مقال

لقيط بنى مالك ” الجزء الأول

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ومازال الحديث موصولا عن أخبار وآثار حروب الردة أو الشح، وهى بمعنى الامتناع عن دفع الزكاة في عمان، وهي الفتنة التي كانت دبا مسرحا لها في عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولقد دخل الإسلام دبا مع دخوله عمان فعندما سطع نور الإسلام كانت زعامة عمان بيد ملكين أخويين هما عبد وجيفر وكانوا يسمونهما ابنى الجلندى وقيل أيضا إن حكام عمان هم بنو الجلندى، وهكذا نعمت المنطقة بنعمة الإسلام وبارك الخليفة الراشد أبوبكر الصديق رضي الله عنه أهل عمان ، وكانت قصة الردة في عمان أوحادثة الامتناع عن دفع الزكاة كانت بين جيش المسلمين ولقيط بن مالك الأزدي الملقب بذي التاج أو ذو التاجين، فقد امتنع لقيط عن تأدية الزكاة وقيل إنه ادعى النبوة وتبعه خلق كثير وظهر على جيفر وعباد اللذين اضطرا إلى اللجوء إلى الجبال وسواحل البحر وأرسل جيفر إلى أبي بكر الصديق رضى الله عنه، يستنجده فبعث حذيفة بن محصن البارقى إلى عمان، وعرفجة بن هرثمة إلى مهرة وأوصاهما إذا التقيا أن يبتدآ بعمان.

 

وإذا اقتربا منها راسلا جيفرا وعبادا ثم اتبعهما بعكرمة بن أبي جهل الذى كانت وجهته اليمامة ، فلما هزم طلب من الخليفة ان يسير بمن معه إلى عمان واتجه عكرمة في أثر حذيفة وعرجفة فأدركهم قبل الوصول إلى عمان وهناك راسلا جيفرا وعبادا وعسكر المسلمون في صحار وتجمعت جموع لقيط في دبا، وقد جرت معركة بين الطرفين كاد ينجح فيها لقيط لولا النجدات التي وصلت للمسلمين من البحرين وغيرها وهزم لقيط واستولى المسلمون على الغنائم وأرسلوا الخمس مع علاجفة إلى أبي بكر وبقي حذيفة يدير شؤون عمان، وقتل في هذه المعركة الفاصلة بين الطرفين عشرة آلاف من المرتدين كما صرع لقيط ذو التاج، ولقد أثرت هذه الحادثة على المسلمين وأثارت لديهم الكثير من التساؤلات حول اعتناق أهل عمان لتعاليم الدين الإسلامى ورسوخها في عقولهم ونفوسهم، على أن هذه الحادثة لم تدم طويلا فقد خمدت نارها إلى الأبد بنصر من الله تعالى وظلت عمان محافظة على عقيدتها متمسكة بتعاليم الدين الحنيف.

 

ولقد اختلف في تاريخ حرب المسلمين هؤلاء المرتدين، فقال ابن إسحاق أنه كان فتح اليمامة واليمن والبحرين وبعث الجنود إلى الشام سنة اثنتى عشرة من الهجرة، وقال أبو معشر، ويزيد بن عياض بن جعدبة، وأبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر إن فتوح الردة كلها لخالد بن الوليد رضى الله عنه، وغيره سنة إحدى عشرة من الهجرة، إلا أنه أمر ربيعة بن بجير، فإنه كان سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وكانت قصته أنه بلغ القائد خالد بن الوليد أن ربيعة بالمصيخ والحصيد في جمع من المرتدين، فقاتله وغنم وسبى وأصاب ابنة لربيعة، فبعث بها إلى أبي بكر الصديق ضى الله عنه، فصارت إلى الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه، وأما عمان فإنه نبغ بها ذو التاج لقيط بن مالك الأزدى، وكان يسمى في الجاهلية الجلندى، وادعى بمثل ما ادعى من تنبأ، وغلب على عمان مرتدا، والتجأ جيفر وعياذ إلى الجبال، وبعث جيفر إلى أبي بكر الصديق رضى الله عنه يخبره ويستمده عليه، وبعث أبو بكر الصديق، حذيفة بن محصن الغلفاني من حمير.

 

وعرفجة البارقى من الأزد، فقد أرسل حذيفة إلى عمان، وأرسل عرفجة إلى مهرة، وكل منهما أمير على صاحبه في وجهه، فإذا قربا من عمان يكاتبان جيفرا، فسار إلى عمان وأرسل أبو بكر الصديق إلى عكرمة بن أبي جهل، وكان بعثه إلى اليمامة، فأصيب، فأرسل إليه أن يلحق بحذيفة وعرفجة بمن معه يساعدهما على أهل عمان ومهرة، فإذا فرغوا منهم سار إلى اليمن، فلحقهما عكرمة بن أبى جهل قبل عمان، فلما وصلوا رجاما، وهي منطقة قريب من عمان كاتبوا جيفرا وعياذا، وجمع لقيط جموعه وعسكر بدبا، وخرج جيفر وعياذ وعسكرا بصحار، وأرسلا إلى حذيفة وعكرمة وعرفجة، فقدموا عليهما، وكاتبوا رؤساء من لقيط وارفضوا عنه، ثم التقوا على دبا، فاقتتلوا قتالا شديدا، واستعلى لقيط، ورأى المسلمون الخلل، ورأى المشركون الظفر، فبينما هم كذلك جاءت المسلمين موادهم العظمى من بني ناجية، وعليهم الخريت بن راشد ومن عبد القيس وعليهم سيحان بن وصحان، وغيرهم، فقوى الله المسلمين، فولى المشركون الأدبار.

 

فقتل منهم في المعركة عشرة آلاف، وركبوهم حتى أثخنوا فيهم، وسبوا الذرارى وقسموا الأموال، وبعثوا بالخمس إلى أبى بكر مع عرفجة، وأقام حذيفة بعمان يسكن الناس، وأما مهرة فإن عكرمة بن أبى جهل سار إليهم لما فرغ من عمان ومعه من استنصر من ناجية وعبد القيس وراسب وسعد، فاقتحم عليهم بلادهم، فوافق بها جمعين من مهرة، أحدهما مع سخريت، رجل منهم، والثاني مع المصبح، وهو أحد بني محارب، ومعظم الناس معه، وكانا مختلفين، فكاتب عكرمة سخريتا، فأجابه وأسلم، وكاتب المصبح يدعوه فلم يجب، فقاتله قتالا شديدا، فانهزم المرتدون وقتل رئيسهم، وركبهم المسلمون فقتلوا من شاءوا منهم، وأصابوا ما شاءوا من الغنائم، وبعث الأخماس إلى أبي بكر مع سخريت، وازداد عكرمة وجنده قوة بالظهر والمتاع، وأقام عكرمة حتى اجتمع الناس على الذي يحب، وبايعوا على الإسلام، وذو التاج لقيط بن مالك الأزدى هو أحد زعماء الأزد فى عُمان، والأزد هى قبيلة عربية من كبرى قبائل العرب وهى تنتمى إلى نابت.

 

 

وموطنهم الأصلى هو غرب شبه الجزيرة العربية، وقد قسمهم بعض المؤرخين من حيث المساكن إلى أربعة أقسام، أزد شنوءة وأزد السراة و‌أزد غسان وأزد عمان، وتفرع من الأزد قبائل كثيرة زادت على ست وعشرين قبيلة كبيرة، وقد ادعى لقيط بن مالك النبوة بعد وفاة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في زمن الخليفة الراشد أبو بكر الصديق الذي جرّد له حملات استطاعت القضاء على حركته وقتله خلال حروب الردة، وبعد وفاة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ادعى لقيط النبوة في عُمان وتبعه بعض أهلها، وتغلب على جيفر وعبد ابنى الجلندى عُمال المسلمين على أهل عُمان، ففرا منه، وجيفر بن الجلندى سيد بني زهران من الأزد، وفى زمن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كان جيفر وأخوه عبد سيدا قومهما فى عُمان، وقد أسلم هو وأخوه على يدى عمرو بن العاص لما بعثه النبى صلى الله عليه وسلم إلى عُمان لدعوة أهلها إلى الإسلام، ولم يقدما على النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ولم يرياه، وقد أرسل جيفر.

 

إلى الخليفة أبي بكر الصديق ليخبره بردة أهل عمان وتنبؤ لقيط، فبعث أبو بكر الصديق رضى الله عنه إليهم بحملتين بقيادة حذيفة بن محصن وعرفجة بن هرثمة، كما أمر عكرمة بن أبي جهل أن يلحق بهما بحملته بعد أن فشل في قتاله مع مسيلمة الكذاب متنبئ اليمامة، وحين علم ذو التاج بمقدم المسلمين، تحرك بجيشه إلى دبا، بينما عسكر ابنا الجلندى فى صُحار ولحق بهم بعوث المسلمين، وقد دارت معركة بين الفريقين كادت تنتهي بهزيمة المسلمين لولا وصول مدد من بنى عبد القيس وناجية في الوقت المناسب، وقتل المسلمون من عدوهم نحو عشرة آلاف من بينهم ذو التاج، وغنموا الكثير في تلك المعركة، وأما عن حذيفة بن محصن القلعانى أو الغلفانى البارقي، فهو من أصحاب النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وقد بعثه صلى الله عليه وسلم، إلى اهل عمان مصدقا له وواليا عليهم، فهو قائد عسكرى شهد الفتوحات الإسلامية فشهد القادسية وفتوحات الفرس وكان من المفاوضين الذين بعثهم القائد سعد بن أبي وقاص إلى رستم قائد الفرس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى