مقال

نعم نفتخر .. بقلم أشرف فوزى

نعم…نفتخر
بقلم /أشرف فوزى

يظل المصريون فخورين بـ”القوة الناعمة” لبلادهم خاصة أنها برزت في المنطقة العربية من العالم قبل انتشار هذا المصطلح في تسعينيات القرن الماضي على يد “جوزيف ناي” وهذا حقهم، ففي العالم العربي تعتبر مصر الدولة الأكثر سكانا وذات الجيش الأقوى، بالإضافة إلى تمتعها بموقع هام وجهاز مخابرات ذي نفوذ كبير، وقد كان يقال بأن القاهرة إذا عطست، فإن المنطقة بأكملها قد تصاب بالزكام.

ولأن التاريخ ليس من صنع جيل واحد من البشر، فإن أجيالا طويلة صنعت تاريخ هذا البلد الذي ما تزال آثاره دليلاً عليه، سواء في المرحلة الفرعونية أو اليونانية أوالرومانية أو الإسلامية أو في العصر الحديث، ويعتبر تاريخ مصر وآثارها أحد أهم مقومات القوة الناعمة لمصر، وعلى مر التاريخ كان موقع مصر سببا من أسباب بلائها وأطماع الأعداء فيها، ومع ذلك فقد آن الأوان لاستخدام الموقع كواحد من مصادر القوة الناعمة، فليست هناك دولة تتمتع بهذا الموقع المركزي تجاريا وجيوستراتيجيا في العالم كله، هذا رأسمال غير مادي لم نبرع في استثماره بعد.

أيضا الثقافة والفنون، تعتبران من أهم مصادر القوة الناعمة لمصر تماما كما هى بالنسبة للدول والجماعات في العالم، وتقدم الثقافة والفنون في العادة صورة عن الجماعة المعنية لدى الآخرين، وهناك دول برعت حتى الآن في تقديم ثقافتها إلى العالم بقصد اكتساب حب الآخرين وتقديم صورة إيجابية إلى الخارج، وفي مصر ماتزال توجد هنالك مصادر مهمة للثقافة بوسعها أن تقدم صورة أفضل للعالم كله منها الدين الإسلامي والدين المسيحي وفنون السينما والتليفزيون والفنون التشكيلية.

ومعروف إن السينما التي تعتبر أحد أزرع القوى الناعمة يمتد عمرها في مصر لأكثر من مائة عام استطاعت فيها تجسيد المجتمع وازدواجيته، فضلا عن التعبير عن هموم الناس باختلاف طبقاتهم الاجتماعية، بداية من الفنان “علي الكسار، ثم نجيب الريحاني وبديع خيري، ورمسيس نجيب أشهر باشاوات السينما، وأنتجت آنذاك مجموعة من الأفلام التي جسدت المجتمع المصري بحذافيره وتناقضاته.
ومن علامات ازدهار السينما المصرية وبروزها كقوى ناعمة في وقتنا الحاضر أن استطاعت أفلام جديدة كسر حاجز الخمسين مليون جنيه منها(الممر)، ومنهم وبالنظر إلى تلك الأرقام سنجدها قياسية، بل إنها لم تتحقق من قبل، وتبشر بعودة سريعة إلى أمجاد الماضي القريب، أما ما سماه البعض ممن يضمرون الشر لمصر بـ “القوى الصاعدة في المنطقة” والتي تقوى على تقييد نفوذ مصر الإقليمي بحرمانها من إحدى أهم قواها على الإطلاق، فهذا كلام لايستند إلى حقائق الواقع بل يعتمد على خيال مريض يطمح دوما للنيل من أهم أزرع قوة مصر الناعمة وهى السينما المصرية.

القوى الناعمة المصرية ممثلة في السينما والدراما التليفزونية والأغاني هى صانعة الثورات بامتياز ، لا لأن “التغيير” مفهوم ثقافي، ولا لأن الثقافة سلاح المواجهة الأول لدى المصريين، بل لأن الثقافة مكون أساسي في الشخصية المصرية عبر تراث هائل من الفنون المرئية والمسموعة التي ساهمت إلى حد كبير في تنمية الوعي وتطوير العقلية.

وبقدر ما كانت الثقافة هى السلاح الأقوى في وجه التطرف والعنف في المجتمع المصري ولا تزال، فإن التحديات وعنف الحرب الدائرة على الإرهاب، وإنهاك الاقتصاد المصري وعدم الاستقرار السياسي، قد أثر بالضرورة على حركة القوة الناعمة وتناميها، وأدى لتعثرها وتعطل قدراتها على الإنتاج، مكتفية في كثير من الأحيان بأدواتها القديمة ورصيدها الثقافي الزاخر، مستعيدة في كثير من المناسبات الوطنية والأحداث القومية، الأغاني والأفلام نفسها ، وربما أيضا الشعارات نفسها.

وعلى شاكلة السينما تأتي الدراما التليفزيونية، والتي نجحت في الفترة الأخيرة أن تؤدي دورها كزراع أخرى للقوى الناعمة بعد نجاح حفنة من المسلسلات في خارطة 2019 الرمضانية ، على رأسها مسلسل “كلبش” بطولة “أمير كرارة، و”لمس أكتاف” بطولة “ياسر جلال“، ومن قبلهما “الزئبق” من بطولة كريم عبد العزيز، وهو من ملفات المخابرات العامة المصرية “قصة واقعية”، حيث نجحت هذه النوعية من الدراما الممتعة في إثراء نفوس المواطنين والعالم الخارجي والترويج لقوة وتأثير جهاز المخابرات العامة المصرية.

و ليس هذا العمل جديدا على دور الدراما المصرية الفعال، فمنذ عقود قدمت أعمال رائعة مثل “حرب الجواسيس ، وعابد كرمان ورأفت الهجان ودموع فى عيون وقحة والثعلب” وغيرها من الأعمال الدرامية الرائعة التي تثير حماسة الشباب المصري، وتزيد من عزيمته وثقته في بطولات آبائه وأجداده السابقين، لذا جاءت الأعمال الحالية بجودة ربما كانت أكثر إبهار صورتها عن مثيلاتها من تلك الأعمال التي ستظل خالدة على مدار التاريخ.

يمكن القول أن مصر كانت ومازالت وستظل صاحبة القوة الناعمة المهيمنة على المستوى الإقليمى لمدة تزيد على ثلاثة عقود قبل ثورة 23 يوليو 1952، ومازالت مستمرة حتى الآن، فالثقافة والأفكار والقيم المصرية وجاذبية نظامها السياسى والاجتماعى، وشرعية سياستها الخارجية وممارستها الدبلوماسية، وكاريزمية رئيسها بين شعوب العالم الثالث، كانت وماتزال مصدرا للإلهام والجذب لدول المنطقة العربية ودول العالم الثالث كافة، فالثروات العلمية والفكرية والفنية والثقافية المصرية هائلة ولا تنضب، ولها جاذبيتها التاريخية فى قلوب وعقول شعوب المنطقة، شاء من شاء وأبى من أبى ستبقى مصر محروسة أبد الدهر بمشيئة الله وقدرته.

القوة الناعمة هي سلاح مصر الأول منذ عشرات السنين وستظل في المستقبل القريب والبعيد تثبت جداراتها كما يحدث الآن ،وما زال العالم العربي، وسيبقى، يعيش على قوة مصر الناعمة عبر فنونها السينمائية والغنائية والدراما التليفزيونية التي ماتزال تستقطب الجماهير العربية في المشرق والمغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى