اخبار عالميه

خط مصر الأحمر لسد النهضة وحصر أثيوبيا فيه

خط مصر الأحمر لسد النهضة وحصر أثيوبيا فيه

٭لواء أح سامى شلتوت.

حاولت إثيوبيا خلال الفترة الماضية الزج بالدولة المصرية بحرب كلامية بشأن أزمة السد، وذلك عبر تلك الاستفزازت التى صدرها وزير الطاقة والمياه الإثيوبى بتصريحاته العوجاء التى لا تعبر عن سوى فهم منقوص لأبعاد تلك الأزمة، حيث استقر بضمير إثيوبيا تأجيج مشاعر أطراف الأزمة لاتخاذ ردود فعل تنساق خلف خطوات أبي أحمد بالحدود النزاعى مع السودان، ولكن اجتماع الرئيس السيسى بالوفد السودانى خلال تلك الفترة، كان له دورا بارزا فى نزع فتيل تلك الأزمة، بحث السودان على عدم ترك ميدان النزاع بملف سد النهضة إلى أمر آخر لا يمثل ذات الأهمية، حتى تسنح الفرصة أمام آبي أحمد لمباغتة المجتمع الدولى بالملء الثانى كسياسة أمر واقع، فدور القاهرة كانت يراعى بالأساس عدم التفات إثيوبيا على مرجعية الحل لتلك الأزمة، والمتمثلة فى فرضية القانون العادل والملزم كمظلة لإنهاء تلك الأزمة بشكل أمن،مما حدا بالسودان لنهج مسار مغاير تجاه تلك الأزمة من خلال التضامن الحثيث مع الرؤية المصرية للحل.

فالاستفزاز الإثيوبى بشأن أزمة السد يعد نوعا من الحراك الزائف لاغتيال مخرجات خط مصر الأحمر ، التى أصبحت بمثابة أيقونة الحل من وجهة النظر الدولية،مما قطع الطريق على هؤلاء المتفيقهون الذى يسعون إلى جعل الأمن القومى المائى حقل تجارب لمصالحهم ، ذلك الزخم الذى حظيت به منهجية الدولة المصرية لم تكن وليدة اللحظة ولكنها جاءت وفقا لجهود مضنية بذلت،لم تألوا السياسة المصرية الخارجية أى جهد من أجل وصولها إلى الهدف المنشود، مرورا بمراكز الأبحاث والدراسات وصولا إلى ذلك الدور الذى لعبته الكنيسة المصرية بإثيوبيا علي وجه التحديد، فاستخدام القاهرة لآليات القوة الناعمة فى ظل وجود إعتراف من قبل ترامب بحق اللجوء إلى الخيارات الأخرى، كان مبعثه فى حقيقة الأمر رؤية مصرية محددة تبحث عن حلول غير إقصائية للبعد التنموى بحاضنتها الأفريقية،انطلاقا من الدور الريادى للدولة المصرية تجاه أشقائها وجيرانها.

فحديت وزير الخارجية المصرى سامح شكرى حول أزمة السد منذ أيام قليلة، دار نحو وجود سيناريوهات عديدة على طاولة الدولة المصرية بشأن الخطوات التصعيدية من قبل أديس أبابا، وذلك درء لتلك المفاهيم الإثيوبية التى تختلج عقل أبي أحمد باتجاه وجود زهد سياسى للقاهرة تجاه معطيات تلك الأزمة وحلولها أيضا،مما يبرهن على وجود أسس واقعية لحالة الرفض التى تنتاب السياسة المصرية بشأن تشغيل وإدارة السد،التى تحاول إثيوبيا الاستئثار بها وفقا لقاعدة ملكية التدفق من منظور كونها دولة المنبع التى تسوق لمياه لدول المصب، تلك التصريحات التى اكتنفت بداخلها توصيات من قبل شكرى نادت بضرورة إبقاء السودان على ثبات موقفها من خلال تضامنها مع منهجية مصر لحل تلك الأزمة،فى وقت تبحث فيه إثيوبيا عن حوافز سياسية تستطيع أن تجذب إليها السودان للانقلاب على نظرية الأمن المائى المصرى.

حيث قدمت السودان وفقا للجنة فنية عليا تتبع الفريق التفاوضى التابع لسد النهضة مقترحا للخروج من تلك الأزمة ،فنص هذا المقترح على تشكيل لجنة رباعية تتضمن الإتحاد الأوروبى والإتحاد الإفريقى والولايات المتحدة والأمم المتحدة بهدف دفع سبل التفاوض بين البلدان الثلاث، حيث أقرت السودان فى وقت سابق توسيع مظلة الخبراء الأفارقة ليمتد من دور الوساطة إلى دور الرعاية لنجاح مفاوضات سدالنهضة ،وذلك وسط تعثر منيت به جولات التفاوض والتى كان أخرها الاجتماع السداسى الذى عقد بشهر يناير الماضى.

وعلى جانب ثانى صرح وزير الدولة للشئون الأفريقية بالخارجية السعودية أحمد بن عبد العزيز قطان عقب اجتماع ثنائى برئيس الوزراء السودانى عبدالله حمدوك أن الرياض تسعى إلى وضع حد لأزمة سد النهضة، مؤكدا أن بلاده تقف وبقوة مع الأمن القومى العربى المائى ، ويضيف قطان أن السعودية سوف تدعو لاجتماع موسع بمنظومة البحر الاحمر التى تضم ثماني دول خلال الفترة القادمة، مستطردا أنالسعودية ثمنت من تفعيل بروتوكلات ومذكرات التعاون مع الجانب السودانى، منهيا حديثه أن الرياض تسعى لضخ مزيد من الاستثمارات بالسوق فيالسودانى بعدما نجحت الخرطوم فى إزالة العقبات التى تحول دون ذلك.

ومن هذا المنطلق يمكننا التأكيد على ذهاب القاهرة نحو إصباغ أزمة سد النهضة بهيكل الأمن القومى العربي، فى وقت طالبت فيه إثيوبيا بوجود الدعم التركى فى قضية النزاع الحدودى مع السودان، مما يؤكد على نجاح القاهرة فى عزل إثيوبيا دوليا وإقليميا عبر تلك الموثوقية التى يحظى بها خط مصر الأحمر ضد سلسلة التعنت و المماطلة التى تنتهجها إثيوبيا، وبوجه خاص حول تحركاتها الأحادية نحو عملية الملء الثانى للسد دون الالتفات إلى مطالب دولتى المصب، فالخطوات التى تبنتها القاهرة مؤخرا استهدفت فى الأساس كشف النقاب عن وجود مؤامرة ضد أمنها المائى من خلال التدخلات التى تسعى كثير من الدول لفرضها بدول حوض النيل ومن بينها تركيا، فأنقرة التى تطل برأسها من خلال بوابة السد وفقا لبروتوكول الاستدعاء الإثيوبى لها،يبرهن على نجاح الدولة المصرية فى تضييق الخناق على الطموح التركى بليبيا، بعدما أرست مرجعية مصر السلمية لحل الأزمة بليبيا خريطة سياسية تمهيدية ثابتة سوف تسفر خلال نهاية العام الجارى عن انتخابات تنادى بعودة مؤسسات الدولة،  فظهور تركيا بملف السد ليس دورا شرفيا أو محض الصدفة البحتة، ولكن من المؤكد أن التربص التركى بالأمن القومى المصرى الذى لا يقبل التجزئة لن يفرق كثيرا بين جوار عربى أو أفريقي، فمن يبحث عن خلق نقطة ضعف للدولة المصرية سوف يأتى من أى جهاتها الأربع ، فالتأمر نظرية رباعية الأبعاد فى حد ذاتها.

القمة المرتقبة لمنظومة البحر الأحمر التى نوه عنها المسئول السعودى، والتى من بين دولها مصر والسودان والسعودية إلى جانب خمس دول آخرى، تبرهن على أن خط مصر الأحمر أصبح يشكل مرجعية لمكافحة أى نوع من أنواع التدخل التى قد تجلب الفوضى،فى وقت أصبحت حروب المياه أقرب من شراك نعل تلك الدول التى تتمتع بحقوق مائية، مما بدوره يمهد لنزاع جديد قد يطرأ على الساحة الدولية والإقليمية حول المياه والغاز كثروة حقيقية بدلا من النفط،وهذا ما تجلى بتلك المناوشات التى كان مركزها عبثية أردوغان بالبحر المتوسط، ومن ثم إغلاق الباب فى وجه تركيا بالبحر المتوسط كان سببا وجيها لإدارة سفينة الأزمات التركية نحو البحر الأحمر، وبهذا نستطيع الجزم بأن خط مصر الأحمر أصبح يشكل مرجعية ولائحة عمل لصد أى عدائيات قد تفتح لها أديس أبابا الباب،بعد دخول تركيا على خط أزمة الحدود مع السودان، كبداية لمرحلة لاحقة للتوغل بمفاهيم وأبعاد أزمة السد، مما قد يسفر عن حلول لصالح دولتى المصب اللتان تمثلها القاهرة والخرطوم بمظلة وحصانة عربية،كل ذلك وسط مقترحات سودانية لاستنفار الهمة الدولية باتجاه نزع وسائل المماطلة الإثيوبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى