مقال

فى طريق المعرفه ومع البنطلون المقطع والتبرج ” الجزء الثانى “

فى طريق المعرفه ومع البنطلون المقطع والتبرج ” الجزء الثانى “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع البنطلون المقطع والتبرج، فعلى المرأة أن تتقي ربها ولا تبين مفاتنها، وعليها أن لا تخرج إلى السوق وإلا وهي لابسة ما لا يلفت النظر، ولا تكون متطيبة لئلا تجر الناس إلى نفسها فيخشى أن تكون زانية، وعلى المرأة المسلمة أن لا تترك بيتها إلا لحاجة لابد منها، ولكن غير متطيبة، ولا متبرجة بزينة، وبدون مشية خيلاء، وليعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء” ففتنة النساء عظيمة لا يكاد يسلم منها أحد، وعلينا نحن معشر المسلمين أن لا نتخذ طرق أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم فإن الأمر عظيم، وإن من نعم الله سبحانه وتعالى التي امتن بها على عباده، وميزهم بها عن سائر المخلوقات، نعمة اللباس، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله جميل يحب الجمال” رواه مسلم، وإن اللباس شأنه شأن غيره من أمور الحياة اليومية التي ينبغي على المسلم أن يلتزم فيها هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان هديه في اللباس أعظم الهدي وأكمله، فكان صلى الله عليه وسلم يلبس ما تيسر له من اللباس، سواء أكان صوفا، أم قطنا أم غير ذلك، من غير تكلف ولا إسراف ولا شهرة وكان له ثوب يلبسه في العيدين وفي الجمعة، وكان إذا وفد عليه الوفد لبس أحسن ثيابه، وأمر عليه قومه بذلك، وكان صلى الله عليه وسلم يهتم بنظافة ثيابه، ويحرص على تطييبها، ويوصي أصحابه بذلك، وقد بيّن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن حسن السمت، والزيّ الحسن من شمائل الأنبياء وخصالهم النبيلة.

وكان أحب ألوان الثياب إليه الثياب البيضاء، فكان يؤثرها على غيرها من الثياب، فقال صلى الله عليه وسلم “البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم” رواه الترمذي، ولم يكن ذلك مانعا من أن يتخير أي لون آخر، فقد ورد عنه أنه لبس حُلة حمراء كما نقل ذلك البراء بن عازب رضي الله عنه قال “رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء، لم أرى شيئا قط أحسن منه” رواه البخارى، فإن من سنن الله الكونية ألا تبلغ الحضارات الإنسانية أوجّ عزها، ولا ترتقي إلى قمة مجدها، إلا حين تتخذ من الأخلاق الفاضلة، ومعاني العفة والطهارة، سياجا يحيط بها، وفي المقابل أيضا لا ترى التراجع والوهن يبدأ في أمة من الأمم إلا حين تنسلخ من القيم والمُثل العليا، وتفشو في أفرادها مظاهر الترف والبذخ، والبحث عن المظاهر الكاذبة والتصنع الزائف، حتى تأتي اللحظة التي تنهار فيها، وتزول عن الوجود، والنبي صلى الله عليه وسلم يعرض من خلال القصة التي وقعت فى بنى إسرائيل، جانبا من جوانب الفساد الاجتماعي والافتتان بزخارف الدنيا، والذي أودى بالمجتمع الإسرائيلي مهاوي الردى، وكان سببا في تسلط أعدائهم عليهم، وقد ظهرت بوادر الفساد الاجتماعي في تلك الأمة بقوة من خلال المبالغة في الاهتمام بالمظاهر، فكان الإنفاق على الملابس والحلي وأنواع الزينة ومراسم الحفلات على أشده، ولم يكن التسابق المحموم على تلك الأمور محصورا بالطبقة الغنية القادرة، بل اكتوى بنارها الفقراء والمعدمين، سعيا لمجاراة الواقع الموجود، ومع مطالب النساء وما جره من النفقات الباهظة.

كانت النتيجة الحتمية الغرق في دوامة لا تنتهي من الديون والقروض الربوية، وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” إن أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب أو الصيغ ما تكلف امرأة الغنى، فذكر امرأة من بني اسرائيل كانت قصيرة، واتخذت رجلين من خشب، وخاتما له غلق وطبق، وحشته مسكا، وخرجت بين امرأتين طويلتين أو جسيمتين، فبعثوا إنسانا يتبعهم، فعرف الطويلتين، ولم يعرف صاحبة الرجلين من خشب” رواه ابن خزيمة، وأما الصورة الأخص التي ذكرها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فهي حال امرأة من بني إسرائيل، تملكها الشعور بالحسرة على قصر قامتها، ورأت في نفسها أنها أقل حظاً في نيل إعجاب الرجال ولفت أنظارهم، وكان الرجال من بني إسرائيل يرون الجمال في طول المرأة، وبدلا من الرضى بقضاء الله وقدره، ظلت تفكر زمانا طويلا للبحث عن أفضل الطرق لجذب أنظار الناس إليها، حتى اهتدى عقلها إلى حيلة تزيل ما تظنه عيبا فيها، فقد صنعت لها نعلين من الخشب تلبسهما تحت الثياب فيزيد من قامتها، ويظهرها أمام الناس طويلة، وأمام الحيلة التي ابتكرتها، تغير منظرها الخارجي، فلم يتعرف عليها الرجال، وظنوا أنها امرأة غريبة عن الديار، بل أرسلوا أحدهم ليعلم عن هذا الوافد الجديد بالنسبة إليهم ويتقصى حقيقتها فلم يفلح، وبذكائها أيضا، اتخذت خاتما من ذهب صنعته خصيصا عند أحد الصاغة، وأمرته أن يجعل فيه تجويفا له غطاء لتملأه مسكا قوي الرائحة، ثم كانت تذهب إلى مجامع الناس.

وتحرك يدها ذات اليمين وذات الشمال، فيفوح شذى العطر في أرجاء المكان ليسلب بعبقه ألباب الرجال وينال استحسانهم لها، والنبي صلى الله عليه وسلم إذ يعرض هذه القصة، يريد من المجتمع الإسلامي أن يحذر من تلك الآفات ويرفع من تطلعاته وطموحاته، ويوجه تركيزه نحو إصلاح الباطن وتحسين الأخلاق، وما قيمة المرء إلا بنبل صفاته، وجميل أفعاله، وبياض صفحته، كما جاء تقرير ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم” رواه مسلم، ونلمح أيضا في ثنايا القصة تحذير النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من فتنة النساء، وتفننهن في طرق الغواية والإضلال، في ظل انتكاسة أخلاقية تنبيء بذوبان العفة وقلة المروءة، وذهاب الغيرة من قلوب الرجال، وما يؤديه من الفساد العظيم، والشر المستطير، وكان الإشفاق من خطر هذه الفتنة هو ما أشغل بال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يحذر أمته من فتنة النساء، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال “اتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء” رواه أحمد، ومن هنا، حرص الإسلام من خلال تعاليمه ومبادئه أن يحمي أفراده من بواعث الفتنة وأسبابها، فنهى النساء عن مظاهر التبرّج والزينة، ومنع من الاختلاط والخلوة المحرمة، ورتب الوعيد الشديد على من خرجت من بيتها متعطرة حتى ولو كانت ذاهبة إلى المسجد، وبهذا الموقف الحازم والصارم، يمكن للمجتمع المسلم.

أن يعيش في ظل من العلاقات الطاهرة، والقائمة على أساس من التقوى والصلاح، والمراقبة الذاتية، وإن كثيرا ما يحاول بعض أنصار الإلحاد صبغة الفكر الإلحادي بصبغة العلمية، ويتبنون بعض النظريات التي يرون أنها ستساعدهم على تأكيد مخالفة التصورات والأخلاقيات الدينية للحقائق العلمية، وفي هذا الصدد يتم تمويل دراسات وأبحاث موجهة ضد الدين والأخلاق، ولقد كان من التصورات الوهمية التي أفرزتها مثل تلك النظريات أن الإنسان الأول كان جاهلا إلى درجة تجعله قريبا من الحيوان، وكان في شكله عاريا وذا سلوك متوحش، وإذا كنا لا نجد لمثل هذه التصورات عن أصل الأنواع والسلوكيات البشرية؛ مستندات علمية رصينة، فإننا نجد القرآن الكريم يخطئها ويعتبرها ظنونا لا برهان عليها، فقال الله سبحانه وتعالى مبينا أن نظريات الإنسان الملحد المتعلقة بالخلق وأصل الخليقة لا تستند إلى معطيات موضوعية فكما جاء فى سورة الكهف ” ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا” وقال الله سبحانه وتعالى مبينا افتقادهم إلى العلم واتباعهم للظنون والأوهام كما جاء فى سورة الجاثية ” وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون” كما قال الله سبحانه وتعالى مبينا أن الإنسان الأول كان متعلما وواعيا معلما، كما جاء فى سورة البقرة ” وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم” وكما قال الله سبحانه وتعالى مبينا.

أنه خلق الإنسان ذا كرامة وسؤدد، كما جاء فى سورة الإسراء ” ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” وكما قال الله عز وجل مبينا أن الإنسان الأول كان يتمتع باللباس بنوعيه الضروري والكمالي، كما جاء فى سورة الأعراف ” يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون” وأما معنى ” لباسا يوارى سوآتكم ” وهو اللباس الضرورى، ومعنى ” وريشا” وهو اللباس الكمالى، لباس التجمل والحسن، ولقد قال المفسرون، لقد امتن الله تعالى على بني آدم بما يسر لهم من اللباس الضروري، واللباس الذي المقصود منه الجمال، وهكذا سائر الأشياء، كالطعام والشراب والمراكب، والمناكح ونحوها، قد يسر الله للعباد ضروريها، ومكمل ذلك، وبين الله سبحانه وتعالى أن انكشاف العورة وظهور السوءة مطلب شيطاني، لا يقبله الإنسان الكريم، فقال تعالى كما جاء فى سورة الأعراف ” يا بنى آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما” وقيل في تفسيره لهذه الآية أن هذا تنبيه إلى أن اللباس من أصل الفطرة الإنسانية، وأنه مما كرم الله به النوع منذ ظهوره في الأرض، وقيل والنداء بعنوان بني آدم، هو لزيادة التنويه بمنة اللباس، وفيه توكيدا للتعريض بحماقة العُراة، وقد قيل أن اللباس هو تعبير عن الكرامة ورمز للوظيفة الإنسانية، وإن من المفاهيم المحورية التي ثبتت في الدين الإسلامي الحنيف في هذا الموضوع، وهو مفهوم حفظ العورة.

فعن معاوية بن حيدة أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال له “احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك” قال، قلت فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال صلى الله عليه وسلم إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يرينها، قال، قلت يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا؟ قال صلى الله عليه وسلم فالله أحق أن يستحيى منه” وأن التاريخ أثبت بأن بني آدم كانت فيهم فئام وتجمعات بشرية شبه عارية من اللباس، كما أشار إلى تنوع أسباب هذا السلوك فمنهم من كان لا يعرف اللباس، ومنهم من كان يتعمد التكشف لشبهة في عقله، أو لمرض في نفسه، فكان هناك قبائل كانت تعاني من الفقر والجهل فكانت لا تهتدي إلى صنع اللباس، وأيضا تعري العرب عند طوافهم بالكعبة، بشبهة أنهم لا ينبغي لهم الطواف بثياب عصوا الله فيها،وأيضا العري المعاصر الذي ينبع من هوس جنوني بالتعري والشذوذ الجنسي والجشع المادي، مما جعل أصحابه يعلنون انحرافهم بالأفلام والصور الإباحية، ونوادي وشواطئ التعري، والزواج المثلي وغير ذلك، فقال المفسرون، عن قوله عز وجل ” يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا” قيل أنها نزلت هذه الآية في قوم من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة ويرون أن ذلك أبلغ في الطاعة وأعظم في القربة، وفي دخول الشبهة عليهم في ذلك وجهان، أحدهما أن الثياب قد دنستها المعاصي فخرجوا عنها، والثاني هو تفاؤلا بالتعري من الذنوب، فقال الله تعالى ” قد أنزلنا عليكم لباسا” أي ما تلبسون من الثياب، ولئن كانت هذه هي فلسفة العرب قديما في تعرّيهم فإن آخرين اليوم يستبيحون سلوك التعري باسم الأدب والفن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى