مقال

مسيلمة الكذاب ” الجزء الرابع “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع مسيلمة الكذاب، وقد توقفنا مع سجاح التميمية عندما رجعت إلى مسيلمة الكذاب فلما رآها مسيلمة أغلق الحصن، ثم قال لها، مالك؟ قالت أصدقنى صداقا، قال من مؤذنك؟ قالت شبث بن ربعى الرياحى، قال عليّ به، فجاء فقال نادى في أصحابك أن مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم به محمد، صلاة العشاء الآخرة وصلاة الفجر، وذكر الكلبي أن مشيخة بني تميم حدثوه أن عامة بنى تميم بالرمل لا يصلونهما فانصرفت ومعها أصحابها فيهم الزبرقان وعطارد بن حاجب وعمرو بن الأهتم وغيلان بن خرشة وشبث بن ربعى، ولكن رواية صاحب الأغاني تختلف بقدر واضح عن رواية الطبرى خاصة ما يتصل بمسألة التشنيع الجنسي الذي أضحى واحدة من الصور النمطية التي تؤطر شخصيتها حتى أضحت مثلا يضرب في معاجم الأمثال العربية فيكتفي أبو الفرج الأصفهاني في أغانيه بذكر خبر زواجها من مسيلمة لأن عهدة الأمر تعود للذكور عادة لكنه يؤكد كما تؤكد غيره من المصادر.

 

أنها أسلمت بعد تلك الحادثة وحسن إسلامها، ومن الواضح إن حروب الردة ارتبطت بقضية مزدوجة ذات شقين اقتصادي شرعى، وهي الحروب التى يرى عدد من الباحثين إنها لا تعنى الارتداد الدينى، بل احتجاج على طبيعة الخلافة، وخلاف بين أنحاء الجزيرة على أحقية ومآل تلك الخلافة، وإعادة السؤال حول أموال الجزية والخراج بين الكتل الاجتماعية غير الداخلة فى الإسلام حتى ذلك الوقت، لذا كان النظر إلى حروب الردة على إنها استكمال لفتح ما تبقى من الجزيرة العربية تحت شعار قتل المرتدين، ولعل هذا ما يفسر اجتماع هذا العدد الهائل من الناس حول حركة سجاح الموصلية، ويعضد هذا الرأى القصة المشهورة في كتب التراث عن موادعتها مع مالك بن نويرة والموادعة تعني المتاركة والمسالمة على ترك الحرب ويؤكد شيخ الإسلام ابن كثير في البداية والنهاية شيئا من هذا الواقع عندما يسرد قصة سجاح في خضم واقع القبائل العربية آنذاك، فيشير إلى أن بني تميم قد اختلفت آراؤهم أيام الردة فمنهم من ارتد ومنع الزكاة.

 

ومنهم من بعث بأموال الصدقات إلى أبى بكر الصديق رضي الله عنه، ومنهم من توقف لينظر في أمره، فبينما هم كذلك إذ أقبلت سجاح من الجزيرة العراقية وهى من نصارى العرب وقد ادعت النبوة ومعها جنود من قومها ومن التف بهم، وقد عزموا على غزو أبي بكر الصديق، فلما مرت ببلاد بني تميم دعتهم إلى أمرها فاستجاب لها عامتهم وكان ممن استجاب لها مالك بن نويرة التميمي وعطارد بن حاجب وجماعة من سادات أمراء بني تميم، وتخلف آخرون منهم عنها، ثم اصطلحوا على أن لا حرب بينهم، إلا أن مالك بن نويرة لما وادعها ثناها عن عودها وحرضها على بنى يربوع ثم اتفق الجميع على قتال الناس وقالوا بمن نبدأ فقالت لهم أعدوا الركاب واستعدوا للنهاب ثم أغيروا على الرباب فليس دونهم حجاب، على أن الخلاصة المهمة في قصة سجاح تشير إلى أن من السذاجة بمكان تصديق إن هذه الأعداد من الرجال وأمراء القبائل تجمعوا حول هذه المرأة، فقط ليقدموها فى ليلة معطرة عشيقة أو خليلة أو زوجة بلا مهر بين أحضان.

 

مسيلمة الكذاب في هذه الخيمة الباذخة والأهم انه لا يجوز الوقوع في عرضها وقد حسن اسلامها، ولا يجوز التندر بقصص خيالية وضعها القصاصون والكذابون ذوو المنهج الاسرائيلي في التفكير والعداء لاسلامنا، وإنه لما قبض النبى الكريم صلى الله عليه وسلم واستخلف أبا بكر الصديق، وكانت الردة، نبئت سجاح بنت سويد التميمية، وخرجت من بنى تغلب، فتبعها أناس كثيرون، فخرجت تسير بهم إلى بلاد بنى تميم، فلقيها بنو حنظلة فقالت أنا امرأة منكم، والملك ملككم، وقد بعثت نبية، قالوا، مرينا، قالت إن رب السماء والتراب يأمركم أن توجهوا الركاب، وتستعدوا للنهاب، ثم تغيروا على الرباب، فليس دونهم حجاب، فسارت بنو حنظلة إلى بنى ضبة، وهم من الرباب، وسارت سجاح ومن معها من بنى تغلب، فأما بنو حنظلة فلقوا بنى ضبة، فهزمتهم، ولقيت سجاح ومن معها تيما وعديا وثورا، فقاتلوهم قتالا شديدا، وجاءتهم وفود بنى تغلب والنمر وأياد، وأرسلت بنو ضبة يطلبون الى حنظلة أن يودوا قتلاهم، ويصالحوهم، فقالت لا تعجلوا على الرباب.

 

فإنهم يحثون نحوكم الصعاب، ثم قالت عليكم باليمامة، فإنها دار إقامة، نلقى أبا ثمامة، فإن كان نبيا ففي النبي علامة، وإن كان كذوبا فله ولقومه الندامة، ولا يلحقكم بعد ملامة، فخرجوا نحوها ومعها عطارد بن حاجب بن زرارة والأقرع بن حابس وشبث بن ربع وهو مؤذنها فساروا حتى نزلوا الصمان، فلما بلغ ذلك مسيلمة الكذاب وكان قد تنبأ فتجسس أهل اليمامة لها فقال مسيلمة دعوني ورأيي، فأهدى لها، وكتب إليها، إن موعدنا يوم كذا نلتقى فيه، ونتدارس، فإن كان الحق بيدك بايعناك، وان كان في أيدينا بايعتنا، فخرجت في أربعين، فلما جلسوا أحصاهم، ثم قال ليقم من هاهنا عشرة، ومن هاهنا عشرة، ومن هاهنا عشرة، ومن هاهنا عشرة، حتى ننظر من صاحب الأمر، فقاموا، وبعد حوار طويل طلب منها مسيلمة الزواج، فقال هل لك أن تزوجيني نفسك، فيكون الملك بيننا، ونخفف عن عشيرتنا؟ قالت نعم، فتزوجها وانطلق الى اليمامة، وتركت الجمع الذى كان معها، ورفع مسيلمة عن بنى تميم صلاة الغداة والظهر والعشاء، وقال إن بنى تميم.

 

لقاح لا أتاوة عليهم يعنى الخراج، فلم تزل عند مسيلمة إلى أن قتل، فهربت فلم توجد، ثم أسلمت فتزوجها رجل من قومها، فولدت له ثلاثة وماتت بالبصرة، قالوا ولما وقع عليها مسيلمة، خرجت هي قومها وهي تتصبب عرقا، قالوا ما عندك؟ قالت وجدته أحق بالأمر منى، فبايعته، وزوجته نفسي، قالوا ومثلك لا يتزوج بغير مهر؟ فقال مسيلمة جعلت مهرها أن رفعت عنكم صلاة الغداة والعتمة، فقد أوحى إلى بذلك، قالوا وما هو؟ قال ضفدع بنت ضفدعين رأسك في الماء ورجلك في الطين، لا ماء تكدرين، ولا شارب تنفضين، سجاح بنت الأكرمين، قومى أادخلى التيطين، فقد وضعنا عن قومك صلاة المعتمدين، فرضوا، فلما عرف قومها حالها قال عطارد بنحاجب بن زرارة أضحت نبيتنا أنثى يطاف بها، وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا، فلعنة الله رب الناس كلهم على سجاح ومن بالإفك أعوانا، وهكذا بعد وفاة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ظهرت سجاح التميمية في شرق نجد، وأرادت غزو اليمامة مع جيشها من بني تميم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى