مقال

فى طريق الإسلام ومع تنظيم وتحديد النسل ” الجزء الرابع “

فى طريق الإسلام ومع تنظيم وتحديد النسل ” الجزء الرابع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع تنظيم وتحديد النسل، وقد توقفنا فى الحديث مع الإمام سعيد بن المسيب، وما فعله الإمام العالم سعيد بن المسيب رحمه الله حيث اختار لابنته تلميذا من تلامذته، كان مثالا في الخلق والدين، في الوقت الذي تقدم لخطبتها الأمراء والوزراء إلا أنه ردهم، فقال لتلميذه ألا تتزوج؟ فقال ومن يزوجني يا إمام؟ قال أنا أزوجك، فقال له متعجبا أنا أتزوج ابنة سعيد التي يخطبها الأمراء والوزراء ويردهم عنها؟ فقال له أنا أزوجك، فدعا من كان في المسجد وعقد عقد زواجهما على درهمين، فيقول هذا الرجل فطرت من الفرح وعدت إلى بيتي، وإذا في المساء وعند غروب الشمس وكنت يومها صائما، فإذا بطارق يطرق الباب، وإذ به الإمام سعيد، فقلت في نفسي لعله تراجع عن كلامه، وقلت له لماذا أتيت يا إمام؟ لو أخبرتنا لأتينا إليك، فقال له مثلك يؤتى، أنت إنسان ونحن قد زوجناك وخفت أن تبيت الليلة عزبا فيحاسبني الله عز وجل، فدفع له ابنته وأعطاه مبلغا من المال وقال له بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما على الخير، وإن المقاصد التبعية للزواج أربعة أمور، وهى التحصن من الشيطان، ودفع غوائل الشهوة، وغض البصر، وحفظ الفرج، وذلك لقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” أى وقايه، والنكاح بقصد دفع غائلة الشهوة مهم في الدين لأن الشهوة إذا غلبت.

ولم تقاومها قوى التقوى جرت إلى اقتحام الفواحش، وإن النكاح بقصد ترويح النفس وإيناسها، بالمجالسة، والنظر والملاعبة إراحة للقلب، وتقوية له على العبادة لما جاء عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه، أنه تزوج إمرأة ثيبا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يا جابر تزوجت؟ قال، قلت نعم يا رسول الله، قال ” فبكر أم ثيب؟” قال، قلت بل ثيب يا رسول الله، قال ” فهلا جاريه تلاعبها وتلاعبك ” أو قال ” تضاحكها وتضاحك ” والنفس بطبعها ملول، وهي عن الحق نفور لأنه على خلاف طبعها، فلو كُلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت وثابت، وإذا رُحت باللذات في بعض الأوقات قويت ونشطت، وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة، ما يزيل الكرب، ويروح القلب، وإن النكاح بقصد تفريغ القلب عن مشاغل تدبير المنزل، والتكلف بشغل الطبخ، والكنس، وتنظيف الأواني ونحو ذلك من الأعمال المنزلية، والمرأة الصالحة لزوجها المصلحة لبيتها عون على الدين، ومتاع في الدنيا كما قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحه ” وإن النكاح بقصد مجاهدة النفس، ورياضتها بالرعاية والقيام بحقوق الزوجة، والصبر على أخلاق النساء، واحتمال الأذى منهن، والسعي في إصلاحهن وإرشادهن، والاجتهاد في كسب الحلال لأجلهن، وقد قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” الرجل راع فى أهله وهو مسئول عن رعيته

تنظيم وتحديد النسل

وقال صلى الله عليه وسلم ” استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شئ فى الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء” والمعنى هنا هو أوصيكم بهن خيرا، فاقبلوا وصيتي فيهن، فإنهن خُلقن من ضلع، واستعير الضلع للعوج أي إنهن خُلقن خلقا فيه اعوجاج، فكأنهن خلقن من أصل مُعوج فلا يتهيأ الانتفاع بهن إلا بمداراتهن، والصبر على اعوجاجهن، وأما عن تحريم قطع النسل وقتل الولد، فقد حرمت الشريعة الإسلامية قطع النسل، والتبتل، والاختصاء وغيرها من طرق قطع النسل، ومن أدلة ذلك ما جاء عن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه، قال ” رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل” ولو أذن له لأختصينا” كما حرمت الشريعة الإسلامية الاعتداء على النسل في مراحله المختلفة، بدءا بمرحلة الجنين وحتى يمكنه الدفاع عن نفسه وإدراك ما يضره وما ينفعه، ومن أدلة ذلك قول الله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الإسراء ” ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا ” إذ أن مقصد حفظ النسل يناط به عمارة الأرض، وبناء الحضارة، وقيام النهضة، ومن ثَم فيجب رعاية هذا النسل والحفاظ عليه، وتعهده بما يحقّق مصلحته من توفير مطالبه الأساسية من المأكل والملبس والمشرب وتوفير الرعاية الصحية اللازمة له، ومن أدلة ذلك قول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

” كفى بالمرء إثما أن يضيع من يفوت ” وكذلك تعليمه وتأديبه ليكون عضوا نافعا لأمته، ومن أدلة ذلك هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الرجل راع فى أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأه راعيه فى بيت زوجها ومسئوله عن رعيتها” وكما يجب أيضا المحافظة على النسل بدفع المفاسد، فإن كل شرع حكيم إذا فتح بابا لجلب مصلحة، لا بد له من أن يسد بقية الأبواب التي تعارض هذا الباب، وقد مضى في الوسيلة الأولى وهو مشروعية النكاح الذي جعله الله تعالى وسيلة لإنجاب النسل، ووسيلة صالحة لرعايته، والقيام بتربيته تربية صالحة، فكان لا بد من قفل جميع الاتجاهات التي تناقضه أو تعارضه، لذا حرم الله تعالى الزنا تحريما مؤبدا مع وصفه بأنه أسوأ سبيل لأنه يعارض السبيل المستقيم، وأوعد فاعليه بالعقاب الأليم في الآخرة، وشرع له أشد الزواجر بالرجم أو الجلد مائة جلدة، وقال ابن القيم رحمه الله ” ولما كان الزنا من أمهات الجرائم وكبائر المعاصى، لما فيه اختلاط الأنساب الذى يبطل معه التعارف والتناصر على إحياء الدين وفى هذا هلاك الحرث والنسل، فشاكل فى معانيه أو أكثرها القتل، الذى فيه هلاك ذلك، فزجر عنه بالقصاص ليرتدع عن مثل فعله من يهم به، فيعود إلى ذلك بعمارة الدنيا وصلاح العالم، الموصل إلى إقامة العبادات الموصله إلى نعيم الآخره” وإن جريمة الزنا لا يقوم عليها المؤمن إلا في حالة ضعف شديد في الإيمان كما قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

لا يزنى الزانى وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن” وقال النووي رحمه الله، هذا الحديث مما اختلف العلماء في معناه، فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي، وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفيِ الشيء، ويراد نفي كماله، وإن المقصود الأصلي من تحريم الزنا هو المحافظة على النسل، وإن المقصود الأساس من تحريم الزنا هو المحافظة على النسل، والذي يعتبر من المصالح الضرورية التي لم تفرط فيها شريعة من الشرائع، وأما تحريم القذف وما يترتب على فعله من حد فهو من باب حماية الأعراض، وحرصا من الشارع الحكيم على عدم إشاعة الفاحشة على ألسنة الناس، ولا خلاف بين العلماء في تحريم الزنا، وأنه من الكبائر، وحرمته ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع لأن المزاحة على الأبضاع تفضي إلى اختلاط الأنساب، المفضي إلى انقطاع التعهد من الآباء، المفضي إلى انقطاع النسل، وارتفاع النوع الإنساني من الوجود، وقد جعل الشارع الحكيم لكل جريمة خطيرة عقوبتين، عقوبة دنيوية، وعقوبة أخروية، وأما عن عقوبة الزنا في الدنيا، فإنه مما جاء في عقوبة الزنا في الدنيا هو حد الزنا، والحد فى اللغة هو المنع، وسميت عقوبات المعاصي حدودا لأنها تمنع العاصي من العود إلى تلك المعصية التي حُد لأجلها في الغالب، وعُرف الحد اصطلاحا بأنه عقوبة مقدرة لأجل حق الله تعالى، فيخرج التعزير لعدم تقديره، والقصاص لأنه حق الآدمى.

تنظيم وتحديد النسل

وحكمة الحدود هو زجر النفوس، وصيانة الأرواح، والأعراض، والأموال، والعقول وأما عن عقوبة الزنا في الدنيا، فهى إما أن تكون رجما بالحجارة، أو جلدا بالسوط، لأن الزاني إما أن يكون ثيب محصن، أو بكر غير مُحصن، وذلك لقول الله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة النور ” الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلده ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ” وأيضا قول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” خذوا عنى، خذوا عنى، قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة، ونفى سنه، والثيب بالثيب، جلد مائة والرجم ” ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” واغد يا أنيس، على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها فاعترفت فرجمها ” وقد أوجب الله تعالى العقوبةَ على الزناة من غير أن تأخذ ولاة الأمر رأفة في دين الله، وهو حد الزنا بأن يرجم الزاني المحصن بالحجارة حتى يموت، وغير المحصن يجلد مائة جلدة، ويغرّب عاما عند الجمهور، وأما عن حكمة التفريق بين عقوبة البكر و الثيب، فقد قال ابن القيم رحمه الله، في حكمة التفريق بين عقوبة البكر والثيب هو أن للزانى حالتين، إحداهما أن يكون محصن قد تزوج، فعلم ما يقع به من العفاف عن الفروج المحرمه، واستغنى به عنها، واحرز نفسه عن التعرض لحد الزنا، فزال عذره من جميع الوجوه فى تخطى ذلك إلى مواقعة الحرام.

والثانيه هو أن يكون بكرا لم يعلم ما علمه المحصن ولا عمل ما عمله فحصل له من العذر بعض ما أوجب له التخفيف فحقن دمه، وزجر بإيلام جميع بدنه، بأعلى أنواع الجلد ردعا على المعاوده للاستمتاع بالحرام وبعثا له على القنع بما رزقه الله من الحلال، وهذا فى غاية الحكمة والمصلحة وهو جامع التخفيف فى موضعه، والتغليظ فى موضعه، وأما عن عقوبة الزنا في الآخرة، فإنه مما جاء في عقوبة الزنا في الآخرة هو حديث سمره بن جندب رضي الله عنه في الرؤيا الطويلة التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشاهد منها ما جاء في عقوبة الزناة والزواني، وفيها قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، فإذا فيه لغط وأصوات، قال فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، فعندما سأل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام وقال من هؤلاء فقال له، وأما الرجال والنساء العراه الذين فى مثل هذا التنور، فإنهم الزناة والزوانى ” وفى روايه يقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور، أعلاه ضيق، وأسفله واسع، يتوقد تحته نار، فإذا اقترب ارتفعوا، حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراه، فعندما سأل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام وقال من هؤلاء فقال له، والذى رأيته فى الثقب فهم الزناه” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى