مقال

رحلة الإسراء والمعراج والمعجزة الإلهية التي يعجز عنها البشر

رحلة الإسراء والمعراج والمعجزة الإلهية التي يعجز عنها البشر

كتب/السيد شحاتة

تبدأ سورة الإسراء بكلمة ” سبحان ” فيها التنزيه والتعظيم والإجلال لصاحب هذه المعجزة من ألفها إلى يائها
فكانت المعجزة كلها بقدر الله وبقدرة الله عز وجل ويقول المولى سبحانه ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾
فكلنا عبيد الله ولكن عباد الله هم الذين أخلصوا له فاتحد اختيارهم مع منهج الله سبحانه وتعالى ما قال لهم افعلوه فعلوه وما نهاهم عنه انتهوا
ولذلك عندما يتحدث القرآن عن المخلصين بين خلق الله لا يسميهم عبيد ولكن يسميهم عبادًا يقول تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ﴾ [الفرقان: 63].

وبدايه الرحلة والمكافأة الربانية
فعندما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الله في مكة فترة طويلة ولم يجد قبولا كبيرا للدعوة أراد أن يفتح بابا جديدا للدعوة في مكان آخر
فذهب إلى الطائف ومشى على قدميه مسافة طويلة جدًا ولما وصل اليها وبدأ يدعوهم الى الله إذا بهم يغروا به سفهائهم وغلمانهم وصبيانهم فآذوه والقوه بالحجارة حتي أدموا قدميه صلى الله عليه وسلم وألجئوه إلى خارج الطائف وعاد مهموما حزينا.

ومع ذلك لما جاءه جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال قائلا له: كما جاء عن عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال (لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا) صحيح البخاري..(( الأخْشَبَان )): الجَبَلان المُحيطان بمكَّة. وَالأخشبُ: هُوَ الجبل الغليظ.

فيعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ويملأ الاسى قلبه ويملأ الحزن فؤآده فزوجتة الحبيبة إلى قلبه قد فارقته وعمه الذي كان يزود عنه قد فارقه وأصحابه في مكة والحبشة لا يستطيع حمايتهم
بل هو نفسه مطارد وقد فقد الأمل في أن يجد للدعوة ارضا خصبة في الطائف للدعوة إلى الله. ومن هنا كانت أولي الاسباب للرحلة المباركة

هل كان المعراج بالروح أو بالجسد؟
أكدت دار الإفتاء أن الرسول الكريم قد أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا بروحه وجسده جميعا وأننا ننصح السائل إلى أن البحث في مثل هذا قد يلفت المسلم عما هو أجدر بالاهتمام في عصرنا هذا ويلفته عن الاشتغال بواجب العصر.

دار الإفتاء المصرية أكدت في فتاويها أن الإسراء والمعراج من أبرز الخوارق التي أكرم الله تعالى بها نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ونظرا لغرابة الحادث وخروجه عن المألوف المعتاد اختلف موقف الناس منه قديما وحديثا
فذهب جمهور المسلمين إلى أن الإسراء بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كان بجسده وفي اليقظة.

وذهبت طائفة إلى أنه كان بالروح ولم يفارق شخصه مضجعه لأنها كانت رؤيا رأى فيها الحقائق ورؤيا الأنبياء حق ونقل هذا عن معاوية وعائشة والحسن وابن إسحاق رضوان الله عليهم وقالت طائفة أخرى: إن الإسراء كان يقظة بالجسم إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح.

وأوضحت الدار أنها ترى أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان بالروح والجسد معًا وهذا ما عليه أجمع جمهور أهل العلم.

واستند الجمهور إلى قوله تعالى «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير» إذ لو كان مناما لقال الله تعالى: سبحان الذي أسرى بروح عبده ولم يقل: بعبده ولما كانت فيه آية ومعجزو

والإسراء بالروح والجسد ولم يكن منامًا والثانية والأهم أن الله جل جلاله يريد أن يثبت لنا أن العبوديةَ له هي أسمى المراتب التي يصل إليها الإنسان
فالعبودية لله عزة ما بعدها عزة وعطاء ما بعده عطاء في سورة الكهف يقول الحق: ﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾.

‏ فالقدرة الإلهية التي خلقت هذا الكون الكبير، لن تعجز عن حمل بشر إلى عالم السماء وإعادته إلى الأرض في رحلة ربانية معجزة لا يدري كيفيتها بشر فالإسراء: آية من آيات الله تعالى التي لا تُعَدُّ ولا تحصى وهو انتقال عجيب بالقياس إلى مألوف البشر ولهذا ‏فقد أثار كفار قريش حوله جدلًا طويلًا، وتساؤلات كثيرة
ولا يخفى على كل ذي بصيرة أن الله تعالى واضع نظام هذا الكون وقوانينه وأن من وضع قوانين التنفس والجاذبية والحركة والانتقال والسرعة وغير ذلك قادر على استبدالها بغيرها عندما يريد ذلك.
و‏عندما يطلع الإنسان على عظمة الله سبحانه ويدرك بديع صنعه وعظيم قدرته يثق بنفسه ودينه ويطمئن إلى أنه بإيمانه يكون قد لجأ إلى ركن وثيق لا يختار له إلا الأصلح، ولا يريد له إلا الخير قادر على كل شيء، ومحيط بكل الموجودات.

وكذلك تبين لنا رحلة الإسراء والمعراج مكانة المسجد الأقصى
فللمسجد الأقصى قدسية كبيرة عند المسلمين ارتبطت بعقيدتهم منذ بداية الدعوة. فهو يعتبر قبلة الانبياء جميعًا قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو القبلة الأولى التي صلى إليها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتم تغير القبلة إلى مكة
وقد توثقت علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج حيث أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفيه صلى النبي إماما بالأنبياء ومنه عرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء وهناك في السماء العليا فرضت عليه الصلاة.

ويعتبر المسجد الأقصى هو المسجد الثالث الذي تشد إليه الرحال فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إن المساجد الثلاثة الوحيدة التي تشد إليها الرحال هي المسجد الحرام و المسجد النبوي والمسجد الأقصى.

إمامة خير البرية للأنبياء

فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ” لَقَدْ رَأَيْتُنِى فِى الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِى عَنْ مَسْرَاىَ فَسَأَلَتْنِى عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا. فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ قَالَ فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِى أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِى عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ وَقَدْ رَأَيْتُنِى فِى جَمَاعَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّى فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – قَائِمٌ يُصَلِّى أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِىُّ وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – قَائِمٌ يُصَلِّى أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ – يَعْنِى نَفْسَهُ – فَحَانَتِ الصَّلاَةُ فَأَمَمْتُهُمْ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلاَةِ قَالَ قَائِلٌ يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِى بِالسَّلاَمِ “.صحيح مسلم

فأصل الدين واحد هو التوحيد
و‏إن أنبياء الله ورسله بعثهم الله إلى خلقه ليعرفوهم بالله، وكيف يعبدونه ‏ليُعلموهم أن الله وحده هو المستحق للعبادة
قال تعالى: ﴿ ‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]. وهذا يعني أن رسالة الأنبياء واحدة وأنهم جميعًا إخوة وقد أكَّد رسول الله هذه الحقيقة في مناسبات عدة منها: قوله عن نبي الله يونس “أخي كان نبيًّا، وأنا نبي” تفسير القرطبي.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: “أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ” رواه البخاري. والعَلات بفتح المهملة: الضرائر. وأصله أن من تزوج امرأة ثم تزوج أخرى كأنه عَلَّ منها. والعلل: الشُّرب بعد الشرب. وأ‏ولاد العلات: الإخوة من الأب. أي أن شرائعهم متعددة وأصل الدين واحد هو التوحيد. وجاءت ليلة الإسراء والمعراج تؤكد المعنى السابق
فوجدنا أن العبارة التي رددها الأنبياء عليهم السلام ترحيبًا بسيدنا محمد حين استقبلوه في السموات العُلا هي: “مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ” رواه البخاري.
وقد ظهر ذلك في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم اللبن على الخمر وبشارة جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله: هُدِيت إلى الفطرة ففي ذلك دلالة على أن الإسلام هو الدين الذي يلبي نوازع الفطرة في توازن بين الروح والجسد والمصالح والمفاسد، والدنيا والآخرة فلو أن الفطرة كانت جسما ذا طول وأبعاد لكان الدين الإسلامي الثوب المفصل على قدره وهذا من أهم أسرار سرعة انتشار الإسلام وإقبال الناس عليه، رغم ما يوضع أمامه من عوائق وعقبات.. قال تعالى: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ (الروم: 30).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى