان من تمام نعمة الله تعالى على نبيه زكريا عليه السلام أن جعل ابنه يحيى صديقا، نبيّا، بارا بوالديه، وآتاه الله تعالى الكتاب، والحكم به صبيّا، حتى جاءه صبيان يريدون اللعب معه وهو فتى، فقال لهم ما للعب خلقنا، وكان من النعم التي حباه الله تعالى إياها أيضا في قول الله تعالى ” وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا ” فكان يحيى عليه السلام، رحيما بوالديه، مشفقا عليهما، بارا بهما، كما قال الله تعالى أيضا “وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ” فكان الله عز وجل، قد سلم عليه بنفسه، فرفع شأنه، وعلى قدره في الدنيا والآخرة، وكانت أم السيدة العذراء مريم عليها السلام، زوجة عمران، امرأة صالحة، تقية، لكنها كانت لا تنجب، وطال الوقت ولم ترزق بولد، فنذرت لله تعالى إن أعطاها ولدا أن تجعله خادما لبيت المقدس، وعابدا لله تعالى، فما هو إلا وقت قصير حتى أجاب الله تعالى رجاءها ودعاءها، وبشرها بحملها.
لكنها عندما وضعت المولود كان أنثى، فحارت فيها كيف لها أن تكون خادمة للدين، وعابدة لله وهي أنثى، إلا أنها أوفت بنذرها، وأخذت مريم عليها السلام إلى بيت المقدس، لتجد من يكفلها، فاقترع الصالحون من بني إسرائيل لكفالة مريم عليها السلام، حبّا بوالدها الذي كان صالحا تقيا من علماء بني إسرائيل، فخرج سهم زكريا عليه السلام، وكان زوج خالتها، فكفلها، وأحسن تربيتها، وأدبها، وأسكنها في محرابه، وأوصلها إلى عبادة الله تعالى، وحده، التي ترضيه عنها، ولقد زخرت سيرة النبي زكريا عليه السلام بعدة أحداث منها هو نسب النبى زكريا وعمله حيث ينسب زكريا عليه السلام إلى بني إسرائيل، وقد اختلف في اسم أبيه بين حنا ودان وأدن، ويصل نسبه إلى نبي الله سليمان بن داود، وزكريا هو أبو النبى يحيى عليهما السلام، وجاء عند المؤرخين أنّه عاش في دمشق، وأنه كان فيها عندما قتل ابنه يحيى، وكان يأكل من كسب يده، فقد عمل نجارا، وعُرف عنه أنه كان يمتهن النجارة بيده، وقد ورد عن الإمام القرطبي أن العلاقة التي تربط نبى الله زكريا عليه السلام بالسيدة العذراء بمريم عليها السلام كانت من جهة زواجه بخالتها فنبى الله زكريا هو زوج خالة السيدة مريم، وفي قول آخر أنه زوج أختها، وعند القتبي أن امرأة زكريا عليه السلام اسمها إيشاع بنت عمران، وبناء على هذا القول فإن يحيى ابن خالة عيسى عليه السلام.
وعندما بلغ زكريا عليه السلام عمرا كبيرا حدثت معه عدة أحداث، منها بعد أن رأى زكريا عليه السلام نفسه وقد بلغ به العمر مبلغا كبيرا، واشتعل رأسه من كثره الشيب، وتذكر أن امرأته عاقر ولم تنجب له مولودا، فأحس بالخوف على اندثار الشريعة وفساد الناس، وأصابه الهم من أن يترك الدنيا دون ولي يرث عنه الحكمة التي وهبها الله تعالى له فتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء بأن يرزقه الولد ليرث عنه النبوة والشريعة، وإن الذي زاد من حماس زكريا عليه السلام ورجاءه بالله تعالى، ذهابه ذات يوم إلى المعبد، فوجد مريم عليها السلام معتكفة في محرابها، تناجي ربها، ورأى عندها في المحراب ما شد انتباهه، حيث رأى بين يديها فاكهة الصيف في وقت الشتاء، وعندما سألها عن سر ذلك، أخبرته أن هذا رزق من الله بغير حساب، وهنا يقول الله تعالى ” كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ” ولقد أثارت رؤية السيدة مريم عليها السلام عند محرابها شجونا كثيرة في نفس زكريا عليه السلام، وتعمق إيمانه بالله تعالى بعد أن رأى عجائب قدرة الله تعالى مع مريم عليها السلام فدعا ربه بأن يهبه الولد رغم غياب الأسباب الظاهرة فهو طاعن في السن، وزوجته عاقر، وتوجه بقلب مخبت إلى الله تعالى قائلا ” رب هب لى من لدنك ذرية طيبه إنك سميع الدعاء “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى