مقال

فى طريق الاسلام ومع تنظيم وتحديد النسل ” الجزء الخامس “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع تنظيم وتحديد النسل، وقد توقفنا فى الحديث عند رحلة الإسراء والمعراج، فيقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور، أعلاه ضيق، وأسفله واسع، يتوقد تحته نار، فإذا اقترب ارتفعوا، حتى كادوا أن يخرجوا، فإذا خمدت رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراه، فعندما سأل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام وقال من هؤلاء فقال له، والذى رأيته فى الثقب فهم الزناه” وهكذا فقد حث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على الزواج من الولود، فإنه صلى الله عليه وسلم مفاخر الأمم بكثرة أمته، فلا بد من بيان مفهوم بعض المصطلحات التي ربما تخفى على بعض الناس، وهو منع الحمل، وهو استعمال الوسائل التي يظن أنها تحول بين المرأة وبين الحمل كالعزل، وتناول العقاقير، ووضع اللبوس ونحوه في الفرج، وترك الوطء في وقت الإخصاب، ونحو ذلك، وإن السبب الباعث على منع الحمل هو عدم التناسل أصلا، سواء أصيب جهاز التناسل بعقم أم لا، وأما تحديد النسل فهو التوقف عن الإنجاب عند الوصول إلى عدد معين من الذرية، باستعمال وسائل يظن أنها تمنع من الحمل، وإن السبب الباعث على تحديد النسل هو تقليل عدد النسل بالوقوف به عند غاية من غير علة ضرورية، وأيضا التعقيم وهو منع الأعضاء التناسلية عن أداء وظائفها لعلة قائمة بأحد الزوجين، والسبب الباعث على التعقيم هو انتخاب النسل.

أو بعض الأمور الصحية، فمُنع من به أمراض خطيرة كالإيدز، من الإنجاب، وقد تحدث العلماء قديما عن حكم تنظيم الحمل من خلال حديثهم عن الوسيلة المستخدمة لذلك في زمانهم، وهي العزل، فما هو العزل؟ وما حكمه؟ فمفهوم العزل هو نزع الذكر من الفرج إذا قارب الإنزال وإن حكم العزل قد وردت فيه أحاديث صحيحة عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بعضها يفيد جواز العزل، وبعضها يفيد المنع، ومن ذلك الأحاديث الدالة على الجواز، أنه عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال ” كنا نعزل على عهد النبى صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل ” فقد أخبر جابر أن الصحابة كانوا يعزلون في زمن نزول الوحي، فلو لم يكن جائزا لما أقرهم عليه، ويؤيده من السنة القولية الحديث التالي، فعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال، إن لى جارية هى خادمنا وسانيتنا أى تسقى لنا النخل، وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “إعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها ” فلبث الرجل، ثم أتاه، فقال إن الجاريه قد حبلت، فقال صلى الله عليه وسلم ” قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها ” ولقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن العزل وسيلة لمنع الإنجاب، مما يدل على جوازه، فقال الأنصاري رحمه الله، أن فيه جواز العزل، وهو أن ينزل بعد نزع الذكر من الفرج، وما عارضه محمول على كراهة التنزيه.

وقد استدل جابر بن عبد الله، على الجواز بتقرير الله تعالى عليه، وقال الترمذي رحمه الله، وقد رخّص قوم من أهل العلم من أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وغيرهم في العزل، وقال مالك بن أنس، تستأمر الحرة في العزل، ولا تستأمر الأمة، وقال الألباني رحمه الله، يجوز له أن يعزل عنها ماءه، وإن من أسس اختيار الزوجين كون المرأة ودودا ولودا، وقد دعا الإسلام للزواج من الودود والولود لأن ذات الود تحافظ على العشرة والألفة ولأن الولود يتحقق منها الغاية من الزواج بالسكن والاستقرار والإنجاب والحفاظ على النوع الإنساني، ومما يفضل في اختيار كل من الزوجين للآخر أن تكون المرأة غير ذات قرابة للرجل، فتغريب النكاح يبعد الضعف والهزال والأمراض الوراثية عن الأطفال غالبا، ولا يكون سببا في قطيعة الأرحام، فقال ابن قدامة ” ولأنه لا تؤمن العداوة في النكاح وإفضاؤه إلى الطلاق، فإذا كان في قرابته أفضى إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها، وأن الله سبحانه وتعالى نهى الأمة عن قطع النسل أو تحديده لأن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أمر بتكثير الأمة فيعني ذلك حرمة عكسه وهو القطع أو التحديد وتحديد النسل يراد به وضع حد أعلى لعدد الأولاد الذين ينجبهم الزوجان، فإن كان هذا التحديد بقرار عام من جهة رسمية فلا يجوز، لأنه يعارض توجيه الإسلام إلى تكثير النسل ولأنه في الغالب يبنى على مقاصد اقتصادية، وأن كثرة النسل تؤثر على المستوى الاقتصادي للبلاد.

وأن الموارد لا تكفي إلا لعدد محدود، وهذا كله مخالف لحسن الظن بالله والتوكل عليه، وأنه ما من نفس منفوسة إلا على الله رزقها، أما إن كان القرار خاصا بزوجين معينين فينظر سببه، فإن كان السبب طبيا كتضرر المرأة من الحمل وخطره عليها، وثبت ذلك من قبل طبيب حاذق أمين أو من لجنة طبية موثوقة فلا بأس بذلك، وأما إذا لم توجد حاجة حقيقية ولا ضرورة، وإنما قصد الزوجان الاكتفاء بعدد محدد من الأولاد وكان هذا عن تراض منهما فهذا لا يخلو من كراهة شديدة لمخالفته مقصد من أهم مقاصد الزواج، لكن لا نقول بتحريمه لأن ترك الزواج وإيثار العزوبة ليس بمحرم، فلأن لا يحرم عليه الإنجاب بعد الزواج من باب الأولى، أما تنظيم النسل فيقصد به المباعدة بين فترات الحمل، والأخذ بأسباب منع الحمل حتى لا يكون الإنجاب متتابعا، وقد يرى الزوجان في ذلك مصلحة كراحة الأم من أتعاب الحمل مدة قبل أن تحمل بآخر، أو لمزيد من التفرغ للعناية بالطفل قبل أن يأتي له أخ جديد، فلا بأس بذلك، وقد كان العزل معروفا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول جابر رضي الله عنه “كنا نعزل والقرآن ينزل” والعزل سبب من أسباب منع الحمل، وقد أفاد العلماء مبينين بأن القول بتحديد النسل أو منع الحمل مصادم للفطرة الإنسانية التي فطر الله الخلق عليها، وللشريعة الإسلامية التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى لعباد، وأن دعاة القول بتحديد النسل أو منع الحمل فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين.

عامة وللأمة العربية المسلمة بصفة خاصة، حتى تكون لهم القدرة على استعمار البلاد واستعمار أهلها، وأن في الأخذ بذلك ضربا من أعمال الجاهلية وسوء ظن بالله وإضعافا للكيان الإسلامي المتكون من كثرة اللبنات البشرية وربطها، لذلك كله فإن العلماء قرروا بأنه لا يجوز تحديد النسل مطلقا، ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية إملاق، لأن الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين، أما إذا كان منع الحمل لضرورة محققة ككون المرأة لا تلد ولادة عادية وتضار معها إلى إجراء عملية جراحية لإخراج الولد، أو كان تأخيره لفترة ما لمصلحة يراها الزوجان فإنه لا مانع حينئذ من منع الحمل أو تأخيره، عملا بما جاء في الأحاديث الصحيحة وما روي عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم من جواز العزل، وتمشيا مع ما صرح به بعض الفقهاء من جواز شرب دواء لإلغاء النطفة قبل الأربعين، بل قد يتعين منع الحمل في حالة ثبوت الضرورة المحققة، ولا بد من إحاطة العلاقة بين الذكر والأنثى بمجموعة من المبادئ والآداب الأخلاقية، والتي تضمن تحقيق الأهداف السامية لهذه العلاقة، وتستبعد الممارسات الفوضوية للعلاقات بين الجنسين رفعا لدواعي الزنا، وحماية للأعراض، وسترا للعورات، وهذه المبادئ تعتبر مكملة لتحريم الزنا، وسدا للتذرع إليه، ومما حرمته الشريعة لذلك، هو تحريم الدخول على الناس في بيوتهم بدون استئذان، فالبيوت في الإسلام لها حرمة عظيمة حيث لا يجوز دخولها دون استئذان أصحابها.

والسلام عليهم، فقد قال الله تعالى كما جاء فى سورة النور ” يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون ” وقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” الإستئذان ثلاث، فإن أذن لك، وإلا فارجع ” وأيضا تحريم الاختلاء بالمرأة الأجنبية، وإن كانت ملتزمة باللباس الساتر، إلا بوجود أحد محارمها، لقوله صلى الله عليه وسلم ” لا يخلون رجل وامرأة، إلا ومعها ذو محرم ” وقوله صلى الله عليه وسلم ” لا يخلون رجل وامرأة، إلا كان ثالثهما الشيطان ” وفي غير حالات الضرورة القصوى يحرم على الرجل الاختلاء بالمرأة الأجنبية، وأيضا وجوب غض الأبصار، فعن طريق إيجاب غض بصر الذكر عن الأنثى، والأنثى عن الذكر، يقطع الإسلام الطريق على وسائل الإثارة في النفس البشرية، وفيه عدة أحاديث، منها أنه عن جرير بت عبد الله رضى الله عنه قال ” سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءه؟ فأمرنى أن أصرف بصرى ” وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ” يا على، لا تتبع النظرة النظرة، فإن الأولى لك والثانيه عليك ” والمعنى هو أنه لا تجعل نظرتك إلى الأجنبية تابعة لنظرتك الأولى التي تقع بغتة، وليست لك النظرة الآخرة، لأنها تكون عن قَصد واختيار، فتأثم بها، أو تعاقب، وعن سهل بن سعد رضى الله عنه قال، اطلع رجل من جحر فى حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع النبى صلى الله عليه وسلم مدرى يحك به رأسه.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لو أعلم أنك تنظر لطعنت به فى عينك، إنما جعل الإستئذان من أجل البصر ” وقال ابن الجوزي رحمه الله أن الحديث يدل على أن من اطلع في بيت إنسان بحيث ينظر إلى عورته أو حرمته، فله أن يرمي عينه، فإن فقأها فلا ضمان عليه، ويشهد له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لو أن إمرأ أطلع عليك بغير إذن، فخذفته بحصاه، ففقأت عينه، لم يكن عليك جناح” وأيضا من الأخلاق والمبادئ هو تحريم التبرج بالقول أو الفعل، وقد نهى الله تعالى عن إبداء المرأة زينتها لغير زوجها ومحارمها، وحرم التبرج، سواء كان في القول أو الفعل، لأن فيه إثارة وإغراء للرجال ولفتا لأنظارهم، وفيه عدة آيات كريمات، منها قول الحق سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة النور ” ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن ” فالآية الكريمة تنهى عن إبداء الزينة لغير الأزواج والمحارم وما يلحق بهما، وقد دلت على وجوب ستر المرأة لجميع بدنها، ما عدا الوجه والكفين على خلاف مشهور بين العلماء، وقد دلت أيضا على نهي النساء عن التبرج بالفعل بضرب الأرجل ليعلم ما يخفين من الزينة، ويقول تعالى فى سورة الأحزاب ” فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض وقلن قولا معروفا ” لأن اللين بالقول قد يكون سببا في طمع مرضى القلوب بداء الفواحش، وأيضا قوله تعالى كما جاء فى سورة الأحزاب” وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى