مقال

مفهوم التنمية الشاملة ” الجزء العشرون

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء العشرون مع مفهوم التنمية الشامله، وقد توقفنا مع صحابة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فكان لكل فرد منهم عالمه المستقل من الهموم والآمال، والمعتقدات والأفكار، والمسؤوليات والالتزامات التي بنيت على أساس تنشئتهم، وصيغت على وفق بيئتهم، في مجتمع الشرك والوثنية، كما صيغت بذلك علاقتهم الاجتماعية، وروابطهم الأسرية، لكن داعي الفطرة في أنفسهم ما لبث أن أجاب دعوة الخير والحق عندما نادى بها البشير النذير صلى الله عليه وسلم فهجروا الباطل وحزبه، وهاجروا إلى الله في إقدام وثبات، ودعوة الخير والحق ما توقف نداؤها وما انطفأت جذوتها، في كل زمان ومكان، يراها من أزال عن عينى عقله الغشاوة، ويسمعها من فتح لفطرته مسامعها، فتبقى إرادة المرء نفسه حاكمة لمسلكه، وموجهة لطريقه، فنحن فى حاجة إلى أن نجدد فى رؤيتنا للحياة، وفى رؤيتنا للتدين، وفى رؤيتنا لعلاقاتنا، وفى رؤيتنا للمستقبل، وأن هذا التجديد له طرق لا يمكن أن يتم بغير الوسائل التي تؤدى إليه.

 

وإن من الطرق التي تؤدى إلى تجديد العقل هو المعرفة الجيدة بمعنى أن نقرأ، وأن نقرأ قراءة جيدة، قراءة مثمرة وقراءة مفيدة ونفكر فى الشيء الذي نقرأه ونقرأ قراءة مركزة فى كتاب جيد لكاتب جيد ونحاول أن نستخلص خلاصات مما نقرأه فنستخلص مما نقرأه خلاصات ونتأمل فى هذه الخلاصات لنرى ما المعارف وما المعلومات التى لدينا والتى سنغيرها بناء على المعرفة الجديدة التى أخذناها من القراءة، وأيضا من طرق تجديد العقول الحوار وللأسف الشديد مرت على الأمة أزمان كثيرة ما كانت تعطى للحوار أى قيمة كان يسود فى البيوت نوع من القهر ومن الكبت، فإن الرجل يسكت المرأة والمرأة تسكت البنات والصبيان يسكتون البنات والأخ الأكبر يسكت الأخ الأصغر، وفى المدارس أيضا كان هناك نوع من التلقين المستمر دون أن يسمح للطلاب أن يسألوا عن دليل أو أن يستفسروا عن شيء أو يلقوا سؤالا يعنى كان هذا الوضع على حين أن هذا لا يقوى العقول هذا يضعفها نعم الحوار هو أن ترى محاورك ما لا يرى.

 

وأن تقول للمحاور عندك نقطة غامضة أشرحها لك ويقول لك محاورك أنت أيضا عند نقطة غامضة أشرحها لك وليس القصد من الحوار أن أتفوق عليك أو أن تتفوق على ولكن يكون لديك نقطة معتمة لا تراها أريك إياها وتكون لدى نقطة معتمة لا أراها ترينى إياها لكن نحن لا نتحاور ولا نؤمن في تغذية عقولنا، وفى تجديد عقولنا أو فى تجديد معارفنا لأننا نعتقد بأن ما لدينا كافى، وما لدينا من معارف ومن مفاهيم من خطط ليس كافيا وهو ناقص ونحن دائما بني البشر صدر عن رؤية جزئية لا نرى إلا جزءا من الحقيقة عندما أتحاور معك فترينى أشياء أنا لا أراها وأريك أنت أشياء لا تراها فإن الأفكار لا تنضج إلا حينما تلوكها الألسنة فى الناظرة وفى الحوار، وفى النقاش أيضا نحن لا نتحاور لأننا لا نعترف لبعضنا بحق التعبير عن الذات من حق الإنسان أن يعبر عن رغباته أن يعبر عن أفكاره عن آرائه وعن مقترحاته فى إطار الثوابت في إطار المبادئ الكبرى أن يعبر الإنسان عن هذا، هذا جزء من حقوقه جزء من حقوق الإنسان أن يعبر عن رؤيته للحياة.

 

ومن حقوقه علينا حتى الطفل الصغير من حقه علينا أن نسمع له ومن حقه أيضا هو أن يسمع أو أن يناقش وأن يعدل فى شيء يمس حياته، وأيضا من طرق تجديد العقل التفكير، وأن نفكر بطريقة نقدية وللأسف الشديد بعض الناس يظن أن التفكير النقدى هو أن يكتشف ما لدى الناس من عيوب هذا هو النقد فى نظرهم هذا ليس هو هذا جزء من النقد، فإن النقد أن ترى المسالب وترى النواقص وكن إلى جانبها أيضا ترى شيئا آخر فترى مساحات الخير فى الأشياء وترى مساحات الجمال، ومساحات الفضيلة، ومساحات التفوق، ومساحات الإبداع، فكل هذه الأشياء هى من النقد فالنقد هو أن نرى أو نحاول أن نرى الإيجابيات والسلبيات فى الأشياء، فنحن حتى نغذى عقولنا، وحتى ننمى هذه العقول علينا أن نعتمد التفكير النقدى أساسا فى الحياة فكل خطة تعرض وكل معلومة تعرض وكل شيء يعرض فنقول تعالوا تعالوا لنفكر ما إيجابيات هذا الموضوع فهذه القضية وهذه الخطة ما إيجابياتها وما سلبياتها وما المشكلات التى تترتب عليها وما الفوائد التى يمكن أن نجنيها منها.

 

وأيضا من طرق تجديد العقل الملاحظة أن نلاحظ للأسف الشديد نحن نقرأ وننظر ونسمع لكن لا نفكر فى الأشياء التى ننظر فيها والتى نسمعها والتى نقرأها لا نستطيع أن نربط بين الأشياء يعنى لا نستطيع أن نقول لماذا فى العالم المتخلف التعليم متخلف مثلا ولماذا ما أسبابه ونلاحظ هذا هل هو من سوء أداء الأساتذة وهل هو من التجهيزات وهل هو من الأسرة، فنلاحظ ونربط بين الظواهر، فنربط بين الظواهر التى نراها ونفصل النتائج عن المقدمات ونربط بينها ربطا صحيحا من أجل تنمية عقولنا، فإن العقل لا يزدهر ولا يتألق ولا يتوهج إلا إذا اهتممنا به وإلا إذا اعتنينا به وإلا إذا أعطيناه حقه فأعطى للعقل حقه واطلب منه أيضا وستأخذ منه الكثير والكثير، فإن لأول مرة فى تاريخ البشرية يعيش الناس فى ظل حضارة واحدة فى الماضى، حيث كانت هناك حضارات إقليمية لكن اليوم هناك حضارة غالبة تعم العالم كله ولذلك ليس هناك اليوم صراع حضارى كما يقال، فإن هناك حضارة واحدة وهناك ثقافات متعددة، نعم هناك صراع ثقافى.

 

وخصوصيات ثقافية ورؤى ثقافية خاصة ومن بين تلك الرؤى رؤيتنا نحن أى الثقافة الإسلامية، فهذه الحضارة لا شك أنها هى الحضارة الغربية ولأول مرة فى التاريخ أيضا يخيم على العالم نمط حضارى إلحادي لا يؤمن بالله تعالى ولا يقيم وزنا ويذكر لتعاليمه وحضارة تتحدث عن حقوق الإنسان ولكنها لا تتحدث بأى شيء عن حقوق الله تبارك وتعالى، فإن هذه الحضارة مشكلاتها كثيرة والمآخذ عليها كثيرة ومنافعها أيضا كثيرة والفرص التى تتيحها كثيرة وأن أكبر نقطة ضعف فى هذه الحضارة التى نعيش فى ظلالها اليوم هى أنها جعلت كل ما يتعلق بقضية الروح وقضية القلب، وقضية الوجدان، وقضية المشاعر، جعلتها في المؤخرة بل لم تعطها أى اهتمام ولهذا أكبر نقطة ضعف فى هذه الحضارة هى أنها تهمل مسائل الروح إهمالا شبه كامل، لا فى المناهج المدرسية، ولا فى السياسات، ولا فى خطط التنمية، ولا فى الإعلام، ولا فى أى شيء، ومن الأدوات المؤثرة فى توجيه الناس وفى صياغة أفكارهم وصياغة حياتهم ليس فى أى شيء من هذه المجالات ومن هذه الأدوات.

 

وليس هناك أى اهتمام بقضية الروح فنحن نعانى من مشكلة كبرى هى أننا نتعرض لتيار شهوانى جارف، فهو تيار مادى شهوانى يعطى كل شيء للدنيا ولا يعطى للآخرة إلا أقل القليل بل لا يعطى للآخرة شيئا بل يهدم ما يمكن أن يؤدى إلى إعمار قلب المسلم وروحه، وهذا التيار الذى نواجهه اليوم تنشره مجلات وتنشره فضائيات وتنشره شبكات الاتصال العالمية وتنشره أفلام وتنشره الكثير، فإنه يأتينا الآن من كل حد وصوب، ولا شك أن الناس لم يستسلموا لهذا الوضع وحاولوا قدر الإمكان أن يقاوموا، ولقد نشأت لدينا أفكار كثيرة، وألفت لدينا كتب كثيرة، وألقيت محاضرات فيه كثيرة من أجل مواجهة هذا التيار الشهوانى الذي يجتاح الآن كل شيء، فلم يترك مكانا لم يصل إليه بطريقة من الطرق ولكننا لا نستطيع أبدا أن نقاوم هذا التيار عن طريق إنتاج المزيد من الأفكار، فإن الفكر ضرورى وأساسى في حياة الناس وهو يرسم لنا خريطة العمل لكنه للأسف لا يستطيع أن يقاوم عنفوان الشهوة، وجاذبية الشهوة فلا يستطيع أن يقاومهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى