مقال

نظرة تأمل مع الخضر عليه السلام ” الجزء الخامس “

الخضر عليه السلام

نظرة تأمل مع الخضر عليه السلام ” الجزء الخامس “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الخامس مع الخضر عليه السلام، وهو العبد الصالح الذي ذكره الله تعالى في سورة الكهف، حيث رافقه نبى الله موسى عليه السلام وتعلم منه، وقد اشترط عليه أن يصبر، فأجابه إلى ذلك، فقال له وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا، وظل معه، وهو عبد آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علما، ومشى معه في الطريق، وكان نبى الله موسى يتعجب من فعله، حتى فسر له أسباب هذه الأمور وقال له في آخر الرحله ما فعلت ذلك عن أمري، وإنما عن أمر الله تعالى، وهناك بعض الناس يقولون عن الخضر إنه عاش بعد نبى الله موسى عليه السلام إلى زمن نبى الله عيسى عليه السلام ثم زمن رسولنا الكريم محمد عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين وأنه عائش الآن وسيعيش إلى يوم القيامة، وتنسج حوله القصص والروايات والأساطير بأنه قابل فلانا، وألبس فلانا خرقة، وأعطى فلانا عهدا، إلى آخر ما يقصون وينسجون من أقاويل ما أنزل الله بها من سلطان، وأنه ليس هناك دليل قط على أن الخضر حي أو موجود كما يزعم الزاعمون بل على العكس، هناك أدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والمعقول وإجماع المحققين من الأمة على أن الخضر ليس حيا وليس على قيد الحياه، وأكتفي بأن أنقل فقرات من كتاب “المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف” للمحقق ابن القيم رحمه الله، يذكر في هذا الكتاب رحمه الله ضوابط للحديث الموضوع الذي لا يقبل في الدين.

ومن هذه الضوابط الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته، وكلها كذب، ولا يصح في حياته حديث واحد، فحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان في المسجد، فسمع كلاما من ورائه، فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر، وحديث يلتقي الخضر والياس كل عام وحديث يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخضر، وسُئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باق، فقل ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان، وسُئل الإمام البخاري عن الخضر والياس هل هما أحياء؟ فقال كيف يكون هذا؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد” رواه الشيخان البخارى ومسلم، وسُئل عن ذلك كثير غيرهما من الأئمة فقالوا، مستدلين بالقرآن الكريم فى قول الحق سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة الأنبياء “وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد إفإن مت فهم الخالدون” وسُئل عنه شيخ السلام ابن تيمية رحمه الله، فقال “لو كان الخضر حيا لوجب عليه أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، ويجاهد بين يديه ويتعلم منه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر يقول “اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض” وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم، فأين كان الخضر حينئذ؟ فالقرآن، والسنة، وكلام المحققين من علماء الأمة ينفي حياة الخضر كما يقولون، والقرآن الكريم يقول”وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد إفإن مت فهم الخالدون”

فالخضر إن كان بشرا فلن يكون خالدا، حيث ينفي ذلك القرآن الكريم والسنة المطهرة فإنه لو كان موجودا لجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم”والله لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني” رواه أحمد عن جابر بن عبد الله، فإن كان الخضر نبيا، فليس هو بأفضل من موسى، وإن كان وليا فليس أفضل من أبي بكر، وما الحكمة في أن يبقى طيلة هذه المدة كما يزعم الزاعمون في الفلوات والقفار والجبال؟ ما الفائدة من هذا؟ ليس هناك فائدة شرعية ولا عقلية من وراء هذا، إنما يميل الناس دائما إلى الغرائب والعجائب والقصص والأساطير، ويصورونها تصويرا من عند أنفسهم ومن صنع خيالهم، ثم يضفون عليها ثوبا دينيا، ويروج هذا بين بعض السذج، ويزعمون هذا من دينهم، ولكن ليس هذا من الدين في شيء، والحكايات التي تحكي عن الخضر إنما هي مخترعات ما أنزل الله بها من سلطان، أما السؤال حول هل هو نبي أو ولي؟ فالعلماء قد اختلفوا في ذلك، ولعل الأظهر أنه نبي، كما يبدو من الآية الكريمة التي تلوناها من سورة الكهف ” وما فعلته عن أمرى” فهي دليل على أنه فعل ذلك عن أمر الله تعالى، ومن وحيه سبحانه وتعالى، لا من عند نفسه، فالأرجح أنه نبي وليس مجرد ولي، ويوجد للخضر عدة مقامات بإسمه منها جامع الخضر الموجود في منطقة الكرنتينا على طرف بيروت، وهو آخر جامع على حدود المدينة.

وكان هذا الجامع في الأصل كنيسة بإسم مار جرجس، حولها علي باشا إلى مسجد بإسم مسجد الخضر، وفي بغداد بني مقام مسجد الخضر على ضفاف نهر دجلة في جانب الكرخ، ويعتبر الخضر عليه السلام مقدسا لدى العديد من الديانات مثل المسيحية ويقول المسيحيون أن مار جرجس هو نفسه الخضر، والرواية المسيحية هي أن تنين كان يخرج على سكان بيروت ويرعبهم، ويقتل ويأكل سكان المدينة، بعد أن طالت القصة إتفق أهل المدينة على تقديم فتاة جميلة للتنين كل عام عن طريق القرعة، فداء عن أهل المدينة، وفي سنة من السنين وقعت القرعة على ابنة حاكم المدينة فأخذ الفتاة إلى مكان الموعد، وكانت الفتاة مؤمنة فتوسلت بالدعاء إلى الله، فتصور لها مار جرجس وهو يركب حصانا وفي يده حربة، وعندما خرج التنين برأسه من البحر، وذهب ليبتلع الفتاة، باغته مار جرجس فطعنه بحربته المسننة، فمات في الحال، فشيد والد الصبية كنيسة في الموضع الذي قتل فيه التنين، ويقول المسيحيين بأن مار جرجس قتل بعد أن أعتنق الدين المسيحي، في عهد الملك الروماني دقلديانوس، ويعيد المسيحيون كل عام بعيد مار جرجس، وأيضا فى القصة اليهودية فهى تشابه القصة الإسلامية ولكن باختلاف أسماء الشخصيات وهما يوشع بن لاوي وإلياس وتختلف عدة أمور عن قصة موسى والخضر، وتبدأ القصة بطلب يوشع من الله أن يلقى بإلياس فيستجيب الله دعاءه.

وعندما التقى يوشع بإلياس يطلب منه أن يطلعه على بعض الأسرار فيرد عليه ” إنك لا طاقة لك على تحمّل ذلك” فيلح أن يرافقه في سفره إلى أن وافق إلياس بشرط وهو أن لا يسأله عن أي شيء يراه، وإذا سأله فإن إلياس حر في تركه، وفي الديانه الدرزية، فإن الخضر عليه السلام هو نبي مبجل أيضا لدى الموحدون الدروز، ومشابه كثيرا للرواية الإسلامية، وقيل إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء، وإن الخضر عليه السلام قد ورد ما يدل على أنه كان من بني إسرائيل في زمان فرعون أيضا، فقال أبو زرعة في “دلائل النبوة” حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي، حدثنا الوليد، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه ليله أسري به وجد رائحة طيبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة؟ ” فقال جبريل عليه السلام “هذه ريح قبر الماشطة وابنتها وزوجها” وقال وكان بدء ذلك أن الخضر كان من أشراف بني إسرائيل، وكان ممره براهب في صومعته، فتطلع عليه الراهب فعلمه الإسلام، فلما بلغ الخضر زوجه أبوه امرأة فعلمها الإسلام، وأخذ عليها أن لا تعلم أحدا وكان لا يقرب النساء، ثم طلقها ثم زوجه أبوه بأخرى فعلمها الإسلام، وأخذ عليها أن لا تعلم أحدا، ثم طلقها، فكتمت إحداهما وأفشت عليه الأخرى، فانطلق هاربا حتى أتى جزيرة في البحر فأقبل رجلان يحتطبان.

فرأياه فكتم أحدهما وأفشى عليه الآخر، قال قد رأيت العزقيل ومن رآه معك، قال فلان فسئل فكتم، وكان من دينهم أنه من كذب قتل، فقتل وكان قد تزوج الكاتم المرأة الكاتمة، قال فبينما هي تمشط بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها، فقالت نعس فرعون فأخبرت أباها وكان للمرأة ابنان وزوج، فأرسل إليهم فراود المرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما فأبيا، فقال إني قاتلكما فقالا إحسان منك إلينا إن أنت قتلتنا أن تجعلنا في قبر واحد فجعلهما في قبر واحد، فقال وما وجدت ريحا أطيب منهما وقد دخلت الجنة، وقد تقدمت قصة مائلة بنت فرعون وهذا المشط في أمر الخضر قد يكون مدرجا من كلام أبي بن كعب، أو عبد الله بن عباس، والله أعلم، وقيل إنما سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله، وقيل أن نبى الله موسى ويوشع بن نون عليهما السلام لما رجعا يقصان الأثر وجداه على طنفسة خضراء على كبد البحر، وهو مسجى بثوب، قد جعل طرفاه من تحت رأسه وقدميه، فسلم عليه السلام، فكشف عن وجهه فرد وقال أني بأرضك السلام؟ من أنت؟ قال أنا موسى، فقال الخضر له موسى نبي بني إسرائيل؟ فقال نعم، فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه عنهما، وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، حدثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي، حدثنا محمد بن الفضل بن عمران الكندي، حدثنا بقية بن الوليد، عن محمد بن زياد، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال لأصحابه” ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم “بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب، فقال تصدق عليّ بارك الله فيك، فقال الخضر، آمنت بالله ما شاء الله من أمر يكون، ما عندي من شيء أعطيكه، فقال المسكين أسألك بوجه الله لما تصدقت علي، فإني نظرت إلى السماء في وجهك ورجوت البركة عندك، فقال الخضر آمنت بالله ما عندي من شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني، فقال المسكين وهل يستقيم هذا؟ قال نعم الحق أقول لك، لقد سألتني بأمر عظيم، أما أني لا أخيبك بوجه ربي بعني، قال فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم، فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شيء، فقال له إنك ابتعتني التماس خير عندي، فأوصني بعمل، قال أكره أن أشق عليك إنك شيخ كبير ضعيف، قال ليس يشق علي، قال فانقل هذه الحجارة، وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم، فخرج الرجل لبعض حاجاته ثم انصرف، وقد نقل الحجارة في ساعة، فقال له أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه، ثم عرض للرجل سفر، فقال إني أحسبك أمينا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة، فقال فأوصني بعمل، قال له إني أكره أن أشق عليك، فقال الخضر له ليس تشق علي، فقال له الرجل فاضرب من اللبن لبيتي، حتى أقدم عليك، فمضى الرجل لسفره فرجع، وقد شيد بناؤه فقال أسألك بوجه الله ما سبيلك وما أمرك؟ فقال له الخضر عليه السلام سألتني بوجه الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى