مقال

مفهوم التنمية الشاملة ” الجزء الثانى عشر “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى عشر مع مفهوم التنمية الشامله، وقد توقفنا مع الدور الإجتماعى للفرد، ومن الجدير ذكره أن على الفرد أن يحاول الموازنة بين مختلف الأدوار التي يؤديها، ويكامل بينها حيث إنه من الممكن أن تكون أدواره اختيارية دون إجبار كأن يكون الفرد متزوجا أو عازبا مثلا، أو أدوارا إجبارية فرضت عليه كأن يكون ذكرا أو أنثى، ويكتسب الفرد كيفية أداء الأدوار منذ صغره، وعبر التنشئة والتربية الاجتماعية، أو من خلال التعلم أو من قدواته ومُثله العليا، أو من البيئة التى تحيط به حيث تعد عملية التعلم هذه عملية أساسية للمجتمع، تضمن استمراره، وإن من الأمثلة على الشباب في الإسلام وهو النبى يوسف عليه السلام حيث يعد هو أحد الأمثلة التى أوردها القرآن الكريم، فقد أنزل الله رسالته عليه وهو شاب فتى وتناهشته وحوش الشهوة للمال والجاه من كل اتجاه، فتمرد عليها وصبر وثبت وصمد رغم السجن والنفى والتهديدات من امرأة العزيز، فضرب بذلك أروع الأمثلة في طهارة وعفة الشباب، وأيضا نبى الله موسى وإبراهيم.

 

عليهما السلام الذين حملا دعوة الله لأقوامهما وكانا شابيبن، وأيضا قادة جيوش الأمة، فقد وثق الرسول صلى الله عليه وسلم بالشباب، فسلمهم رايات المعارك زارعا فيهم تحمل المسؤولية والثقة بقدراتهم، مثل ما حدث في معركة مؤتة بين المسلمين والرومان، بالإضافة إلى القائد قطز الذى حارب التتار، وكان شابا واشتهر بمقولته “من للإسلام إن لم نكن نحن” وفى مجال العلم من كانوا شبابا أمثال ابن تيمية والشافعي والبخاري وغيرهم، وفى العصر الحديث نرى العديد من الشباب المتدين الذى كان له أكبر الأثر في تغيير الواقع الأسود للكثير من الشباب في المجتمع، وزرع بذور الأمل فى النفوس المتعبة من الحياة، وإن من واجبات الشاب المسلم، هو الالتزام بالدين فى كل نواحى الحياة والسلوكيات، والسعى لإصلاح الغير وإصلاح المجتمع، فالمسلم ضد الأنانية، وكذلك أداء العبادات في وقتها مما يؤدى إلى الانضباط، وأيضا الإقتداء بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم من ناحية الأفعال والأقوال، وعدم التشبه بالنساء في اللباس والأفعال وطريقة الكلام.

 

والالتزام بالحلال والبعد عن الحرام، وتعتبر فئة الشباب أهم الفئات التي تعمل على بناء وتنمية المجتمع فهى عموده الفقرى الذى لا يمكن الاستغناء عنه، فهذا المفهوم، أي الشباب، يعبّر عن خصائص تتمثل أساسا فى القوة والحيوية والطاقة، والقدرة على التحمل، وعلى الإنتاج في مرحلة معيّنة من عمر الفرد، وإن كلمة الشباب تعنى الفتاء والحداثة، فإن كلمة الشباب تطلق على المرحلة العمرية التي تمتد ابتداء من مرحلة الطفولة إلى ما قبل الرشد، وإن للشباب دور كبير في تنمية وبناء المجتمع، ولا يقتصر دورهم على مجال محدد، بل يتقاطع مع جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومختلف قطاعات التنمية، فمن أهم مميزاتهم ودورهم كقوة تغيير مجتمعية هو أن الشباب هم الأكثر طموحا في المجتمع، وعملية التغيير والتقدم لا تقف عند حدود بالنسبة لهم، فهم أساس التغيير والقوة القادرة على إحداثه، لذلك يجب أن يكون استقطاب طاقاتهم وتوظيفها أولويةَ جميع المؤسسات والمجموعات الاجتماعية التى تسعى للتغيير.

 

 

وأن الشباب هم الفئة الأكثر تقبلا للتغيير، وهم الأكثر استعدادا لتقبل الجديد والتعامل معه، والإبداع فيه، وهم الأقدرعلى التكيف بسهولة دون إرباك، مما يجعل دورهم أساسى فى إحداث التغيير في مجتمعاتهم، وأيضا الحماس الفكرى لدى الشباب والطاقة الجبارة التى يملكونها تساعدهم بشكل كبير نحو التقدم والحيوية فى التفاعل مع مختلف المعطيات السياسية والاجتماعية المتغيرة، وأن الشباب قوة اجتماعية هائلة، ففى بعض البلدان هم أكثر الفئات عددا، وهم بالطبع الأكثر نشاطا، وبالتالى يمكنهم تغيير الكثير من خلال الاشتراك بأعمال التنمية المجتمعية فى جميع المجالات، والمساهمة فى إصلاحها، والتأسيس للأجيال القادمة لتكون ظروفهم أفضل، وأيضا فإن روح المبادرة لدى الشباب، والمنافسة الشريفة فى الإبداع والابتكار تشجعهم على إطلاق أفكارهم وخلق مبادرات ومؤسسات وجمعيات فى مختلف المجالات، وكلها تساهم فى تنمية المجتمع حسب عملها، وإن على مدار التاريخ كانت المشكلة الحقيقية التي تواجه الإنسان.

 

وهى مشكلة الجهل الإنسان، وكان بسبب الجهل هو كفر بالله تعالى وعبد الأصنام وعبد الحجر والشجر وعبد الأشياء وعبد الحيوان وبسبب الجهل فقد كذب الرسل عليهم الصلاة والسلام وقتلهم وحاربهم وبسبب الجهل اقتتل بنو الإنسان وبسبب الجهل تلوث البيئة اليوم ويعتدى القوى على الضعيف وإن عن قائمة أضرار الجهل فإنها تبدأ لكنها لا تنتهى ومن هنا ندرك أن المعنى الجوهرى الذى يكمن خلف نزول أول آية في كتاب الله تبارك وتعالى وهي قوله تعالى “اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذى علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم” إنها مرحلة جديدة ينتقل فيها مركز السيطرة من المال ومن القوة البدنية ومن الشرف والجاه والحسب والنسب ينتقل ليكمن فى العلم ويكمن فى المعرفة ويكمن في الخبرة وفى الاطلاع إنها فاتحة لعهد جديد والنبى الكريم صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر صار يقبل من الأسرى الذين يعرفون القراءة والكتابة أن يعلم كل واحد منهم عشرة من صبيان المسلمين كيف يقرأ.

 

وكيف يكتب ويكون ذلك فداء له، فإن الجهل فنون ولكن أخطر أنواع الجهل هو جهل الإنسان بنفسه حين لا يعرف الإنسان هل هو على خطأ أو على صواب وحين لا يعرف هل هو من السابقين أم من المقصرين وحين لا يعرف نقاط القوة لديه ولايعرف نقاط الضعف لديه حين يكون في مثل هذه الحالة فإن علاقته بالله تبارك وتعالى تتعرض للتشوه وكذلك علاقته بالناس تتشوه إمكاناته لا تستغل ولا يستفاد منها ولا يعرف كيف يواجه التحديات التي تعترض سبيله كل واحد منا لديه نقطة قوة ولو أنه اكتشف تلك النقطة في وقت مبكر وجعلها محورا لأنشطته لتثقفه لتدربه لتعلمه لممارساته فإنه يستطيع من خلف تلك من وراء تلك النقطة أن ينجز الكثير لنفسه وللأمة وللناس من حوله، وإن المنهج الإسلامى في بناء الشخصية يقوم على أساس الشمول والتكامل في كل الأبعاد، وليس غريبا أن نرى من ينجذب بشكل عجيب نحو محور من المحاور ويترك باقيها دون أدنى أدنى اهتمام، وحتى لا نفقد الصورة الكلية في شخصياتنا يجب أن نقوم بأمرين.

 

وهما النظر دائما خارج ذواتنا من أجل المقارنة مع السياق الاجتماعي العام، والنظر الدائم فى مدى خدمة بنائنا لأنفسنا في تحقيق أهدافنا الكلية والعهود الصغيرة، فإن قطرات الماء حين تتراكم تشكل فى النهاية بحرا، كما تشكل ذرات الرمل جبلا، كذلك الأعمال الطيبة فإنها حين تتراكم تجعل الإنسان رجلا عظيما، وقد أثبتت التجربة أن أفضل السبل لصقل شخصية المرء هو التزامه بعادات وسلوكيات محددة صغيرة، كأن يقطع على نفسه أن يقرأ في اليوم جزء من القرآن أو يمشي نصف ساعة مهما كانت الظروف والأجواء، ليكن الالتزام ضمن الطاقة وليكن صارما فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، وعمل ما هو ممكن الآن فعلينا أن نفترض دائما أننا لم نصل إلى القاع بعد، وأن الأسوأ ربما يكون في الطريق، فذلك يجعل الإنسان ينتهز الفرص ولا ينشغل بالأبواب التي أغلقت، ويجب أن تعتقد أن التحسن قد يطرأ على أحوالنا لكننا لا ندري متى سيكون، ولا يعنى ذلك أن ننتظر حنى تتحسن ظروفنا بل ليكن شعارنا دائما هو “باشر ما هو ممكن الآن”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى