مقال

إعادة بناء الشخصية المصرية أمن قومى

إعادة بناء الشخصية المصرية أمن قومى
بقلم /أشرف فوزى

آن الأوان أن نستعيد الذاكرة والنزعة الوطنية والقومية التي كانت تنتزع من شبابنا مرة باسم الدين.. ومرة باسم الثورية والفوضي والتمرد ..إيماناً بأن دورنا هو التنوير ومحاولة إنعاش النزعة الوطنية الغائبة لدي البعض.. ”

نطرح السؤال علي أهل الخبرة كيف نعيد بناء الشخصية المصرية ؟ هذه الشخصية العبقرية الجديرة بكل اهتمام فى التنقيب عن مفاتيحها ومكوناتها، ومصانعها، لكى نستمر فى توريث أسرارها لأجيال:

لكي نبني ملامح الشخصية المصرية لابد من التركيز علي أمرين أولها استنباط الهمم والعزيمة والإرادة، وثانيها بناء عقلي جديد بين أفراد المجتمع وبعضه وبين الشعب ، ضرورة بناء أهداف قومية للوطن بالتوازي مع المشروعات القومية التي تشهدها البلد كتحديث البني التحتية في السكك الحديد والمدن الجديدة وإقامة العاصمة الإدارية، ولابد من بناء وتنمية الإنسان المصري وفقاً لقيم وأخلاقيات .

لتحديد معوقات تطوير الشخصية المصرية لمعالجتها وعلي رأسها قضية الأمية التي تقول التنمية البشرية عنها بأنها بيئة حاضنة للتخلف والجهل، وقضية الإرهاب التي لابد من تطويقها وتجفيف منابعها أو التعايش معها لإتاحة مساحة أكبر للتنمية، وبناء شخصية وطنية تعضد الإنتماء للوطن وتمد يدها للبناء وليس للهدم.

أي شخصية في مجتمع من المجتمعات تبني علي المدي الزمني والثراء التاريخي، وفي مقارنة مع هذه الشعوب نجد أن الشخصية المصرية تتميز بأنها ضاربة في عمق التاريخ وهي الوحيدة التي أقامت حضارة علي ضفتي النيل علي الرغم من أن النيل يمر علي أكثر من دولة من دول المنابع لكن ليس لدي هذه الشعوب حضارة كالحضارة المصرية.

أن الذاكرة المصرية تشكلت من شخصية مائية، عاشت علي ضفاف النيل، وخلقت سمات متميزة لها، لتصبح الشخصية المروضة لهذا النيل بكل تقلباته، واستطاع المصريون رغم توحش النهر، التكيف مع هذا النهر فأصبح النيل هبة المصريين، وليس العكس كما يشاع، فقد صنع هذا الشعب حضارة علي النيل وهذا ما يوضح الفروق المذهلة بين مصر والكثير من البلدان التي تواجدت فيها أنهار، فلم نسمع مثلا عن حضارة في أي دولة أفريقية أو غير أفريقية صنعت حضارة علي أنهارها مثل الحضارة التي صنعها المصريون علي ضفاف نهر النيل.

إن الشخصية المصرية هي شخصية مروضة للغزاة، وهناك ٤٠ أمة قامت بمحاربتنا من أجل غزو مصر، لكنها كانت أحيانا تنهزم عسكريا وتنتصر ثقافياً، فالشعب المصري استطاع أن يروض الغزاة، “نحن أمة تعيش دوماً في خطر”.

أن الشخصية المصرية لديها عوامل الاتصال التاريخي وكلما بهتت الملامح تبقي الأصول ثابتة لتسترجع ملامحها الأصيلة، فعندما تتحدث مع الأصدقاء ويقول احدهم احنا في زمن صعب يرد عليه “ياما دقت علي الراس طبول ” وتردد مقولة “هما المصريين كده”

أن الشخصية المصرية متفردة من نوعها ودائما ما تتحمل الصعاب، ودائما ما تعيش في خطر والخطر يزول وتبقى الدولة، فمنذ الستينات، والقوي الإرهابية تحاول إسقاط مصر، لكن ملامح الشخصية المصرية، تواجه محاولات التقسيم التي يحاول البعض افتعالها علي أساس الدين والمذاهب المختلفة، فهناك من سعي لتتفتيت الضمير الجمعي بل سعي لإعادة ترتيبه علي أرضية التدين الشكلي لكنهم لم يفلحوا حيث تقف الذاكرة الوطنية بالمرصاد لكل الغزاة الذين سعوا لاختراقها وتدميرها لكن كان التواصل المجتمعي قادر علي إحداث التماسك بين أفراد المجتمع، والمقاوم الحقيقي لكل الغزاة .

أن الشخصية المصرية تقوم على عدد من المرتكزات والأعمدة والأسس، أبرزها أنه إنسان قوي، لا ينهزم أمام الأزمات، ولا تنال منه مهما اشتدت، ويخرج من الأزمات الطاحنة قادرا على التجدد، واستمرار الحياة، وتدارك الأزمة، ولم يستسلم عبر تاريخه لأزمة مهما تفاقمت، والذى يراجع ما كتب مثلا عن الشدة المستنصرية وغيرها من الشدائد يرى ذلك، فهو إنسان قوي، قادر على التجدد، جرت العادة فيها ألا يموت تحت وطأة الأزمات، بل تتلاطم أمواجها ثم تنحسر عنه فإذا به عميق الجذور، ثابتا، باقيا. و يشير إلي أن من أعمدة شخصية الإنسان المصرى أيضا أنه واسع الأفق، غير متقوقع على نفسه، بل خرج منه جيل من وراء جيل وهو يرى الدنيا بأكملها تأتى إلى أرضه، وتجلس مجلس التلميذ من الأستاذ، فى جامعة القاهرة العريقة، أو فى الأزهر الشريف، أو من الحجاج العابرين على أرضه من خلال طريق الحج الإفريقي، أو طريق الحجاج المغاربة، أو أبناء الملايو وجنوب آسيا من القاصدين إلى أرض مصر للتزود من العلم والمعرفة، فتفتحت عين الإنسان المصرى واتسع وعيه بالتدريج ليدرك أن وطنه بالفعل أم الدنيا، ومعلم الدنيا، فصار إنسانا واسع الأفق، عظيم الطموح، مدركا لقيمة نفسه وأرض وطنه، مما يزيده مقدرة على اجتياز أزماته، وتشغيل ثروات وطنه ليكرم ضيوفه، إلى غير ذلك من المكونات الدقيقة التى صنعت فى الإنسان المصرى وعيا عاما بأن خاطره رحيب ومتسع، وأن آفاقه كمصرى ممتدة.

من أعمدة الشخصية المصرية أيضا الشغف العميق بالعمران والبناء والتشييد، منذ أن شيد الهرم الأكبر ونحو مائة هرم أصغر منه، مع الأبنية الهائلة، التى تشهد بتقدمه وسبقه فى العلوم الهندسية وفنون المعمار، مع ولعه بالبناء، انتهاء بالفلاح المصرى البسيط رقيق الحال الذى يظل على مدى سنوات يدخر، فإذا سألته قال: (حتى أبنى حتة بيت)، مما يدل على بقاء الشغف المتوارث بالعمران كامنا فى أعماق وجدان الإنسان المصري، فلا تستسيغ فطرته أبدا أن ينخرط فى الهدم ولا التدمير ولا الفساد.

أن من أعمدة الشخصية المصرية أيضا أن تدينه عبر تاريخه قاده إلى الحضارة، فهو ليس متدينا فقط، بل هو متدين تدينا يصنع الحضارة، فقد دفعه ولعه بالآخرة والعدالة الإلهية هناك ومنظوره الدينى فى عبادة الرب وتوحيده وتمجيده

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى