مقال

فى طريق المعرفه ومع نبى الله يوشع بن نون ” الجزء السادس

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السادس مع نبى الله يوشع بن نون عليه السلام، وقد توقفنا مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال “العلم علمان، علم في القلب فذلك العلم النافع وعلم على اللسان فذلك حجة الله تعالى على ابن آدم” فهذا مثل علم بلعام وأشباهه، وإن الانسلاخ هو الخروج، كما يقال انسلخت الحية من جلدها أي خرجت منه، وقيل هذا من المقلوب، أي انسلخت الآيات منه، فأتبعه الشيطان أي لحق به ويقال أتبعت القوم أي لحقتهم، وقيل أنها نزلت في اليهود والنصارى، فإنهم انتظروا خروج رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فكفروا به، وإن يوشع بن نون، وهو اسم الفتى الذي رافق نبى الله موسى عليه السلام في رحلته إلى الخضر، والذي فصَّل القرآن الكريم قصتهما في سورة الكهف، فقد ثبت في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” ثم انطلق هو وفتاه يوشع بن نون، حتى أتيا الصخرة وضعا رءؤسهما” وكان ذلك الفتى أحد أنبياء بني إسرائيل فيما بعد، وأشهر قادتهم ورموزهم التاريخية وهو الذي تولى مقام النبوة بعد موت نبى الله موسى عليه السلام، وقد قام بأعباء النبوة بعد نبى الله موسى عليه السلام وتدبير الأمر بعده، واسم يوشع، أو يشوع هو المقابل العربي للاسم العبري يهوشواع ومعناه يهوه أى الرب، وهو الخلاص، ويشوع بن نون، كان اسمه في البداية شواع، وأضاف موسى الجزء الأول فصار يهوشواع، ثم دعاه موسى يشوع، وهو يسمى أيضا يوشع وهو خليفة نبى الله موسى وخادمه، وابن نون من سبط إفرايم.

وقد اقترن اسم هذا النبي الكريم في المعرفة التوراتية والثقافة الإسرائيلية بالقائد العسكري الصلب الذي استعمل جميع الأساليب المحظورة في سبيل تثبيت عرش دولة العبرانيين، كالحرق والهدم والابتزاز بالعاهرات ونحو ذلك مما نعتقد بطلان نسبته إليه، فالأنبياء في العقيدة الإسلامية معصومون من الوقوع في كبائر الذنوب وخوارم المروءة ، ومعلوم أن الكتب المحرفة التي في أيدي اليهود تشتمل على الكثير جدا من الطعن المخزي في رسل الله وأنبيائه الكرام، ويشوع هو الذي أمر العبرانيين بأن يطوفوا بأسوار أريحا سبع مرات وأمامهم سبعة كهنة ينفخون في الأبواق، فسقط السور وسقطت المدينة في أيديهم، ويفسر بعض المحدثين من اليهود هذه الظاهرة بأنه من تأثير شدة ذبذبات أصوات الأبواق ومهما يكن الأمر، فقد قام يشوع بإحراق أريحا بالنار بأمر يهوه وكل ما بها ما عدا راحاب العاهرة كما زعموا، ويلاحظ أن التصور السائد للخالق في سفر يشوع لا يختلف كثيرا عما جاء على نقش ميشع، حيث نجد أن الإله القومي يجد غبطة غير عادية في عمليات القتل والإبادة التي يقوم بها شعبه، وتحاول الأجاداه أن تبرر قيامه باغتصاب أرض كنعان من أهلها على أساس أن العهد الإلهي قد وعد بهذه الأرض لنسل يعقوب، وأن الكنعانيين كانوا مجرد أوصياء عليها، وقال اليهود أنه قد تزوج يشوع من العاهرة راحاب التي ساعدت جواسيسه ، وذلك بعد أن تهودت.

وإن من عدل الله تعالى في عباده أن جعل السيادة والريادة لمن يدين بدينه ويقيم شريعته، بغض النظر عن جنسه ولونه ولسانه وماله وسلطانه، وهؤلاء هم أهل الحق، والحق أقوى من الباطل وإن طغى أهله وظلموا فهو سبحانه وتعالى القائل فى كتابه الكريم فى سورة الأنبياء ” بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق” وأهل الحق غالبون ولو كانوا قلة مستضامين مستضعفين؛ لأنهم جند الله تعالى، وقد قال سبحانه كما جاء فى سورة الصافات ” وإن جند الله لهم الغالبون” وبنو إسرائيل أمة قد فضلها الله تعالى على من كانوا قبلها من الأمم، بما آتاها الله تعالى من الحكم والنبوة فقال تعالى فى سورة الجاثية ” ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين ” ويقول تعالى أيضا فى سورة الدخان ” ولقد اخترناهم على علم على العالمين ” وإذا أطلق إسرائيل في القرآن الكريم فهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وقد جعل الله تعالى النبوة في ذريته، وكان موطنهم بيت المقدس بعد أن اتخذه جدهم الخليل إبراهيم عليه السلام موضعا يعبد الله تعالى فيه، إلى أن جرى على نبى الله يوسف ما جرى عليه في مصر من الرفعة والتمكين، فهاجر يعقوب ببنيه من بيت المقدس إلى مصر، كما جاء في سورة يوسف عليه السلام فيقول تعالى ” فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ” ومكثوا فيها أربعة قرون وزيادة، كان الكنعانيون الوثنيون فيها يحكمون بيت المقدس ويسمون العمالقة والجبارين.

فلما بعث الله تعالى موسى من نسل يعقوب عليهما السلام، وجرى عليه ما جرى مع فرعون وقومه أنزل الله تعالى التوراة على موسى عليه السلام، وفرض فيها الجهاد على بني إسرائيل فأمروا بقيادة نبى الله موسى عليه السلام أن يطهروا بيت المقدس من وثنية الكنعانيين، فامتنعت بنو إسرائيل عن القيام بأمر الله تعالى وقالوا كما جاء فى سورة المائدة ” يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ” فعاقبهم الله تعالى بالتيه على عصيانهم أربعين سنة على ما جاء ذكره في سورة المائدة، وقد توفي فيها نبى الله موسى وهارون عليهما السلام، ونشأ جيل جديد من بني إسرائيل، أقوى إيمانا، وأصلب عودا، وأمضى عزيمة، فقادهم يوشع بن نون عليه السلام إلى بيت المقدس ففتح الله تعالى عليه، وطهرت الأرض المباركة من شرك الكنعانيين الوثنيين، وعمرها أتباع نبى الله موسى بتوحيد الله تعالى، إلى أن دب الشرك والعصيان في بعضهم، فكان من بني إسرائيل موحدون، كما كان فيهم مشركون، فلما كثر العصيان فيهم سلط الله تعالى عليهم الجبابرة من الكنعانيين، فاحتلوا بيت المقدس، ونكلوا بهم، فضاع بنو إسرائيل وتفرقوا، فعمدوا إلى نبي لهم لينصب عليهم ملكا يسوسهم، ويعيد مملكة القدس لهم، فأرسل إليهم طالوت، فكانت المعركة العظيمة المذكورة في سورة البقرة، التي انتصر فيها بنو إسرائيل على الوثنيين، وبرز فيها نجم نبى الله داوود عليه السلام حين قتل جالوت، ثم آل الملك إليه بعد طالوت، وآتاه الله تعالى النبوة، فافتتح بيت المقدس.

وسميت مدينة داوود، فعزم على أن يبني لله تعالى مسجدا سماه اليهود بيت الرب أو الهيكل، وتوفي نبى الله داود عليه السلام قبل أن يتم له ذلك فخلفه ابنه سليمان عليه السلام، وآتاه الله تعالى الملك والنبوة، فابتنى المسجد على هيئة عظيمة تليق بملكه وملك أبيه عليهما السلام، وظل بنو إسرائيل يعبدون الله تعالى في المسجد أو الهيكل على وفق شريعة نبى الله موسى عليه السلام والنبيين من بعده، ومع تقادم العهد كان بنو إسرائيل يتحللون من شرائع أنبيائهم شيئا شيئا، فيبعث الله تعالى لهم أنبياء يدعونهم إلى التوحيد وإقامة الدين، فربما صدوا عن سبيلهم أو آذوهم أو قتلوهم، فيسلط الله تعالى عليهم من يسومهم سوء العذاب كما سلط عليهم الفراعنة والبابليين، ونتج عن ذلك هدم المسجد أو الهيكل، وخُربت مدينة القدس في السبي البابلي، ثم أعيد بناؤها وبناء الهيكل لما انتصر الفرس على البابليين، وقد استقر الحكم بعد حروب كثيرة للرومان على بيت المقدس، فاسترضوا بني إسرائيل، وتقربوا إليهم، ولكن بني إسرائيل تمادوا في البغي والظلم فبعث الله تعالى فيهم زكريا ويحيى عليهما السلام، وكان زكريا رئيس المسجد أو الهيكل، وهو الذي كفل السيدة العذراء مريم عليها السلام المنذورة لخدمة الهيكل، ومن مريم جاء المسيح عيسى عليه السلام بلا أب بمعجزة ربانية مذكورة في القرآن الكريم، وقد بلغ من فساد بني إسرائيل أن قتلوا نبى الله زكريا عليه السلام، ثم قتلوا ولده يحيى عليهما السلام لأنه رفض الفتيا لهم بجواز البغاء لأحد ملوكهم، ورموا مريم بالإفك والبهتان.

ولما بعث فيهم عيسى عليه السلام انقسم بنو إسرائيل إلى فريقين، فريق آمن بعيسى وهم الأقل والأضعف وهم النصارى، وفريق كفر به وهم الأكثر والأقوى وهم اليهود، فوعظهم نبى الله عيسى وذكرهم، وكانت عقائدهم وأخلاقهم قد بلغت المنتهى في الفساد والانحطاط حتى إنهم جعلوا مسجد داود ملهى لهم، وسوقا للمرابين منهم، فحذرهم نبى الله عيسى عليه السلام من العقوبة قائلا لهم “مكتوب أن بيتي بيت للصلاة وأنتم جعلتموه مغارة لصوص” ولما استيأس منهم حذرهم من أن الهيكل سوف يهدم فقال لهم ” الحق أقول لكم إنه لا يترك ها هنا حجر على حجر لا ينقض” وقد انتشرت دعوة نبى الله عيسى عليه السلام ومواعظه بين الناس، وتأثروا به، فخاف المتنفذون من رجال الدين والسياسة من اليهود على نفوذهم من دعوته، وحكمت المجامع الدينية اليهودية بقتل نبى الله عيسى عليه السلام، وأغروا الحاكم الروماني بذلك، وفرّ عيسى عليه السلام ومن معه بدينهم، وسمي المسيح لمسحه الأرض، وكثرة تنقله خوفا من اليهود، إلى أن عثروا عليه فنجاه الله تعالى منهم، ورفعه إليه، وبعد سنوات من رفع نبى الله عيسى عليه السلام، وأذية أتباعه بأيدي اليهود، فقد سُلط اليهود على أنفسهم فحاولوا التمرد على الحاكم الروماني، فاستباحهم، وسبى كثيرا منهم إلى روما، وأحرق المدينة المقدسة، وهُدم الهيكل للمرة الثانية، وتحققت فيهم نبوءة نبى الله عيسى عليه السلام فلم يُبق الرومان في المدينة المقدسة حجرا على حجر، وانتهى أمر اليهود في بيت المقدس، وتفرقوا في أرجاء الأرض.

وقد انتقلت أحقية المدينة المقدسة من اليهود إلى النصارى لشرك اليهود وتوحيد النصارى، ولكن أتباع نبى الله عيسى عليه السلام وهم النصارى ما لبثوا إلا يسيرا حتى بدأ الانحراف يدب فيهم، ولم يبق على التوحيد منهم إلا طائفة قليلة إذ بعد ثلاثة قرون من رفع المسيح عليه السلام أعلن حاكم الروم قسطنطين عقيدة التثليث عقيدة موحدة للنصارى، ودخلت الأمة الرومانية في النصرانية المحرفة، وهرب الموحدون من أتباع عيسى عليه السلام في البراري والأدغال خوفا من بطش أهل الشرك والتثليث، وابتنيت الكنائس في مدينة القدس وغيرها على هذه العقيدة الشركية، وأقيمت فيها التماثيل، وصورت فيها التصاوير التي تناقض دين المسيح عليه السلام، وظل مسجد داوود عليه السلام سورا خاليا لا بناء فيه، ولما بعث الله تعالى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأسرى به إلى المسجد الأقصى، وأمّ فيه الأنبياء عليهم السلام كان ذلك إيذانا بانتقال الحق في المدينة المقدسة من النصارى إلى المسلمين، وتم ذلك في فتوح الشام في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي رحل من المدينة إلى بيت المقدس ليتسلم مفاتيحه من كبار النصارى، ودخلت المدينة المقدسة ومسجدها أى مسجد داود عليه السلام في حظيرة الإسلام، وشرع شد الرحال إلى مسجدها كما شرع لحرمي مكة والمدينة، ولا حق فيها لغير أهل الإسلام بناء على أنها من حق من يقيم دين الله تعالى، ولا دين حقا بعد بعثة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلا دين الإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى