مقال

الحق فى القرآن الكريم ” الجزء الثانى

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع الحق فى القرآن الكريم، وإن معرفة الحق تعين في الحكم على الأشخاص، والأعمال، والمواقف، والأحداث، لأنه لا يجوز الحكم على هذه الأشياء بالظن والتخرص، ولا الرجم بالغيب، ولا بالهوى والتشهي، ولا بالعصبية، وإن معنى الحق، فهو كلمة تدل على إحكام الشيء وصحته، والحق في كتب اللغة وصفوه بالعدل، ووصفوه بالثبات، ووصفوه بالوجوب، ووصفوه باليقين، ووصفوه بالصدق، ووصفوه بأنه ضد الباطل، إذن فإن الحق هو الإحكام، والصحة، والإصابة، والوجود، والثبات، والصدق، والعدل، ولكن ما معنى الله تعالى هو الحق؟ أي حق في وجوده، فلا يمكن لأحد أن يجحده ويكون مسلما، حق في أفعاله، حق في قضائه وقدره، حق في ذاته وصفاته، حق في ألوهيته، فلا يستحق أحد العبادة إلا هو، فقوله تعالى حق، وفعله تعالى حق، ورسله الكرام حق، وكتبه حق، ودينه حق، فالله عز وجل هو الحق المطلق، كما قال تعالى فى سورة الحج ” ذلك بأن الله هو الحق” وكل الناس، كل البشر، كل المخلوقات تفنى إلا الله، فإنه سبحانه وتعالى باقى، يبقى، لأنه وجوده حق سبحانه وتعالى، لكن وجودنا نحن، نأتى ونذهب، فهو سبحانه القائل كما جاء فى سورة الرحمن ” كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام” وإن أسمائه سبحانه وتعالى وصفاته حق، فلا يوجد في أسمائه مدح زائد، ولا يوجد في أسمائه شيء لا يستحقه، وكذلك فإن شرعه حق، وشرع يره فيه الخطأ والصواب، وفيه الباطل والانحراف، وفيه النقص، وفيه الظلم، أما شرعه حق، وعدل، وكمال، وشمول.

 

وكذلك فإن قوله عز وجل حق، ليس فيه كذب، ولا نقص، ولا خلل، فقال تعالى كما فى سورة ص ” فالحق والحق أقول ” وتقيم المفعول والحق أقول وأصل الجملة، أقول الحق، فتقديم المفعول يفيد الحصر، ويعنى ذلك أنه لا أقول إلا الحق، وقال تعالى ” والله يقول الحق” ونحن نقول حق وباطل، والبشر يخطئون ويصيبون، فالله قول حق دائما، فقال تعالى كما جاء فى سورة الأنعام “وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ” فهو سبحانه وتعالى لا كذب، ولا ظلم، لا في شرعه، ولا في قدره، فقال تعالى ” وهو يهدى السبيل” فسبحانه، يهدي إلى سبيل الحق، والناس كثيرون، منهم يهدون إلى سبيل الباطل، وكل ما سوى الله باطل، ويهدي إلى باطل، إلا من دعا إلى سبيل الله، واستمد من الله تعالى، فيكون على الحق، والناس لا يعرفون في الحق إلا بنسبة إصابتهم من الحق الصادر عن الله، وكذلك فإن وعده تعالى حق لا يخلف، ولا يتخلف وعده، فقال تعالى كما جاء فى سورة يونس ” ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون” وقال تعالى كما جاء فى سورة إبراهيم ” وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم ” ويقول ابن القيم رحمه الله “فكما أن ذاته الحق، فقوله الحق، ووعده الحق، وأمره الحق، وأفعاله كلها حق، وجزاءه المستلزم لشرعه ودينه ولليوم الآخر حق، فمن أنكر شيء من ذلك فما وصف الله بأنه الحق المطلق من وجه، وبكل اعتبار، فكونه حقا يستلزم أن شرعه ودينه وثوابه وعقابه” فكيف كلها حق، وأيضا فإن ملك الله حق، فقال تعالى كما جاء فى سورة الفرقان ” الملك يومئذ الحق للرحمن ”

 

فلا يبقى لأحد من المخلوقين لا ملك ولا ملك، لا يبقى له شيء، وإن لقائه سبحانه وتعالى حق، فالبعث حق لا شك فيه، فقال تعالى كما جاء فى سورة الأنعام ” ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ” وحسابه حق لا ظلم فيه، فقال تعالى كما جاء فى سورة النور ” يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين” فإذن نجد أن كلمة الحق في القرآن الكريم والسنة كلمة متكررة، لها وزن كبير، ولها مدلولات عميقة، وبعد أن عرفنا تعريف الحق، وارتباط الحق بالله سبحانه وتعالى، ومن أسمائه الحق، فلنتعرف على صفات الحق، فإنه لما خلق الله تعالى السموات والأرض، خلقهما بالحق، وأخبر أنه الحق، وأن شرعه حق، وأنه دعا العباد إلى سبيل الحق، ويريد الله للحق أن يحق، فإن من رحمة الله تعالى أن جعل للحق علامات، ولم يترك البشر يضطربون في معرفة الحق، أو تركهم في حيرة، بل نصب الله للحق علامات، فهذه الكتب التي أنزلها، وهذه الرسل التي بعثها، وهؤلاء الدعاة الصادقين الذين قيّضهم، وهذه الأدلة التي ركزها في الفطرة، وفي القرآن الكريم، وفي الواقع للدلالة على الحق، حتى لا يكون لأحد حجة يقول ما علمت، ما دريت، فالحق له صفات، وصفات الحق جميلة، وتميزه عن الباطل، ولن يشتبه الحق بالباطل عند من يريد معرفة الحق، ويستمد من الله تعالى العون والتوفيق، ويسلك السبل التي أرشده الله إليها في معرفة الحق، أما من أغمض عينه، وأصم أذنه، فلن تملك له من الله شيئا، والشمس ساطعة في وضح النهار، لكن من تعامى عنها وأغلق عينيه لن يراها.

 

فقال تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” صم بكم عمى فهم لا يعقلون” وقال تعالى كما جاء فى سورة الأنعام ” أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به فى الناس كم مثله فى الظلمات ليس بخارج منها” فإن الحق إلهى المصدر، وإن أهم صفة للحق أنه إلهي المصدر، فمن أراد البحث عن الحق، فلا يمكن أن يبحث عن الحق في نظريات الغربيين والشرقيين مثلا، ولا في معامل الأبحاث والمختبرات، ولا يمكن أن يبحث عنه في آراء الناس، ولا يمكن أن يكون الحق في وسائل الإعلام، أو أن يبحث عن الحق في المصادر البشرية مثلا، وأعظم ميزه للحق أنه إلهي المصدر، ولذلك هناك أناس عندهم مشكلة حقيقة، يبحثون يذهبون، يأخذون، ينظرون، يقولون دعونا نرى ماذا لدى الهنود، والصينيين، والأوربيين، والغربيين؟ وماذا عند هؤلاء؟ وماذا عندهم؟ وهناك أناس تبحث، وتقرأ، ولربما ضاعت على أحدهم سنين طويلة وهو البحث، وربما يموت ولم يصل بعدُ، لكن الذى يعرف أن الحق إلهي المصدر، لا يمكن أن يبحث عن الحق في غير المصادر الإلهية، والمصادر الإلهية هي الوحي، ليست عندنا مصادر أخرى، فالحبل الذي بيننا، وبين الله هذا الكتاب، وهذه السنة، فالذي يريد أن يبحث عن الحق خارج الكتاب والسنة ضال، ولن يصل، ويقول تعالى كما جاء فى سورة الأحزاب ” ولن تجد لسنتنا تبديلا” فهذا الحق الذى جاء من عند الله، هذا الحق وحى إلهى وتشريع ربانى فقال تعالى كما جاء فى سورة النساء” إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ” وقال تعالى فى سورة النساء

 

” يا أيها الناس قد حاءكم برهان من ربكم” وإن المصدر من المصدرية، فقال تعالى فى سورة النساء ” من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا” فليس الحق نابع من إرادة، أو طبقة، أو حزب، أو قبيلة، أو شعب، أو أكثرية، أو ديمقراطية، ولا يمكن البحث عن الحق في الرأس مالية، والعلمانية، والليبرالية، والمذاهب البشرية، لأن الحق ليس له إلا مصدر واحد فقط، أنه من عند الله عز وجل، والدليل هو قوله تعالى فى سورة الكهف ” وقل الحق من ربكم ” فبذلك انتهت القضية، والمعنى هو قل للناس يا محمد إن الحق الذى لا مرية فيه هو من الله تعالى الذى خلقهم، وقال تعالى كما جاء فى سورة آل عمران ” الحق من ربك فلا تكن من الممترين” وكل مصدر آخر معرض للخلل، والضلال، والزيغ، والانحراف، فلان يعطيك رأيا خاصا، هذا رأيه، لكن عندما يعطيك آية وحديثا فإنه يعطيك حقا، ولو رأيت قاضيا يقضي بالجور والظلم، فإنه لا يقضي من هواه، أو من جهل، لأن الله قال فى الحدبث القدسى” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسى” رواه مسلم، وقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” القضاة ثلاثة، اثنان في النار”رواه ابن ماجة والنسائى والبيهقى، وهما ” قاض عرف الحق فجار، وآخر قضى على جارة” ولذلك ترى المصادر الأخرى غير الوحي الإلهى تأتى بالأباطيل، فمثلا من الدساتير البشرية تجدها تشرعن الظلم، أو الانحلال الأخلاقي، فتبيح الشذوذ، أو زواج المثليين، والحرية الجنسية، والزنا والفاحشة، والله عز وجل يقول كما جاء فى سورة الأعراف “وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها”

 

وإن هذه الكلمه وهى والله أمرنا بها قهى محض افتراء، وبذلك رد عليهم، فقال تعالى ” قل الله لا يأمر بالفحشاء” فإذا رأيت انحرافا فى الواقع فإنه لا يمكن أن يكون مصدره إلهي، فإن الله لا يأمر بالفحشاء وأن هذا ليس حقا، ولذلك كل هذه النظريات، وكل هذه الفلسفات، ليست مصدرا للحق، فما أسهل الكلام في حياة الناس اليوم في الشارع والمنتديات، وعلى المنابر وفي وسائل الإعلام، وفي الفضائيات وعبر الإنترنت والصحف وفي الدواوين وفي المناسبات والمحافل والاجتماعات الكل يتكلم ويتحدث في كثير من أمور الحياة ولكننا اليوم وفى كثير من مجالات الحياة أصبحنا نفتقد كلمة الحق، فلا تكاد تجد بين هذا الكم الهائل من الكلام كلمة الحق وقول الحق، وأصبح الكذب والنفاق والمجاملة وطمس للوقائع وتزوير الحقائق وتحريف الكلم عن مواضعه هو لغة العصر وشعار الزمان عند كثير من أبناء هذه الأمة إلا ما رحم الله، الأمر الذى أدى إلى ضياع الكثير من القيم والأخلاق، وبسبب ذلك ساءت الكثير من العلاقات الاجتماعية وضاعت الكثير من الحقوق، وحدث الظلم بأبشع صورة، وتعلمت الأجيال الخوف والجبن وتجرعت ثقافة الخنوع والضعف والاستكانة وتسلط العدو وغيرها من المساوئ، فأين كلمة الحق على مستوى البيت والوظيفة؟ أين كلمة الحق في كل مكان؟ لماذا أصبحت كلمة الحق مفقودة في حياتنا؟ ولماذا أصبح الكثير يتاجر بكلمة الحق ولو على حساب دينه وقيمه وأخلاقه ووطنه وأمته؟ لقد أمرنا الله بالحق وقول الحق وبين في كتابه أن الحق قامت به السموات والأرض.

 

وأنه لا ينفع غير الحق وأن الباطل إلى زوال، فيقول تعالى كما جاء فى سورة الأنبياء” بل نقدف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق” وقال تعالى كما جاء فى سورة سبأ ” قل إن ربى يقذف بالحق علام الغيوب، قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد” وكلمة الحق المطلوب قولها هي الكلام الحقيقي الصادق الذي ينفع الله به بلاء مجاملة أو نفاق أو رياء، فقال تعالى كما جاء فى سورة الأنفال ” ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين، ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمنون ” ولقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كلمة الحق وقول الحق من أعظم الجهاد في سبيل الله، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ” إن من أعظم الجهاد كلمةعدل عند سلطان جائر” وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم قول كلمة الحق، في الرضا والغضب، فقد ثبت في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه “اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما كانت الحياة خير لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لى، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيما لا ينفذ، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك، من غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين” رواه النسائى والحاكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى