مقال

نبذه عن راحيل بنت لابان ” الجزء الثانى “

نبذه عن راحيل بنت لابان ” الجزء الثانى “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع السيدة راحيل بنت لابان زوجة نبى الله يعقوب، وأم نبى الله يوسف عليهما السلام، وقد توقفنا عندما قال يعقوب لخاله لابان قبلت خدمتك سبع سنين، فزوجني راحيل وهي شرطي، ولك أن أخدمك سبع سنين، وأجاب لابان يعقوب على شرطه، وفى الزفاف جمع الناس وأخذ يعقوب يرعى لخاله سبعة أعوام، فلما وفى بشرطه، صنع خاله طعاما من أجل الزفاف وجمع الناس عليه، وأقبل ليل ذلك اليوم، ودخل يعقوب خيمته، فوجد أن خاله زوجه ليا، فجاء يعقوب لخاله لابان غاضبا فقال له غدرت بي، وإنما خطبت إليك راحيل، فقال خاله رويدك يا ابن أختي، فأنا لم أخدعك، إنه ليس من عاداتنا في هذه البلاد أن نزوج الصغرى قبل الكبرى، وهل تريد أن تدخل على خالك العار والسبة بهذه الفعلة؟ قال يعقوب عليه السلام معاذ الله، فقال خاله إن أحببت راحيل أن تكون زوجة لك فاعمل لي سبعة أعوام أخرى، فوافق نبى الله يعقوب وانقضت سبع سنين، وأنجب يعقوب خلالها أولادا من زوجه ليا، وجاء اليوم الذي ينتظره يعقوب وزفت إليه راحيل، وكان جائزا في ملتهم زواج الأختين، وفي بداية زواجها من يعقوب، وتأخر عليها الولد، ورأت أن أختها ليا أنجبت أربعة أولاد، وكادت الغيرة تلعب بها عندما نذرت أن تهب لزوجها يعقوب جاريتها بلهى، ووهبت ليا أيضا له جاريتها زلفى، منافسة لأختها راحيل، وولدت كلا الجاريتين ليعقوب، ولما رأت راحيل أن أختها ليا.
والجاريتين زلفى وبلهى ولدن لزوجها يعقوب ولم تلد هي، فتوجهت إلى الله ودعته أن يهب لها غلاما، فاستجاب الله عز وجل لدعاء راحيل وأكرمها، فحملت ثم ولدت له غلاما عظيما شريفا حسنا جميلا مخلصا سمته يوسف، وكان يوسف عليه السلام أشبه الناس بجدته لأبيه سارة زوج الخليل إبراهيم عليه السلام، ولذا فقد كان أحب أبناء يعقوب إلى قلبه، وكان ليعقوب عليه السلام اثنا عشر ولدا من أربع أزواج، وظلت راحيل مع زوجها يعقوب عليه السلام قرابة عشرين سنة في العراق، وكانت راحيل تؤمن بالله عز وجل وتعبده مع زوجها يعقوب، وكانت فكرة الأصنام منتشره في بلاد أبيها، وودت لو استطاعت تحطيم جميع تلك الأصنام التي أضلت كثيرا من الناس وأوحى الله تعالي إلى يعقوب أن يرجع إلى بلاد أبيه في المقدس ويترك العراق وهمس يعقوب إلى أهله وأولاده بما أوصاه ربه، فامتثلوا لأمره، وأجابوه طائعين، وفي مقدمتهم راحيل وعندئذ حمل يعقوب أهله وماله وانطلق نحو بلاد أبيه، بينما أخذت راحيل أصنام أبيها لتلقيها في النهر، ولم يشعر أحد بما صنعت راحيل وجاء يعقوب إلى أبيه إسحاق عليهما السلام فأقام عنده في قرية حيرون في أرض كنعان، وهناك حملت راحيل فولدت غلاما هو بنيامين وهو شقيق يوسف عليه السلام وكانت راحيل عونا لنبي الله يعقوب عليه السلام عند فقد يوسف عليه السلام، فكافأها الله على صبرها بأن صارت أما لنبي وأما لملك مصر.
وعاشت في كنفه راضية حتى توفاها الله تعالى ويقال إنها توفيت بمصر، ولكن أغلب الظن أنها عادت إلى بيت المقدس لتموت وتدفن هناك، وقيل أنه توفيت راحيل حين اشتد ألم الولادة بها أثناء إنجابها لابنها الثاني بنيامين، ودفنها زوجها النبي يعقوب عليه السلام في مدينة بيت لحم بفلسطين، وأكثر زوار القبر هم من اليهود، حيث يذهبون إليه لقراءة الكتب المقدسة، وقيل أنه أحب نبى الله يعقوب راحيل، أو راشيل كما تنطق فى اللاتينية، وكانت السيدة راحيل تماما مثل السيدة سارة التى لم يكن حملها بسيطا أو سريعا على عكس أختها ليا التى أنجبت بسرعة وقد فسر علماء الدين تأخر إنجاب السيدة سارة والسيدة راحيل بأمرين أولهما أنه يعظم من إيمانهما وإيمان من هم حولهما بقدرة الخالق سبحانه تعالى التى يجب أن نؤمن أنها تتجلى عندما يشاء سبحانه ومهما كانت الظروف وثانى الأسباب أنه يجعل هذا المولود الذى أتى بعد طول انتظار مميزا، وقد حدث ولكن حدث بعد أن رُزقت زوجة يعقوب الأولى واثنتان من جاريات الزوجتين بالأولاد صبرت راحيل رغم غيرتها الشديدة إلى أن رزقها الله بيوسف وبعد يوسف قرر يعقوب العودة بعائلته إلى فلسطين، وترتبط براحيل حكاية عند اليهود تقول إنه عندما قرر يعقوب العودة إلى وطنه الأول فلسطين قامت راحيل بأخذ بعض التماثيل الذهبية التى كانت ملكا لأبيها لابان لأنه لم يكن قد أعطاها ورثها عن أمها دون أن تخبر أحدا.
وخبأتها وقد لاحقهم لابان وعندما سمع يعقوب التهمة الموجهة إليه بالسرقة دعا على من أخذ التماثيل بالموت، وكانت راحيل فى مرحلة الولادة فتعذبت كثيرا ثم أسلمت روحها لله، وتركت يوسف وبنيامين اللذين أحبهما والدهما حبا شديدا نابعا من حبه لوالدتهما، ودفنها يعقوب بنفسه فى منطقة الخليل فى فلسطين وكتب على يعقوب أن يعيش محروما من المرأة التى أحبها وبعدها من أحب أولاده له، وقيل أنه عندما كان يعقوب بن إسحاق عليهما السلام أحب إلى أمه رفقة بنت بتوئيل من أخيه العيص فرتبت له أمه دعوة صالحة من أبيه إسحاق كان قد نودي بها لابنه العيص، ولما كانت الدعوة من نصيب يعقوب عليه السلام خشيت أمه عليه من أخيه العيص أن يقتله فأوصته باللحاق بخاله لابان بن ناهر والإقامة معه في بلدته فدان آرام بالعراق، وانطلق يعقوب إلى خاله مزودا بنصيحة من أبيه أن يتزوج من بنات خاله ولا يتزوج من بنات كنعان، وكان خاله لديه ابنتان، ليا وهي الابنة الكبرى، وراحيل الابنة الصغرى التي فاقت أختها جمالا ونقاء وذكاء، وكانتا في سن الزواج، وقيل أن نبى الله يعقوب ظل يخدم خاله سبع سنوات أخرى يرعى الغنم ويكد ويتعب لكي يتزوج راحيل، وفي خلالها ولد ليعقوب بضعة أولاد من زوجته ليا، لكنه كان مصرا على الزواج بمن أحبها، وخفق قلبه لها حتى وصل إلى مبتغاه وتزوج راحيل، وكانت راحيل عاقرا لا تحمل.
فدعا يعقوب ربه أن يهب له غلاما من راحيل وما كان من السيدة راحيل إلا أن توجهت هي أيضا إلى الله تسأله الولد الصالح، حتى استجاب لهما الله ووهبهما سيدنا يوسف عليه السلام، طفلا جميلا أشبه بجدته السيدة سارة زوجة سيدنا الخليل إبراهيم عليه السلام، وغلاما شريفا، لهذا كان أقرب أبناء يعقوب إلى قلبه، وحينما وضعت راحيل ابنها الأول يوسف عليه السلام وكان يعقوب غائبا نحو الشام فنزل عليه جبريل وقال يا يعقوب إن الله تعالى وهبك ولدا لم يرزق مثله أحدا من الناس، فذبح ألف رأس من الغنم قربانا لله وشكرا على هبة يوسف له وقام بتوزيعها على الفقراء والمساكين، وقيل إن بعضا من مظاهر السعادة التي كان يحس بها نبى الله يعقوب سرعان ما اختفت ملامحها على وجهه، ذلك لأنه كان يعلم عن إخوة يوسف كراهيتهم له، وحقدهم عليه، لما يستأثر به هو وأخوه بنيامين من عطف أبيهما دونهم، وكثيرا ما حاولوا أن يصرفوا أباهم عن هذا الأمر، لكن قلبه لم يطاوعه، لأن راحيل أمهما كانت أقرب وأحب زوجاته إليه، وإذا كان الله قد شاء أن تنتهي حياتها، وهي تضع ولدها بنيامين، فقد كان على يعقوب أن يكون لابنيها الأب والأم معا، فإنه لا يستطيع أن يمسك قلبه عن هذا الحب، فإحساس القلوب لا يملكه أحد، وقال ابن قتيبة في كتاب المعارف أنه تزوج نبى الله إسحاق عليه السلام رفقا بنت نامور، وهي بنت عمه، فولدت له عيصو ويعقوب توأمين.
ولما تقدم بإسحاق السن ورق جلده شكا يعقوب عليه السلام أخاه عيصو إلى والده، وقال يا أبت إني أشكو إليك عيصو أخي، وأستنصرك على توعده وتهديده، فإنه منذ رفعتني بعين رعايتك ودعوت لآلي بالبركة وتنبأت لي بنسل طيب وملك موروث وعيش لين حسدني لهذه الدعوات وحقد علي، وأنكر العلامة التي توسمتها فيّ، فراح ينالني بقارص كلامه، ويتوعدني ويهددني، حتى زال ما بيني وبينه من ود، وتقطع ما كان يجمعنا من رحم، ثم هو فوق ذلك كله يفاخرني بامرأتيه هاتين اللتين تزوج بهما من كنعان، ويكاثرني بما يرتقبه من أولاد يضيقون عليّ الرزق، ويزحمونني بمناكبهم في الحياة، وقد شكوت إليك لتحكم بيني وبينه بما وهبك الله من رأي حكيم وحلم راجح، وقال نبى الله إسحاق وقد أهمه ما رأى من القطيعة بين الأخوين يا بني إنني كما ترى من هذه اللمة البيضاء ومعنى اللمة هو الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن والجبين المتغضن، والظهر المتقوس، أصبحت شيخا متهدما، خذلتني قوتي، ووقفت بي الأيام على ثنية الوادع، وإنه يوشك أن يوفيني الأجل ويقطع ما بيني وبين الحياة من أسباب، ولا آمن عليك بعدي، أن يعالنك، أي يصارحك أخوك بالعداوة، ويحسر لك اللثام عن بطش وكيد، وهو في منعة من شدة أسره وهو الخلق القوي، وقوة خلقه، وفي حرز من أصهاره وذوي قرباه، وما أرى إلا أن تزمع رحيلا إلى فدان آرام من أرض العراق، حيث خالك لابان بن بتويل.
فابن على إحدى بناته، أي تزوجها، فإنك تنال العز والشرف والمجد والمنعة، ثم عُد بعدها إلى هذه الأرض، وإنني لأرجو لك عيشا أخفض من عيش أخيك، أي أفضل، ونسلا طاهرا خيرا من نسله وولده، والله يكلؤك بعينه ويحفظك برعايته، وهذه الكلمات وقعت في نفس يعقوب عليه السلام من أبيه إسحاق عليه السلام أندى من الماء البارد على فؤاد مُحتر، وجد فيها متنفسا لصدره، ونزعت نفسه إلى منبت الأهل وبلد الآباء والأجداد، فاستودع أبويه بدموع ثخينة، وشيعاه بدعوات طيبة كريمة، وخرج مخترقا الصحراء، مسريا بالليل سائرا بالنهار، يرفعه نجد ويخفضه وخد، ولقاء خاله نصب عينيه، وكلمات أبيه ملء سمعه وبصره، وعناية الله ترمقه وترعاه، وكان كلما أتبعه السير وأضناه بُعد الشقة، تذكر الأمل الذي يرجوه والخير الذي يرتقبه، فيسهل الحزن وينقاد السير، وطلع يوم تحرقت سمائمه الريح الحارة، وهبت سوافيه ذرات الرمل، ورمت الشمس الأرض بسهامها المحماة، فشق على يعقوب السير، وبعدت أمامه الشقة، وتلفّت أمامه فإذا بصحراء ممتدة إلى حيث ينتهي البصر، ورمال لا معالم بها، فأدركه السأم، وأحس بالتعب، ووقف ساعة بين الإحجام والإقدام، أيواصل السير أم يؤثر العافية والراحة على هذا السفر الشاق ويقنع من الغنيمة بالإيمان؟ وفيما هو يفكر لمح صخرة تكتنف ظلا، فدلف إليها ليجلس ساعة، يريح فيها جسمه ويبرد قدميه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى