مقال

فى طريق المعرفه ومع نبى الله يوشع بن نون ” الجزء السابع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء السابع مع نبى الله يوشع بن نون عليه السلام، وقد توقفنا عندما تم فتوح الشام في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي رحل من المدينة إلى بيت المقدس ليتسلم مفاتيحه من كبار النصارى، ودخلت المدينة المقدسة ومسجدها أى مسجد داود عليه السلام في حظيرة الإسلام، وشرع شد الرحال إلى مسجدها كما شرع لحرمي مكة والمدينة، ولا حق فيها لغير أهل الإسلام بناء على أنها من حق من يقيم دين الله تعالى، ولا دين حقا بعد بعثة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلا دين الإسلام، وأما اليهود والنصارى فانحرفوا عن شرائع أنبيائهم، فكان المسلمون أولى بأنبيائهم عليهم السلام منهم، وقد قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لليهود ” نحن أولى بموسى منكم ” رواه البخارى ومسلم، وفي شأن نبى الله عيسى عليه السلام قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” وأنا أولى بابن مريم ” رواه البخارى ومسلم، ونبى الله عيسى عليه السلام حين ينزل آخر الزمان فإنه يقاتل اليهود والنصارى على شريعة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ويحكم بين الناس بها، ولقد كان المسجد الأقصى على مر التاريخ مسجدا للمسلمين من قبل أن يوجد اليهود ومن بعد ما وجدوا، فإبراهيم عليه السلام هو أول من اتخذ تلك البقعة مسجدا، وقد قال الله تعالى عنه كما جاء فى سورة آل عمران ” ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين” وليس لبني إسرائيل يهودا ونصارى علاقة بالمسجد الأقصى.

إلا في الفترات التي كانوا فيها مسلمين مع أنبيائهم المسلمين عليهم السلام، أما بعد كفرهم بالله تعالى، وشتمهم إياه، وقتلهم الأنبياء فقد انبتت علاقتهم بهذا المسجد الذي تحول إلى إرث المسلمين المؤمنين بجميع الأنبياء عليهم السلام، ولكن اليهود والنصارى في هذا الزمن لا يسلمون بذلك، ويحاربون المسلمين عليه إذ يعتقد اليهود أن بناء الهيكل الثالث سيخرج ملكا من نسل نبى الله داوود عليه السلام، يحكمون به العالم، ويقتلون غير اليهود، كما يعتقد صهاينة النصارى أن نزول المسيح سيكون في الأرض المباركة، وأنهم سيكونون أتباعه، ويقتلون به غير النصارى، فالصراع على بيت المقدس هو صراع ديني عقائدي، حيث يعتقد صهاينة اليهود والنصارى أنهم لن يستطيعوا حكم العالم إلا بعد بناء الهيكل فيه ولذا فلن يتنازلوا عنه مهما كلف الأمر، وأما الملاحدة والعلمانيون من بني إسرائيل فيرون أن هذه العقائد الدينية التي تحرك صهاينتهم فرصة سانحة لإقناع شعوبهم وتحريكهم نحو استعمار منطقة الشرق الإسلامي، وبسط نفوذهم فيها لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية بهذه المعتقدات والعجيب أن الأهداف الصهيونية الدينية والأهداف العلمانية عند اليهود والنصارى قد التقت على هذه البقعة المباركة، واتفقت على لزوم السيطرة عليها، وكل واحد من الفريقين وإن كانت له مسوغاته ومشاريعه فإنه يدعم الفريق الآخر ويؤيده، بخلاف المسلمين فإن العلمانيين منهم يريدون التخلي عن الأرض، وبيعها للأعداء بثمن بخس، بل بلا ثمن، ويحاربون من لا يوافقهم في خيانتهم بلا هوادة.

وإن الأرض المباركة هي أرض الله تعالى، ومسجدها أقيم لتوحيده سبحانه، وليس من حق أحد كائنا من كان أن يتنازل عن شيء منها للأعداء فهي ملك لله تعالى، وأمانة عند المسلمين، ولن تحرر من رجس اليهود إلا بالتزام دين الله تعالى، وتحكيم شريعته، والتوبة من الذنوب والمعاصي التي هي سبب الذل والهوان المضروبين على المسلمين، ولقد كان من سنة الله تعالى في المكذبين من عباده أن يهلكهم بعذاب من السماء كما جرت هذه السنة على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط وقوم شعيب وفرعون وهامان وقارون وجندهم، فلما شرع الله تعالى الجهاد في شريعة موسى عليه السلام أمسك عذابه عنهم، وجعله بأيدي المؤمنين بالجهاد الشرعي الذي هو باق إلى آخر الزمان، حين يجاهد عيسى عليه السلام والعصبة المؤمنة معه المسيح الدجال ومن معه من اليهود، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة، وتضافرت فيه أقوال المفسرين والعلماء، وهو ما قص الله تعالى علينا في سورة البقرة من خبر المعركة بين طالوت وجالوت، وقتل داود لجالوت، وداود عليه السلام من أنبياء بني إسرائيل، وهو بعد موسى عليه السلام، وأيضا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ما أهلك الله قوما ولا قرنا ولا أمة ولا أهل قرية منذ أنزل التوراة على وجه الأرض بعذاب من السماء غير أهل القرية التي مسخت قردة، ألم تر إلى قوله تعالى ” ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون” رواه الحاكم.

ومن أقوال المفسرين على قول الله تعالى كما جاء فى سورة القصص ” ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون” وقد قال ابن عطية رحمه الله تعالى وقالت فرقة، إن الآية مضمنة أن إنزال التوراة على نبى الله موسى هو بعد أن رفع الله تعالى عذاب الأمم فلم تعذب أمة بعد نزول التوراة إلا القرية التي مسخت قردة فيما رُوي، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، قال نبى الله موسى ” قد جئتكم ببينة من ربكم” إلى قوله ” فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين” إلى قوله ” فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين” وليس المراد بالآيات هنا كتابا منزلا، فإن موسى لما ذهب إلى فرعون لم تكن التوراة قد نزلت، وإنما أنزلت التوراة بعد أن غرق فرعون، وخلص ببني إسرائيل، فاحتاجوا إلى شريعة يعملون بها، فقال تعالى ” ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الآولى بصائر للناس وهدى” ولكن تكذيبهم بآياته إنكارهم أن تكون آية من الله تعالى وقولهم إنها سحر، وقال في موضع آخر، والله تعالى قد جعل أكمل المؤمنين إيمانا أعظمهم بلاء كما قيل للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” أي الناس أشد بلاء؟ قال الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الرجل علي حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه وإن كان في دينه رقة خفف عنه ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي علي الأرض وليس عليه خطيئة”

ومن هذا أن الله شرع من عذاب الكفار بعد نزول التوراة بأيدي المؤمنين في الجهاد ما لم يكن قبل ذلك حتى إنه قيل لم ينزل بعد التوراة عذاب عام من السماء للأمم كما قال تعالى ” ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون” فإنه قبل ذلك قد أهلك قوم فرعون وشعيب لوط وعاد وثمود وغيرهم ولم يهلك الكفار بجهاد المؤمنين، ولما كان موسى أفضل من هؤلاء وكذلك رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهما الرسولان المبعوثان بالكتابين العظيمين كما قال تعالى ” إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا” وقال تعالى ” قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتى موسى من قبل” إلى قوله تعالى ” قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما اتبعه” وقد أمر الله تعالى هذين الرسولين الكريمين عليهم الصلاة والسلام بالجهاد على الدين، وشريعة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أكمل، فلهذا كان الجهاد في أمته أعظم منه في غيرهم، فقال الله تعالى “كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون” وقال تعالى ” ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض” وقال الله تعالى للمنافقين “ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا” وقال أيضا إن الله سبحانه وتعالى كانت سنته قبل إنزال التوراة إذا كذب نبي من الأنبياء ينتقم الله من أعدائه بعذاب من عنده كما أهلك قوم نوح بالغرق.

وقوم هود بالريح الصرصر وقوم صالح بالصيحة وقوم شعيب بالظلة وقوم لوط بالحاصب وقوم فرعون بالغرق فقال تعالى ” ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون” فلما أنزل التوراة أمر أهل الكتاب بالجهاد فمنهم من نكل ومنهم من أطاع، وصار المقصود بالرسالة لا يحصل إلا بالعلم والقدرة كما قال تعالى”هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا” وقال ابن كثير رحمه الله تعالى، وقد كان تعالى إنما يعاقب الأمم السالفة المكذبة للأنبياء بالقوارع التي تعم تلك الأمم المكذبة كما أهلك قوم نوح بالطوفان، وعادا الأولى بالدبور، وثمود بالصيحة، وقوم لوط بالخسف والقلب وحجارة السجيل، وقوم شعيب بيوم الظلة، فلما بعث الله تعالى موسى وأهلك عدوه فرعون وقومه بالغرق في أليم، ثم أنزل على موسى التوراة شرع فيها قتال الكفار واستمر الحكم في بقية الشرائع بعده على ذلك كما قال تعالى “ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر” وقتل المؤمنين للكافرين أشد إهانة للكافرين وأشفى لصدور المؤمنين كما قال تعالى للمؤمنين من هذه الأمة ” قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين” ولهذا كان قتل صناديد قريش بأيدي أعدائهم الذين ينظرون إليهم بأعين ازدرائهم أنكى لهم وأشفى لصدور حزب الإيمان” وقال في موضع آخر، يخبر الله تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله موسى الكليم عليه السلام من إنزال التوراة عليه.

بعد ما أهلك فرعون وملأه وقوله تعالى ” من بعد ما أهلكنا القرون الأولى” يعني أنه بعد إنزال التوراة لم يعذب أمة بعامة، بل أمر المؤمنين أن يقاتلوا أعداء الله من المشركين كما قال تعالى “وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية” وقد قال السعدي، أنه مرّ عليّ منذ زمان طويل كلام لبعض العلماء لا يحضرني الآن اسمه وهو أنه بعد موسى ونزول التوراة رفع الله العذاب عن الأمم، أي عذاب الاستئصال، وشرع للمكذبين المعاندين بالجهاد ولم أدر من أين أخذه، فلما تدبرت هذه الآيات يقصد آيات سورة المؤمنين المذكورة آنفا، مع الآيات التي في سورة القصص تبين لي وجهه، أما هذه الآيات وهى آيات سورة المؤمنون فلأن الله ذكر الأمم المهلكة المتتابعة على الهلاك ثم أخبر أنه أرسل نبيه موسى بعدهم وأنزل عليه التوراة فيها الهداية للناس ولا يرد على هذا إهلاك فرعون فإنه قبل نزول التوراة، وأما الآيات التي في سورة القصص فهي صريحة جدا، فإنه لما ذكر هلاك فرعون قال ” ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون” فهذا صريح أنه آتاه الكتاب بعد هلاك الأمم الباغية، وأخبر أنه أنزل بصائر للناس وهدى ورحمة ولعل من هذا ما ذكر الله في سورة يونس من قوله تعالى “ثم بعثنا من بعده” أي من بعد نوح، ” رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى