مقال

ماذا عن مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء الخامس عشر “

ماذا عن مكارم الأخلاق وبناء الحضارات ” الجزء الخامس عشر “
إعداد / محمـــد الدكـــروى

ونكمل الجزء الخامس عشر مع مكارم الأخلاق وبناء الحضارات، وإن مكارم الأخلاق عشر، هن صدق اللسان، وصدق البأس، وإعطاء السائل، وحسن الخلق، والمكافأة بالصنائع، وصلة الرحم، وإن من علامة حسن الخلق أن تكون في بيتك أحسن الناس أخلاقا، وأنه لا شيء في العالم يفسد الأخلاق كالمال، وإن الفعل الأخلاقي هو الذي تحس بعده بالراحة، وغير الأخلاقى هو ما تحس بعده بعدم الراحة، وحسن الخلق يستر كثيرا من السيئات، كما أن سوء الخلق يغطي كثيرا من الحسنات، وإن العشرة السيئة تفسد الأخلاق الحسنة، وإن أدنى أخلاق الشريف كتمان سره، وأعلى أخلاقه نسيان ما أسر إليه، وأنه يمكن للإنسان أن يدخل قلوب الآخرين دون أن ينطق بكلمه واحدة، إذ يكفيه سلوكه الناطق بالصفات الكريمة والأخلاق الحميدة، وإن تمام السعادة بمكارم الأخلاق، ودائما ما أسعى بثبات إلى تطوير نعمة الأخلاق فهي كالسكر التي تجذب كل شيء إليها، وإن الجمال من دون الأخلاق والكياسة كالصنارة من دون الطعم، وهكذا فإن الأخلاق هو كل ما يتصل بعمل المسلم ونشاطه، وما يتعلق بعلاقته بربه، وعلاقته مع نفسه، وعلاقته مع غيره من بنى جنسه، وما يحيط به من حيوان وجماد، وكان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يتميز بأخلاقه الحسنة وحسن تصرفه مع نفسه ومع أهل بيته والأشخاص المحيطين به صلى الله عليه وسلم، فكان مثالا للخُلق والكرم والحلم والأمانة والرحمة ولهذا اختصه الله تعالى برسالته ونبوته وأرسله رحمة للعالمين ومتمما لمكارم الأخلاق، ولذلك أثنى الله سبحانه وتعالى عليه.

مكارم الأخلاق وبناء الحضارات

بما لم يثن على نبي من أنبيائه، ويجب علينا جميعا أن نعلم أن الأخلاق الحسنة من أسباب دخول الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال “سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال” تقوى الله وحسن الخلق” وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال صلى الله عليه وسلم ” الفم والفرج”وكذلك فإن الأخلاق الحسنة سبب في محبة الله لعبده، وقد ذكر الله تعالى محبته لمن يتخلق بالأخلاق الحسنة، والتي منها الصبر والإحسان والعدل وغير ذلك، فقد قال تعالى فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة البقرة ” وأنفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكه وأحسنوا إن الله يحب المحسنين” وقال أيضا سبحانه وتعالى ” والله يحب الصابرين” وقال أيضا سبحانه وتعالى ” إن الله يحب المقسطين”وقال صلى الله عليه وسلم” أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا” وكذلك أيضا فإن الأخلاق الحسنة من أسباب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا” وإن مكارم الأخلاق أثقل شيء في الميزان يوم القيامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق” وأيضا الأخلاق الحسنة تضاعف الأجر والثواب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار”.

مكارم الأخلاق وبناء الحضارات

وقال صلى الله عليه وسلم” إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله عز وجل لكرم ضريبته، وحسن خلقه” وأيضا فإن الأخلاق الحسنة من خير أعمال العباد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” يا أبا ذر، ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر، وأثقل في الميزان من غيرهما؟ قال بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم “عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فو الذي نفس محمد بيده، ما عمل الخلائق بمثلهما” وأيضا فإن الأخلاق الحسنة تزيد في الأعمار وتعمر الديار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار” وأيضا فإن الأخلاق الحسنة علامة على كمال الإيمان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم” أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم” وفي حديث عمرو بن عبسة أنَه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، أى الإيمان أفضل؟ قال صلى الله عليه وسلم” حسن الخلق” وإنه عندما بعث الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كانت من أول المهمات التي طلبت منه نشرها بين الناس هي الأخلاق الحميدة، لأن الأخلاق الحميدة من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المرء حتى يستطيع أن يحيا حياة كريمة، بجانب أن الأخلاق الحميدة تزيد كفة الميزان يوم القيامة وزيادة الحسنات التي تمحو السيئات، لهذا فهي تعد عبادة من العبادات العظيمة وهي سبب من أسباب الدخول في الجنة، وإنه عندما يتحلى الإنسان بصفات كريمة مثل العفو والتسامح.

فهو يجعل من نفسه إنسان نقي سوي، لديه القدرة على أن يتجاوز الإساءة، ولا تكون لديه رغبة في العقاب والانتقام، والعفو والتسامح القصد منهما السماح وقبول أعذار الآخرين، وذلك الأمر من شأنه أن يساهم في انتشار الأخلاق والقيم الطيبة، من ثم تقدم المجتمع ونهضته، وإن العفو والتسامح من دلالات القوة والعزة، وإن الرسالة التي بعث بها النبى الكريم محمد صلي الله عليه وسلم هي الإسلام وتعاليمه السمحة التي تحمل في مضمونها الخير والوفير الذي شملت فضائله جميع أرجاء الكون، ورسالة الإسلام تقتضي أن تتحلي أمة الإسلام بكافة الصفات الخيرة الطيبة، والتي من بينها التسامح والعفو عند المقدرة والرحمة والعدل، والعديد من الصفات الطيبة والقيم الحميدة التي تساهم بشكل كبير في تأسيس الأمة وتربية ابنائها على منهج سليم، بالإضافة إلى العيش في حياة يسودها الأمان والسلام، لإن العفو والتسامح من الأعمال التي يحبها الله عز وجل، وله فضل وثواب عظيم وأجر كبير، حيث أن الإنسان الذي يعفو عن عباد الله فإن الله سبحانه وتعالى يعفو عنه، وقال الله عز وجل في كتابه العزيز “فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين” فمن يرغب في أن ينال عفو ومغفرة الله عز وجل فليعفو ويغفر عن عباد الله وقت الإساءة والأذى، وتكون المعاملة قائمة على العفو والتسامح وغض الطرف وانتظار الجزاء من الله سبحانه وتعالى، وكذلك فإن العفو والتسامح من شيم المسلم، والتي يجب أن يتحلى بها حتى ترقى أخلاقه، وقد حث الإسلام عن العفو والتسامح، ويحث القرآن الكريم عن التسامح أيضا.

مكارم الأخلاق وبناء الحضارات

ويوجد به العديد من الآيات التي تحبب المسلم في العفو والتسامح ، فإن التسامح كلمة كبيرة لا يمكن أن يقدمها إلا إنسان يتمتع بمقومات خاصة، فإن التسامح نور يضيء القلوب، وعندما ينعدم التسامح، ينطفئ القلب فلا ينير بعدئذ أبدا، وإن جميع الأخطاء قابلة للتسامح إذا كنا نحب بعضنا بصدق، وإننا نظهر تسامحا كبيرا مع الأشخاص الذين نريد مسامحتهم، حتى وإن كانت أخطاؤهم عظيمة، ونركز على كل خطأ وإن كان صغيرا مع الأشخاص الذين لا نريد مسامحتهم، إن التسامح مرتبط بشدة بمشاعرنا وإرادتنا، وإن التسامح خلق إن امتلكناه امتلكنا جميع الأخلاق، وذلك لأن التسامح هو الذي يعفو عن غضبك، وهو الذي ينسي الشخص عيوبك، وهو الذي يجعلك محبوبا عند الآخرين، وإن التسامح يظهر في أشد الأوقات غضبا، وأشدها ألما وأكثرها حزنا، وإلا أصبح التسامح بعد ذلك تناسيا وليس تسامح، وإن التسامح ينقي قلوبنا إلى حد لا يمكن لشيء أن ينقيه مثله، تخيل قلبا مليئا بالحقد كيف يكون؟ تخيل بؤس قلبك دون تسامح، فإن التسامح يفضي إلى السلام، لكن الحقد والكره قد يفضي إلى حروب لا نهاية لها، وإن الأقوياء هم من يسامحون، ليس هناك ضعيف يجرؤ على السماح، ليس هناك أبدا، فإذا أردت أن تعيش بهدوء مع الناس تعلم كيف تعفو عن أخطائهم، فإن العفو والتسامح يأتيان في لحظة قدرتك على الانتقام، وأنت قادر ولكن قلبك أنقى من أن ينتقم، فالنصيحة العامه للجميع وهى أن ربُوا أنفسكم على التسامح، فسيأتي يوم تحتاجون فيه من يسامحكم، فإذا كنت متسامحا معهم فستجد قلوبهم نقية دائما تجاهك.

وإلا ستكون سببا في حقدهم عليك، فكلنا نخطئ، ولكننا لا ننتبه لأخطائنا بقدر انتباهنا لأخطاء الآخرين، ولو اعترفنا بأخطائنا لتعلمنا كيف نسامح دون تردد، فكثير منا لا يحقدون، لكنهم لا يعرفون كيف يسامحون، فالتسامح يأتي في الخطوة التالية لصفاء القلب، وإنك حين تتعرض للأذى من أي شخص فتسامحه وتعفو عنه، أنت بذلك ستجعله نادما ولن يسامح هو نفسه، فالتسامح لا يعني أن نكون ضعفاء، ولا يعني أن نتخلى عن حقوقنا في سبيله، فالتسامح يعني أن نعطي فرصة ثانية لمن يستحق، لمن يستحق فقط، وإن الشخص الذي يسامح يدفع عنه وعن أحبته العداوات، فتخيل أن يصبح لك أعداء لأسباب صغيرة، كيف سيكون حالك وقتئذ؟ فإن الله تعالى خلقنا أنقياء، وجعل المودة أساس كل شيء بيننا، ولم يخلق معنا الكره أو الحقد، فالطبع يغلب التطبع، ولذلك الإنسان الطبيعي يميل إلى التسامح أكثر من ميله للانتقام، فإذا ادعى شخص حبك، ولكنه لم يسامحك فاعلم أنه كاذب، لأن الأساس الأول لأي علاقة هو التسامح، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال”إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه، وحُسن الخلق” فهذا الحديث فيه حث على التمتع بالأخلاق الحسنة، وأنه ينبغي على المؤمن أن يجاهد نفسه ويحرص على حسن الخلق، وخاصة مع أهله وأولاده، واخوانه، وجيرانه، وأصحابه، وفي ذلك أيضا قال الله تعالى ” والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت”

وقال معاذ بن جبل رضى الله عنه، يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم” أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟” وفي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يتبين فيها، يعني ما يتثبت فيها، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يتبين فيها، يكتب الله له بها رضاه” وقال صلى الله عليه وسلم “يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة” ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم”خير الأصحاب خيرهم لصاحبه، وخير الجيران خيرهم لجاره” وفي ذلك الحديث بيان لأهمية الاحسان إلى الجار ومعاملته بالمعروف، ولقد عُنى الإسلام بالأخلاق منذ بزوغ فجره وإشراقة شمسه، فالقرآن الكريم في عهديه المكي والمدني على السواء اعتنى اعتناء كامل بجانب الأخلاق مما جعلها تتبوأ مكانة رفيعة بين تعاليمه وتشريعاته، حتى إن المتأمل في القرآن الكريم يستطيع وصفه بأنه كتاب خلق عظيم، وإن الدين الاسلامي يقوم على أربعة أصول وهي الإيمان والأخلاق والعبادات والمعاملات ولذلك فللأخلاق منزلة عظيمة في الدين الاسلامي، ولها مكانة جليلة، لأنها أحد أركانه، وأصوله الاساسية، ومعنى الخُلق لغة هو السجية والطبع والدين، وهو صورة الإنسان الباطنية، أما صورة الإنسان الظاهرة فهي الخَلق، ومعنى الخلق اصطلاحا هو عبارة عن هيئة في النفس راسخة تصدر عنها الأفعال بسهولة ويُسر، من غير حاجة إلى فكر ولا روية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى