القصة والأدب

رسالة من داخل السّجن

رسالة من داخل السّجن

رواية قيد الإنجاز

بقلم: رشيد (فوزي)مصباح

الجزء الرّابع
(3)
وتمضي الأيام، وكلّما مرّ يوم ازدادتْ معه المعاناة وازداد الأمر تعقيدا. وكان لا بُدّ من مخرج لنا جميعا. وليس هناك من حلّ لاتمام ما بُني على مكالمة مجهولة سوى محاولة نزع الاعتراف وبكل الطّرق من ” الشّايب* حمّو” الذي فاق الثمانين، و الذي تربطني به صلة قرابة. ابن خالة أبي الذي أنكر في الأوّل، لكنّه تحت التهديد والوعيد و بتحريض من أولاده وبعض أخوته، وظنّا منه أنّه قد ينجو من العقاب، اعترف بتسليمه مبلغ خمسة آلاف دينار جزائري لغريمي المجرم. والاعتراف سيّد الأدلّة، كما جاء في القانون.
لقد استطاع غريمي، المجرم، الصّعلوك، الوصول إلى “الشّايب* حمُّو” وإغرائه بقُسيمة تتضمّن وعدا بالتنازل عن محلٍّ تجاريٍّ بقرية “وادي الداموس”، النّموذجية التّابعة إداريّا لبدية وادي الكبريت، كان قد حصل عليه عن طريق المستفيد الأصلي خلافا لبنود العقد الشرعي الذي يمنع التأجير من الباطن مقابل المبلغ المذكور. وكان الوسيط بينهما ” الدّاودي” وهو الذي تربطه صلة رحم بغريمي، ويزعم أنه عمّه من الرّضاعة. وكان هذا الشّخص يعاني من مرض الأعصاب، بسبب الغاز الذي تعرّض له إبّان ثورة التّحرير -حسب رواية بعض أقاربه-، قد استفاد من منحة المجاهد، ومن منصب شغل بمقر البلدية حيث كان يعمل بها كعون استقبال قبل أن يحصل على منحة تقاعد، ومن محل لممارسة التّجارة بقرية “وادي الداموس” التي يقيم بها.
وفي إحدى اللّيالي دخل علينا ” الشّايب* حمُّو” صاحب الثّمانين عام في حالة مزرية؛ كطفل رضيع افتقد أمّه. وكانت ليلة شديدة البرودة ولم يكن لديه ما يكفي من اللّباس. فأشفقتُ عليه، وقمتُ إلى معطفي الوحيد فنضوتُه وحموتُه به، مراعاة لسنّه الكبير ولصلة القرابة التي بيننا. لكنه في أوّل زيارة، وفرصة مناسبة له، شكاني لأحد إخوته زاعما أنّه يتعرّص للمضايقة منّي بسبب اعترافاه بالجرم!
احتسبتُ إلى الله وأوكلتُ أمري إليه.
ألا (لعنةُ اللهِ على الرّاشِي والمُرْتَشِي).
لقد حاول الرّئيس الرّاحل “هواري بومدين” من خلال ايديولوجيته الاشتراكية أن يقضي على البورجوازية والانتهازية وبعض الامتيازات العبثيّة، و كما حاول من خلال بناء ألف قرية نموذجية القضاء على التهميش والفوارق الاجتماعية، ومنها قرية “وادي الداموس” الاشتراكية التي تم تشييدها على أنقاض أكواخ المهجّرين قسرا، وقرارات صاحب الموستاش* مول السّيجار و البرنوس كما هو معروف لا تُناقش أبدا.
ولقد شكّلت هذه القرية التي تضمّ أزيد من مئتي سكن بالإضافة إلى المرافق العمومية المتمثّلة في فرع إداري، ومصحّة، ومركز ثقافي، ووكالة بريدية، ومسجد، ومدرسة ابتدائية، وعدد لا بأس به من المحلاّت التّجارية…، مصدرا للتكسُّب غير المشروع لدى المتنفّذين من الأشخاص، وبعض من أعضاء المجلس الشعبي البلدي الذين، ليس فقط لم ينصفوا أصحاب الأكواخ المهجّرين خلال دراستهم للملفّات وإعدادهم لقوائم المستفيدين، بل إن كل عضو منهم كان يخبئُ تحته قائمة معدّة مسبقا تتضمّن أسماء أقربائه وجملة أحبابه وبعض أصدقائه ومن ليست لديهم علاقة لا بالبلدية ولا بالسّكن، كما هو الشّأن بالنّسبة لبعض المغتربين الذين استفادوا بسكنات ومحلاّت تجارية في هذه القرية اليتيمة.
……………………………………………
الشّايب* الشّيخ أو الرجل الكبير في السن.
الموستاش* الشّوارب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى