مقال

الحق فى القرآن الكريم ” الجزء الأول

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

إن كلمة الحق لها وقع كبير، وبالمقابل فإن كلمة الباطل لها تأثير كبير أيضا، وأهل الباطل يعملون على زخرفة باطلهم بالعبارات الرنانة، والكلمات المعسولة، وإنه على المسلم البذل ومن الله التأييد، فإن الطريق طويل وشاق، ويحتاج إلى جهاد دائم من حملة رسالة الإسلام، لكن هذا الجهاد يؤيده الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال تعالى فى كتابه الكريم فى سورة النساء ” وترجون من الله ما لا يرجون” ويبارك فيه ولو كان قليلا، المهم أن يبذل الإنسان ما يستطيع، فإن لنا أن نتساءل لماذا سقطت كلمة الحق واختفت أمام المنصب والجاه؟ أين كلمة الحق للمدير في مؤسسته من قبل موظفيه؟ وأين كلمة الحق للشيخ في قبيلته من قبل أتباعه؟ أين كلمة الحق من عالم ربانى لا يخشى إلا الله عز وجل ولا يعرف إنزال الفتاوى حسب الطلب؟ أين كلمة الحق في بيوتنا من الزوج لزوجته ومن الزوجة لزوجها؟ أين كلمة الحق في محاكمنا وشهاداتنا وأعمالنا؟ بل أين كلمة الحق أمام الحاكم الظالم والملك الجائر والوزير الخائن وهو يفسد ويعبث بمقدرات أمته ووطنه والكل يمجده ويصفق له ويثني عليه ولا يجد كلمة توقظه من غفلته؟ فإن الحق فى اللغة هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، وفي إصطلاح أهل المعانى هو الحكم المطابق للواقع، ويطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب، بإعتبار إشتمالها على ذلك، ويقابله الباطل، وأما الصدق فقد شاع في الأقوال خاصة، ويقابله الكذب، وقد يفرق بينهما بأن المطابقة تعتبر في الحق من جانب الواقع، وفى الصدق من جانب الحكم، فمعنى صدق الحكم مطابقة للواقع.

 

ومعنى حقيقته مطابقة الواقع إياه، ويعرف أصحاب المذهب الشخصى الحق بأنه هو قدرة أو سلطة إرادية يخولها القانون لشخص معين، فالعنصر الجوهري للحق عن انصار هذا المذهب يكمن في إرادة شخص صاحبه ويرى اصحاب هذا المذهب ان العنصر الجوهري للحق هو موضوع الحق والغرض منه، فالحق هو مصلحة يحميها القانون وطبقا لهذا التعريف فإن الحق يقوم على عنصرين، العنصر الأول هو موضوعى وهو المصلحة أو المنفعة التي تعود على صاحب الحق وهذه المصلحة قد تكون مادية أو أدبية أو معنوية، والعنصر الثاني شكلى وهو عنصر الحماية القانونية اي الدعوى القضائية بمنحها لحماية الحق، وإن الحق من أسماء الله الحسنى، ومن أسماء القرآن الكريم، وأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، فإن الله عز وجل هو الحق، ويدعو إلى الحق، ومنه الحق عز وجل، وإن معرفة الحق واجب عظيم، فكيف نميّز الحق؟ وكيف نعرفه؟ وما هي الدلائل الدالة عليه؟ وما هي أماراته؟ وما هي صفاته؟ وما هي طريقة الوصول إليه؟ وما هي الصوارف عنه؟ وكيف نتعامل معها؟ ومن هم أعدائه؟ وكيف نواجههم؟ وإن هذه بصائر عظيمة، ينبغي على المسلم وخصوصا فى هذا الزمان أن يحرص عليها، فإن الحق شيء كبير، فإن الحق هو ما قامت به السموات والأرض، والحق في خضمّ هذه الشبهات، والانحرافات كثيرة، فأين الحق فى غمرة الأطراف المتصارعة، وأين هو الحق اليوم في غمرة الأطروحات والنظريات؟ وكيف نعرف الحق الآن في ظل هذا الزخم الكبير الهائم، التي تبثه القنوات، وتزخر فيه المقالات.

 

وهذه المنشورات على الشاشات، كيف تعرف الحق؟ فإن الله سبحانه وتعالى أخرجنا من بطون أمهاتنا على الفطرة السليمة، التى قال سبحانه وتعالى عنها كما جاء فى سورة الروم ” فطرت الله التى فطر الناس عليها” وأقسم تعالى بذلك فقال كما جاء فى سورة الشمس ” ونفس وما سواها” أى بمعنى ونفس وما خلقها، وقد خلقها سبحانه وتعالى سوية مستقيمة على الفطرة القويمة، وقد فطر الله تعالى الناس على معرفته، وعلى توحيده عز وجل، وأن الحق لو عرض عليهم بدون موانع وصوارف سيقبلونه، ولقد جعل الله تعالى في النفوس استعدادات للتعرف على الحق، والإحساس به، فقال تعالى كما جاء فى سورة الأعراف ” وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى” فالحق الذي لأجله خلق الله الخلق، وكما جاء فى الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” حق الله تعالى على العباد أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا” رواه البخارى ومسلم، ولا بد من التعرف على الحق، ومعرفة مصادره، وكذلك فإن معرفة الحق من أشرف العلوم التي ينبغي تعلمها، وإن الحق كثيرا ما تتردد على ألستنا وفي مجالسنا كلمة الحق في معرض الحديث عن مسائل وأحوال وظروف مختلفة في الحياة، فالإنسان ومنذ أن خلقه الله تعالى على الأرض جعل له حقوقا في أمور كثيرة أولها هو الحق في الحياة، ومعنى أن يكون له الحق في الحياة أى أن الحياة هي أمر واجب له ولازم بصفته الإنسانية ولا يستطيع أحد أن ينتزع هذا الأمر الواجب له إلا باعتدائه هو على حق غيره في الحياة بالقتل.

 

فيقتل تحقيقها للعدالة الربانية في الأرض، كما يأتى الحق في مفهومه بمعان كثيرة ومنها الحق هو الله تعالى يعتبر الحق اسم من أسماء الله تعالى وصفة لازمة له، فقال تعالى ” ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلى الكبير” فالحق في الاية الكريمة يعني أن الله سبحانه وتعالى له واجب مستحق لازم على عباده الذين خلقهم وهو أن يعبدوه وحده و لا يشركوا من دونه شيئا، وأن يعلموا أن الله تعالى هو المستحق للعبادة والرجاء والدعاء والتوبة والإنابة، وأن كل ما سوى ذلك هو الباطل، فالذي يشرك بالله تعالى والعياذ بالله لا يؤدى حق الله على عباده، ومن لا يؤدى حق الله يستوجب عقاب الله وعذابه، ولقد بيّن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي رواه معاذ بن جبل أن لله تعالى حقا على العباد وهو أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا، كما أن للعباد حق على الله، وهذا الحق هو أن يدخل الله الجنة من لا يشرك به شيئا، وبلا شك فإن هذا الحق يختلف عن حقوق العباد في أنه غير لازم أو واجب على الله، وإنما يستلزم ذلك كمال الله تعالى وتنزيهه عز وجل، وإن مفهوم الحق فى القانون، بأنه يأتي الحق بمعنى الواجب المقرر للأفراد والذى يمنحهم سلطة التصرف وفق ما يتيحه القانون في نطاق هذا الواجب المقرر، بحيث يحاسب كل من يعتدى على هذا الواجب المستحق للناس، وهذا التعريف هو التعريف القانوني لحقوق الأفراد، ويترتب على إثبات الحقوق للأفراد أن تكون لهم سلطة التصرف في حقوقهم دون أن ينازعهم أحد فيها، ومثال على ذلك حقوق الإنسان.

 

فى التملك والتصرف فيما يملكه من أموال وعقارات وغير ذلك، بحيث تكون له سلطة كاملة في التصرف فيها بيعا وشراء وتوكيلا وغير ذلك من دون أن يتدخل أحد فى قراراته ودون أن يعتدى على حقه في ذلك أحد، ومن يعتدى على هذا الحق يتعرض للمساءلة والمحاسبة أمام القانون، ولقد خلق الله تعالى الناس وشرع لهم حقوقا، وعرفهم بها، كما حد حدودا لحمايتها ورعايتها، وسن العقوبات الصارمة في حق كل من اعتدى عليها، الحق في اللغة الأمر الثابت اللازم للفرد والجماعة، أما في الاصطلاح فهو مصلحة مقررة شرعا، وكل حق فى الإسلام يقابله واجب، لكي يضمن المسلم التمتع بحقوقه، فمثلا التعلم حق للطفل وواجب على الدولة، ومن خصائص الحق في الفكر الإسلامى، أنه ثابت، ومحدد، وواجب، كما أنه صحيح، وصادق، ولازم، ومطابق للواقع، وإن لمفهوم الحق في الإسلام تعريفات كثيرة، ودلالات واسعة، فهو يطلق على ما أوجبه الله تعالى من الفروض، كالزكاة والتي تعد حقا من حقوق الفقراء، وواجبا على الأغنياء، لقوله تعالى كما جاء فى سورة المعارج ” والذين فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم” ومثال على ذلك محاربة المرتدين في زمن الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، والذين امتنعوا عن دفع الزكاة، فهو حق من حقوق الناس لا مهادنة فيه، وكذلك فإن الموت حق علينا جميعا، فإنه مهما طال عمر الإنسان أو قصر، لا بد أن ينتهي بالموت، لقوله تعالى كما جاء فى سورة ق ” وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد” وما ثبت حقه فى الشرع.

 

مثال على ذلك حق النفقة للمرأة المطلقة، وحق الميراث للورثة، وحق الإنسان في التحكم بما يملكه من بيع وشراء أو صدقة، أو هبة، أو وقف، وكذلك اليقين المقرون بالأدلة الصحيحة، والحجج الطاهرة، والباطل الممثل بالشك والزيف المقرون بالحجج المريضة والناقصة، فقد كانت دعوى الأنبياء الكرام عليهم جميعا الصلاة والسلام دعوى حق تبرهن على وجود الله عز وجل، فقال تعالى كما جاء فى سورة محمد ” ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم” ويعتبر الإسلام أن كل حق للإنسان هو في نفس الوقت حق للبشرية، خولها لعباده من غير تمييز في اللون والجنس، حيث إن المساس بها هو إخلال بالحق الإلهى، ومن أنواع الحقوق، هو حقوق الله تعالى على العباد، وهى تتجلى في عبادته سبحانه وتعالى، وعدم الإشراك به، واتباع أوامره واجتناب نواهيه، وأيضا حقوق النفس وهى من خلال القيام بالحاجات الأساسية لها من تغذية ونظافة وعدم تحميلها فوق طاقتها، واجتناب حرمانها من النعم التي أنعمها الله تعالى على عباده، وأيضا حقوق العباد على العباد، من حفظ وصون حق الأهل والأبناء والجيران، وكذلك رعاية الحقوق في الإسلام حيث يعتبر الإسلام الحقوق الأساسية والحريات العامة جزءا من الدين الإسلامى، ولا يحق لأحد أن يعطلها سواء جزئيا أو كليا، وكما جعل رعايتها عبادة، وإهمالها أو التعدى عليها منكرا يحاسب عليه المسلم يوم القيامة، فكل إنسان مسؤول عن هذه الحقوق بمفرده، والأمة كافة مسؤولة عنها بالتضامن.

 

لذا اعتبر الإسلام أن الإيمان والتربية أساس احترام الحقوق، فلا خير في مؤمن لا يؤدى واجبه، وكما يجب على الدولة والمجتمع رعاية الحقوق كاملة، وإن هذا الحق من أسمائه عز وجل، وأفعاله حق، وصفاته حق، وكل شيء يُنسب إليه سبحانه وتعالى فهو حق، والموضوع متعلق باسمه عز وجل، وشرف كل علم بشرف المعلوم، وهذا المعلوم له تعلق باسم من أسمائه تعالى، وهو الحق، وقوله حق، وفعله حق، ووعده حق، ولقائه حق، ورسله حق، وكتبه حق، ودار كرامته حق، ودار عذابه حق، فإذا، معرفة الحق من الفطرة، ومعرفة الحق من أشرف العلوم، ومعرفة الحق للتميز بينه وبين الباطل، وضبط الأمور، حتى لا يقع الزيغ، فإن للحق أمارات وعلامات نصبها الله تعالى، والتمييز بين الحق والباطل أمر مهم جدا، ومعرفة الحق لاتخاذ الموقف من الحق بالتأييد، ومن ضد الحق هو الباطل للمواجهة، ومعرفة الحق تجعلك تؤيد أنصار الحق، ومواجهة أعداء الحق، وإذا عرفنا الصوارف عن الحق عرفنا كيف نواجهها، وقال حذيفة “كان الناس يسألون النى عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركنى” رواه البخارى، ومسلم، ولكن ما معنى الحق واحد ولا يتعدد؟ وما معنى الحق أبلج، والباطل لجلج؟ وما معنى الحق له علامات، وأمارات؟ فإن معرفة الحق تعين على الثبات عليه، والقين به، خصوصا في عصر الفتن من الشهوات والشبهات، وخصوصا في عصر انتفاش الباطل، وهيمنته، وكثرته، وتغلبه المادي، وإن المسلم الذى يعرف الحق ثابت الجنان، قوى الحُجّة، مطمئن في مسيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى