مقال

الحلال بيّن والحرام بيّن ” الجزء السادس

 

إعداد / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع الحلال بيّن والحرام بيّن، وقد توقفنا مع أننا نخشي أن يمر بنا زمان ليأتى من يقول الشيخ فلان يرى حرمة الخمر، والشيخ فلان يرى أن الخمر ليست حراما، والشيخ فلان يرى أن الصلوات خمس، والشيخ فلان يقول يكفي اثنين او ثلاثة، الشيخ فلان يرى أن صيام رمضان فريضة، والشيخ فلان يرى انه مستحب للقادر عليه وهكذا نصل الي مرحلة من الحضيض، وربما تضحكون الان معي مع هذه الامثلة لكن ما كان قولا فكاهيا أوفيه نوع من الطرافة بالأمس صار اليوم يقال ويردد ويسجل بصورة عجيبة وبجرأة أكبر وأغرب، سبحان الله، فالمسألة ليست مسألة قال فلان، وقال علان، فإن المسألة هذا أمر الله لما قال الله وأقيموا الصلاة، هذا ليس رأى لفلان ولا علان فإن هذا قول الله، كتب عليكم الصيام هذا قول الله وأحل الله البيع وحرم الربا هذا قول الله، ولما نقرأ “فاجتنبوه” في الخمر هذا أمر الله وهكذا لا تحتاج المسألة لرأي فلان، ولا علان، لا نضرب بالقرآن عرض الحائط، ثم نقول هذا رأى فلان المتشدد، وأما رأى فلان المترخص فهو كذا وكذا.

 

فإن هذه مسألة مهمة جدا أقولها وأنا حزين أننا بلغنا في الخطاب الاعلامي لهذه الدرجة، ولذلك دائما ما أقول وأكرر محذراً إخواني ابتعدوا عن نشر مثل هذه المقاطع التي نتداولها على سبيل الانكار، فيقول لك انتبه الشيخ فلان يرى كذا وكذا، وهذا فعلا ليست نكتة فإن الشيخ فلان خرج، وقال إن القليل من الخمر جائز، وبعضهم قال إذا أباح ولي الامر الخمر فينبغي طاعة ولي الامر، فأنت اليوم ترسله محذرا أو من باب الإنكار، وغدا ستكون هذه هي الشبهة التي ألقيت في القلوب ووجدت قبولا، فليس كل الناس يحسن الاستماع، وليس كل الناس يحسن الفهم بعد الاستماع ، وهنالك شبهات تلقى حتى تلقى قلبا مريضا او هوى متبعا فينزلق وراء هذا، وأما عن قضية الربا لا فصال فيها، وهى أما إنك تأخذ بهذا سمعنا واطعنا، أو تقع في المعصية هذه بينك وبين الله، لكن أن يأتى من ينكر القطعيات ويقدم عليها الشبهات هذا الذي نحذر منه الآن فالبعض يرسل هذه المقاطع إما مستنكرا وإما محذرا وهذا يتناقل في وسائل التواصل ربما مع التعليق أو بدون التعليق، وربما يصادف جاهلا.

 

ربما يصادف صاحب هوى فيقتنع بالكلام، والله تعالى قال عن المنافقين كما جاء فى سورة المنافقون ” وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسنده يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون” فإن عندهم لحن في الكلام عندهم صنعة في الكلام عندهم حجة في الاقناع كما قال تعالى ” وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم” فلابد من رد الامور إلي الله عز وجل، من يتكلم في أمر بعيد عن قال الله، أو قال رسوله، أو قال العلماء، فهذه فتاوى لقيطة لا نحتاج إلى أن ننشرها ولا أن نحركها من مكانها، فاذكر الخير فينتشر ودع الشر فيندثر، وإن التشدد في التحريم ليس منهج السلف، وإنه يعتقد البعض أن الشيخ فلان الذي يحرم على طول الخط هذاعلى منهج السلف ما شاء الله عليه كل شيء عنده حرام، والاحتياط، والورع، وكذا، وكذا وهذا ليس صحيح، العلماء قالوا، إن المبالغة في سد الذرائع كالمبالغة في فتحها، والحلال والحرام قضية فيها وضوح وقطعيات في الشرع، فاذا لم يتضح الأمر عند الفقيه المجتهد.

 

فليسعه ما وسع العلماء من قبله الإمام أحمد كان يقول لا أحبه لا استحسنه هذا الأمر أكرهه، وهكذا تورع أن يقول إن هذا حرام على سبيل القطع، فإن هناك أمور ظنية، وأمور تخضع للأعراف أو للرؤية الشخصية، لا ينبغي أن نحولها إلى دين فلما يأتي مثلا مجتهد أسهل ما عليه كلمة حرام، نقول له ما قاله سفيان الثورى ” التشديد يحسنه كل أحد إنما الرخصة من ثقة” فإن التشديد سهل وكلمة حرام ما أسهلها، لكن في فتاوى اجتهادية، ووقائع أعيان وأمور جدت، فإن الشافعي في مصر، غير شافعي العراق، غير شافعي كندا، الأحوال تتغير، والفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، وهذا التغيير ليس تمييع للدين، كما يظن البعض إنما هو فقه للدليل وفقه للواقع الذي تسقط عليه الدليل، وأما عن فقه الدليل وفقه الواقع، فهو في مسائل إذا سألت عليها عالم في بلد عن مسائل في بلد آخر إذا أفتى سيفتى بها على وجه غير صحيح لأنه فقه الدليل لكنه لم يفقه الواقع، وهذه مسألة مهمة جدا إسقاط الدليل على الواقع شيء هام ، إنما فصل الدليل عن الواقع، والفتوى العامة لكل الناس، هذه مسألة تحتاج لمراجعة،

 

ولاحظوا أن الأحكام القطعية لا مجال للاجتهاد فيها إنما الاجتهاد في فهمها، وإن المسائل التي جدت تحتاج الى ربط بالشرع من خلال فهمٍ للدليل وفهم للواقع، وهذا كلام ابن القيم ذكره قديما في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين، فإن هذا العلم دين والإمام مالك رحمة الله عليه كان يقول” إن هذا العلم دين فانظرواعمن تأخذوا دينكم” وهذا يتبين عندما يذهب شخص لطبيب فإنه يحتاط أن يكون طبيبا ذا خبرة متمكنا في عمله، لأنها سلامة لبدنه فما بالنا لا نطلب السلامة لديننا، فقضية التشديد ليست هي منهج السلف، وليس كل من تشدد فهو سلفي ومن تساهل فهو تلفي، لا فإن التشديد ليس سمة من سمات الشرع، الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال ” إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحدا إلا غلبه” وأيضا التمييع ليس منهج في الشريعة، تمييع الأمور، المنطقة الرمادية، أن تجعل القطعيات واليقينيات في مرتبة الظنيات أو مرتبة الاجتهاد مثل قضية ميراث المرأة وهذه لا تحتاج إلى تمييع هذا نص قطعي الثبوت في كتاب الله قطعي الدلالة، فهنا نقول بأن الفتوى لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال العلماء.

 

أما الأقوال المرسلة والأقوال من أجل الجدال أو للتشدد أوللتمييع فكل هذه ينبغي أن نضعها في مكانها الصحيح، وإن من أعظم أسباب الشقاء والدمار، ومن أخطر ما يوصل الإنسان إلى النار ومما يجلب للعبد سخط الجبار أكل المال الحرام، فيقول الله تعالى ” إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا” ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ” من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة” فقال له رجل وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم “وإن كان قضيبًا من أراك” رواه مسلم، فإن صعوبة الأوضاع وتعقد الحياة وغلاء الأسعار وظنك المعيشة ليس عذرا لبعض الناس في اللف والدوران وأخذ الرشوة وأكل الحرام فإن الله تعالى يقول” ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا” ولا يفعل ذلك إلا من قسى قلبه واستولت الغفلة على نفسه وضعف إيمانه وقل يقينه وعميت بصيرته، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال.

 

أنه دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فوجد رجلا من أصحابه عليه علامات الهم والغم فقال له صلى الله عليه وسلم “يا أبا أمامة ما الذي أجلسك في المسجد في هذه الساعة؟” قال يا رسول الله، هموم أصابتني وديون غلبتنى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ” ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن أذهب الله همك وقضى دينك قال قلت بلى يا رسول الله، قال ” قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال” قال فقلتهن فأذهب الله همي وقضى ديني” رواه أبو داود، فإن الغنى ليس بكثرة الرزق وإنما الغنى ببركة الرزق والبركة ليست في الكثرة وإنما البركة في الطاعة والقناعة وأن ترضى بما قسم الله لك وأن تقنع بما آتاك الله، ولعلم كل من تسول له نفسه في أكل الحرام أنه سيجد عاقبة الحرام في الدنيا قبل الآخرة وسيعذب به في الحياة قبل الموت فيقول الله تعالى ” فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها فى الحياة الدنيا”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى