مقال

فى طريق المعرفه ومع البنطلون المقطع والتبرج ” الجزء الثالث “

فى طريق المعرفه ومع البنطلون المقطع والتبرج ” الجزء الثالث “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع البنطلون المقطع والتبرج، وقد توقفنا مع قول الله تعالى ” قد أنزلنا عليكم لباسا” أي ما تلبسون من الثياب، ولئن كانت هذه هي فلسفة العرب قديما في تعرّيهم فإن آخرين اليوم يستبيحون سلوك التعري باسم الأدب والفن، وحوار الثقافات والاحتجاج السياسي، إلى غير ذلك، وقد أبرز بعض علماء التاريخ أن البشر الذين كانوا متجردين من اللباس كان منهم أقوام انحرفوا عن توجيهات الأنبياء وما أرشدوا إليه البشرية من كمالات حضارية وسلوك يحفظ الكرامة الإنسانية، وقد عصى هؤلاء أنبياءهم فيما هو أعظم من اللباس والستر، ألا وهو توحيد الخالق العظيم عز وجل فانتكسوا بسبب ذلك إلى أحط المظاهر وأقبحها وهى عبادة الأصنام والأحجار والأقمار، فكيف لا ينتكسون فيما هو دون ذلك فيصيرون عراة متجردين؟؟ وقد ارتبطت ظاهرة التعري وحب العري بمجال الأدب منذ غابر الزمن فارتبطت به لكون الأدب علما وضع للتعبير عن المعاني الجميلة بأفضل الأساليب وأبلغ العبارات، ولكن انحراف الذوق جعل كثيرين يعتبرون المجون والتعري من الجمال والحسن ومن هنا لاحظنا اشتمال التراث الأدبي على كثير من النصوص الشعرية والنثرية في عشق الجسد العاري والتدقيق في وصفه والتعبير عن حبه إلى درجة تصل أحيانا إلى التأليه والعياذ بالله، وقد وجد في كل أمة مصلحون ما فتئوا يؤكدون بدافع ديني أو ذوقي أدبي سليم، انحراف هذا المسلك، وقبح الذوق الذي ينبني عليه، وقد عرف هذا الانحراف عند علماء الإسلام باسم عشق الصور.

وتتابعوا على عده مرضا قلبيا يحتاج إلى علاج قوي وطويل الأمد، وقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آدابا يحسن بالمسلم أن يتحلى بها عند لبسه لثيابه فمن ذلك التسمية، فقد كان صلى الله عليه وسلم يبدأ بها في أعماله كلها، ومنها البدء باليمين عند اللبس وبالشمال عند الخلع، لما ثبت عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في شأنه كله” رواه البخاري، وهو يدل على استحباب البدء باليمين في كل ما كان من باب التكريم والزينة، ومن الآداب الإتيان بالذكر المشروع عند لبس الثياب فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا لبس ثوبه أو قميصه، حمد الله تعالى قائلا “الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة” رواه أبو داود، وإذا لبس ثوبا جديدا دعا الله قائلا “اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوز بك من شره وشر ما صنع له” رواه الترمذي، وإن من جملة هديه صلى الله عليه وسلم في لباسه عدم إطالة الثوب والإزار، فكان إزاره لا يتجاوز الكعبين، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال “إزرة المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين” رواه أبو داود، وقال “ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار” رواه البخارى، واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة، وكان يضعه في خنصر يده اليسرى، وتارة يضعه في يده اليمنى، ونهى عن التختم بالذهب، ونهى أيضا صلى الله عليه وسلم، عن لبس الحرير من الثياب، ونهى صلى الله عليه وسلم عن لبس ثوب الشهرة.

الذي يتميز به الإنسان على غيره حتى يشتهر به، فصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال “من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه نارا” رواه ابن ماجه، وحرم النبي صلى الله عليه وسلم، تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ” لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال” رواه البخاري، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل” رواه أبو داود، وقد ورد في السنة والآثار العديد من الملابس التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها، وإن حاصل ما جاء فيها أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس ما يتيسر من اللباس الذي كان معروفا في قومه، فلا يرد موجودا، ولا يتكلف مفقودا، ولا يتميز بلبسة دون الناس، ولا يقتصر على لبسة واحدة، بل يلبس من أنواع القماش كلها إلا الحرير، ومن أنواع الثياب ما كان ساترا جميلا منها، وحقا إنه من نعم الله تعالى التي امتن بها على عباده، وميزهم بها عن سائر المخلوقات، نعمة اللباس، فقال تعالى كما جاء فى سورة الأعراف” يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشا” وقال تعالى كما جاء فى سورة النحل ” وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم” واللباس شأنه شأن غيره من أمور الحياة اليومية التي ينبغي على المسلم أن يلتزم فيها هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان هديه في اللباس أعظم الهدي وأكمله.

ولقد حرم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال” لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ” رواه البخاري، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال” لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل” رواه أبو داود، وأن أجمل اللباس وأفضله لباس التقوى، كما قال الله تعالى فى سورة الأعراف ” ولباس التقوى ذلك خير” وصدق الشاعر حين قال إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى تقلب عريانا وإن كان كاسيا، فإن التعري، ومثله التجسيم ولبس الضيق، والشفاف والقصير وأشباهه، حينما يكون بين الناس في الطرقات والشوارع والمصالح، لا للأزواج في البيوت، فهذا هو التبجح بالتعري، والتصميم عليه، والتفنن فيه، والفتوى بجوازه واحتشامه وتمرير الآباء والأزواج والمحارم له، دياثة وانحطاط جاهلي، وجذب النساء والبنات والأسر لبعضهن من خلال التقليد والتشجيع على اللحاق بالمشهد المقزز في الشوارع احتجاجا أنه محل إعجاب العيون وملاحظتها، أو بحجة أنه لا يوجد غير ذلك في الأسواق، كل هذا مخالف للفطرة ومكافح لها، وإهانة للإنسان، وبذل من كرامته وكرامتها، وعرض جوهرة ثمينة لتبتذل بين الناس، واستهانة بالأعراض لمن يدّعي الغيرة والشرف، وإن المحصلة هو أن جوهرة ثمينة وعرضا مصونا صار يُعرض، تبتذل وتتلقفها أعين وتلوكها ألسنة ويقترب منها أفاعى، في موجة النفور عن الدين.

وفي وقت الحرب الشديدة عليه اليوم، وضعف أهله، في هذه الموجة يتراجع شرفاء، وتنحسر العفة، ويخسر الناس من أعراضهم بعدما خسروا من دينهم وحريتهم وآمالهم وطموحاتهم، وثورتهم موءودة الأحلام، فتذكر وأنت تقرأ كتاب ربك، وأبلغ أهلك، وأبلغ أرحامك وجيرانك وزملاءك وأصدقاءك والناسَ جميعا، أن التعري ومثله التجسيم عقوبة، وحالة طارئة ترفضها الفطرة، وأبلغهم أن الله سمّى التعري فاحشة ومعنى كونه فاحشة أي فَحُش قبحه وزاد سوؤه وإنكاره في الفطرة وفي الشرع، فإن آدم وزوجه طفقا يخصفان أى يرقعان على سوءاتهما من ورق الجنة، على عجل وتستر فليستتر امرؤ ولتستتر مؤمنة كما أمرها الله تعالى، ولا تحتل عليه سبحانه، فالحيلة والمكر على الله لا يجوز، بل يجب أن تنظر فيما شرط الله تعالى من أمره وكيف تستوفي أمر الله الشرعي بالحجاب المأمور، فإن العفة عنوان لهذا الدين، والعفة شكلا ومضمونا، ونحن على خصام مع الحضارة الغربية في إباحيتها وتعريها وقتلها للفطرة أو محاولة انقلاب الفطرة، ونحن أمة شعارها كما قال جعفر بن أبي طالب رضى الله عنه، للنجاشي ملك الحبشة “ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة” وإلى اليوم فأقول للخلق جميعا إن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة، وقد قال تعالى فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة آل عمران ” زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب”

وقال القرطبى، فى قوله تعالى “من النساء” بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن، لأنهن حبائل الشيطان وفتنة الرجال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء” رواه البخاري ومسلم، ففتنة النساء أشد من جميع الأشياء، ويقال في النساء فتنتان، وفي الأولاد فتنة واحدة، فأما اللتان في النساء فإحداهما أن تؤدي إلى قطع الرحم، لأن المرأة تأمر زوجها بقطعه عن الأمهات والأخوات، والثانية يبتلى بجمع المال من الحلال والحرام، وأما البنون فإن الفتنة فيهم واحدة وهو ما ابتلي بجمع المال لأجلهم، وروى عبدالله بن مسعود رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتاب” حذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن في إسكانهن الغرف تطلعا إلى الرجال، وليس في ذلك تحصين لهن ولا ستر، لأنهن قد يشرفن على الرجال فتحدث الفتنة والبلاء، ولأنهن قد خلقن من الرجل، فهمتها في الرجل والرجل خلق فيه الشهوة وجعلت سكنا له، فغير مأمون كل واحد منهما على صاحبه، وفي تعلمهن الكتاب هذا المعنى من الفتنة وأشد، وفي كتاب الشهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “أعروا النساء يلزمن الحجال” فعلى الإنسان إذا لم يصبر في هذه الأزمان أن يبحث عن ذات الدين ليسلم له الدين فقال صلى الله عليه وسلم “عليك بذات الدين تربت يداك” رواه مسلم عن أبي هريرة، وفي سنن ابن ماجة عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

“لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل” وقال مالك فيما نقله النووى عنه قال، والمرأة فتنة إلا فيما جبل الله تعالى النفوس عليه من النفرة عن محارم النسب،
وقال ابن كثير فى الأية أنه يخبر تعالى عما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين، فبدأ بالنساء لأن الفتنة بهن أشد، كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال “ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء” فأما إذا كان القصد بهن الإعفاف وكثر الأولاد، فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه، كما وردت الأحاديث بالترغيب في التزويج والاستكثار منه، وأن خير هذه الأمة من كان أكثرها نساء، وقوله صلى الله عليه وسلم”الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة، إن نظر إليها سرّته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله” رواه النسائي وروى بعضه مسلم في صحيحه، وقوله في الحديث الآخر “حبّب إليّ النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة” وإن حُسن الهيئة والزيّ الحسن من شمائل الأنبياء وخصالهم النبيلة، وكان نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أحسن الناس منظرا وأحلاهم ثوبا، فقد كان لباسه لباس التواضع مع الهيئة الجميلة والنظافة، وشأن لباس النبى صلى الله عليه وسلم وثيابه شأن غيره من السنن التي ينبغي على المسلم أن يقتدي فيها هدي النبي صلى الله عليه وسلم وإتباع سنته، فإن خير الهدى هديه وأحسن الخصال خصاله صلوات الله وسلامه عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى