مقال

ماذا عن رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء الرابع “

الإسراء والمعراج

ماذا عن رحلة الإسراء والمعراج ” الجزء الرابع “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع رحلة الإسراء والمعراج، وقد توقفنا عندما سئل أبو العباس الدينوري، لما أسري بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل أن يعرج به إلى السماء ؟ فقال لأن الله تعالى كان يعلم أن كفار قريش كانوا يكذبونه فيما يخبرهم به من أخبار السماوات فأراد أن يخبرهم من الأرض التي قد بلغوها وعاينوها، وعلموا أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيت المقدس قط فلما أخبرهم بأخبار بيت المقدس على ما هو عليه لم يمكنهم أن يكذبوه في أخبار السماء بعد أن صدقوا أخبار الأرض، فبينما كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم نائما في الحجر أتاه جبريل عليه السلام، فهمزه بقدمه، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرى شيئا، ثم عاد إلى مضجعه، فأتاه مرة ثانية فهمزه بقدمه، فجلس ولم يرى شيئا، ثم عاد مرة أخرى صلى الله عليه وسلم إلى مضجعه، فأتاه مرة ثالثة فهمزه بقدمه، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ جبريل عليه السلام بعضده، وحينها قام النبي صلى الله عليه وسلم معه، وخرج به جبريل إلى باب المسجد، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يرى دابة بيضاء بين البغل والحمار، في فخذيها جناحان تحفز بهما رجليه، ثم وضع جبريل يده في منتهى طرف الرسول صلى الله عليه وسلم فحمله عليه، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم بصحبة جبريل عليه السلام حتى انتهى به المطاف إلى بيت المقدس، فوجد فيه الأنبياء إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء، فأمّهم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في صلاته.

ثم أتاه جبريل عليه السلام بوعائين، في أحدهما خمر، وفي الآخر لبن، قال خذ، فأخذ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إناء اللبن وشرب منه، وترك إناء الخمر، فقال له جبريل عليه السلام هديت للفطرة، وهديت أمتك يا محمد، وحرّمت عليكم الخمر، ثم عاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة، وفي صباح اليوم التالي اجتمع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قبيلة قريش وأخبرهم بما حصل معه، فقال أكثر الناس والله هذا الأمر لبين، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم لصادق آمين، وإن العير لتطرد شهرا من مكة إلى الشام مدبرة، وشهرا مقبلة، وقال بعضهم إن هذا القول لا يصدق أفيذهب محمد ويرجع إلى مكة في ليلة واحدة؟ فارتد كثير ممن كان قد أسلم، وذهب الناس إلى أبي بكر ابن أبى قحافه، فقالوا له يا أبا بكر إن صاحبك محمد يزعم أنه قد جاء من بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة، فقال لهم أبو بكر رضى الله عنه، إنكم تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا بلى، ها هو الرسول في المسجد يحدث الناس بما حدث معه، فقال أبو بكر رضى الله عنه والله لئن كان قال هذا الكلام لقد صدق، فما العجب من ذلك، فوالله إنه ليخبرني أن الخبر يأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه، وأقبل أبو بكر رضى الله عنه، إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، أحدثت القوم أنك كنت في بيت المقدس هذه الليلة؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم نعم، قال يا رسول الله، صف لي ذلك المسجد.

وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يصف ويحدث أبا بكر الصديق رضى الله عنه، عن بيت المقدس، فقال له أبو بكر أشهد أنّك رسول الله، وكان يكررها كلما وصف له شيئا رآه، وكذلك فإن موضع الإسراء هو محل خلاف بين العلماء، فمنهم من قال أسرى به صلى الله عليه وسلم من بيته، وقيل من بيت السيدة أم هانئ بنت عمه أبو طالب أخت الإمام على رضى الله عنهم أجمعين، ومن هذين القولين قال الحرم كله، والمراد بالمسجد الحرام في الآية هو المسجد نفسه، ودار أم هانئ بنت أبي طالب وأخت الإمام علي رضي الله عنه، تلك الدار التي أضيفت إلى مساحة المسجد وصار محلها عند باب الوداع، وتبعد أربعين مترا من الكعبة المشرفة، وإن المعراج وهو الصعود أو آلة الصعود، من سطح الأرض إلى طبقات الجو العليا، إلى حيث الاختراق والنفاذ من أقطار الأرض وغيرها من الكواكب والنجوم، إلى حيث لا يعلم الإنسان حتى الآن، ولم يذكر معراج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم صراحة في آيات القرآن الكريم، بل إنه يفهم منها وذلك كما جاء فى سورة النجم ” والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحى يوحى، علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى، وهو بالأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى” وهكذا بدأت سورة النجم بالحديث عن معراج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، أي المعجزة العظيمة التي حدثت لرسول الله تكريما له، وقد رأى فيها عجائب صنع الله وغرائب خلقه في ملكوته العظيم الذي لا يحده حد.

ولقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون أول ألفاظ السورة جرم سماوي، أي النجم، وهو إحدى الآيات الكونية التي خلقها الله تعالى، والله سبحانه وتعالى يقسم بسقوط النجم أو أفوله أو انفجاره أو احتراقه، وهو قسم بشيء عظيم إذا فكر فيه الناس، وجاءت الآية الثانية لتؤكد لأهل مكة وقت تنزل القرآن الكريم بين ظهرانيهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي المبعوث فيهم لم يضل ولم يختل ولم يزل، لأنه رسول مختار من قبل الله سبحانه، فلابد وأن ينطق الصدق ويقول الحق ويخبر بما رأى ويحكى ما سمع ويبلغ ما أمر أن يبلغه، وكيف يضل وكيف يزل وهو الأميـن على القرآن الكريم كتاب الله تعالى إلى الناس جميعا؟ وإنه الوحي الذي يوحيه الله عز وجل إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، حيث كان يأتيه جبريل عظيم الملائكة عليه السلام به، ويقرئه إياه، وجبريل عليه السلام هذا هو ذو قوة شديدة، وذو حسن ونضارة، وقد “استوى” أي ظهر على صورته الحقيقية لرسول الله الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في “الأفق الأعلى” فاقتربا وكادا أن يتلامسا، ولكن جبريل فارق الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عند موضع لا تتعداه الملائكة، وقال له إذا تقدمت أي تقدم يا محمد فلو تقدمت أنت لأخترقت، وإذا تقدمت أنا لاحترقت، وبعد عبور هذا الموضع تجلى الله تعالى لرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالإنعامات والتجليات والفيوضات، وأوحى إليه وحيا مباشرا، وكانت الصلاة المعروفة لنا هي ما أوحى الله به، ولقد أقسم الله سبحانه وتعالى.

على أن ما يحدث به رسوله صلى الله عليه وسلم بعد عودته من هذه الرحلة هو الحق والصدق وليس بالكذب، لأنه لم يكذب قط طوال حياته، ولقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات الكبرى لعظمة الله وقدرته المطلقة، وهكذا فى رحلة الطائف فقد بدأ النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بسادات القوم الذين ينتهي إليهم الأمر، فكلمهم عن الإسلام ودعاهم إلى الله، فردوا عليه ردا قاسيا، وقالوا له اخرج من بلادنا، ولم يكتفوا بهذا الأمر، بل أغروا به سفهاءهم وعبيدهم فتبعوه يسبونه ويصيحون به ويرمونه بالحجارة، فأصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدميه حتى سالت منها الدماء، وأصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن والتعب ما جعله يسقط على وجهه الشريف، ولم يفق إلا و جبريل قائم عنده، يخبره بأن الله بعث ملك الجبال برسالة يقول فيها إن شئت يا محمد أن أطبق عليهم الأخشبين، فأتى الجواب منه عليه السلام بالعفو عنهم قائلا “أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” رواه البخاري، ويستمر أهل الطائف في إيذائه صلى الله عليه وسلم حتى اضطروه إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة من سادات أهل الطائف، فجلس في ظل شجرة يلتمس الراحة والأمن، ثم دعا الله سبحانه وتعالى قائلا” اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربى، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني؟ أو إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي.

أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل علي غضبك، أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك” وبعدها تحركت العاطفة في أهل ذلك البستان، فصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأوباش والسفهاء، ثم جاءوا بغلام لهم نصراني يدعى عداس ليعمل على خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، فحمل معه قطفا من العنب، فلما وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مد يده إليه وقال “بسم الله” ثم أكل، فقال عداس إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ” من أي البلاد أنت؟ قال أنا نصراني من نينوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ قال عداس وما يدريك مايونس؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” ذلك أخي كان نبيا وأنا نبي” فأكب عداس على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدميه يقبلهما، فقال ابنا ربيعة، أحدهما للآخرأما غلامك فقد أفسده عليك، فلما جاء عداس قالا له ويحك ما هذا؟ قال لهما ما في الأرض خير من هذا الرجل، فحاولا توهين أمر النبي صلى الله عليه وسلم كأنما عز عليهما أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف بأي كسب، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليستأنف خطته الأولى في عرض الإسلام وإبلاغ الرسالة للوفود والقبائل والأفراد، وزادت قريش من أذاها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلعت جلباب الحياء والمروءة، فراح بعض رجالاتها يلاحقونه صلى الله عليه وسلم في الأسواق.

والمواسم يرمونه بالكذب، ويحذرون العرب من اتباعه، فإن فى رحلة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى الطائف على ما حصل فيها مليئة بالعظات والعبر، فمن ذلك هو أن في توجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بعد أن أعرض أهل مكة عنه، دليلا على حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية الناس، واستمراره في دعوته للإسلام، وعدم اليأس من استجابة الناس، وإن هذه الرحلة تعلمنا كيفية التعامل مع الآخرين بالأخلاق الحسنة، وذلك واضح من خلق العفو والصفح الذي واجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم سادات ثقيف وسفاءها، وفي دعاء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم دليل على الصدق في هذه الدعوة المباركة، وأنه في وقت الشدائد والصعاب يكون الالتجاء لله عز وجل بهذا الدعاء، ففيه استمداد القوة منه سبحانه، وفيه الاستعانة بالله عند شدة الأذى، وفيه الخوف من غضب الله وسخطه على العبد، وفي قصة عداس حيث أسلم على يد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كما رجحه بعض العلماء، نتيجة إيجابية لهذه الرحلة، حيث رجع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من الطائف وقد هدى الله عداسا على يديه، وإن المتأمل في هجرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم للطائف وما لاقاه من أذى السفهاء لعظة وعبرة للدعاة الذين يتأسون بسيرته صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لقي ما لقي من المشاق في سبيل إقامة هذا الدين، فمن باب أولى أن يلقى الدعاة مثل ذلك أو أشد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستسلم لهذا الواقع الأليم، بل صبر وصابر، وواصل جهاده في الدعوة إلى الله عز وجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى