مقال

أبو طاهر القرمطى ” الجزء الأول

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

الرجل الخبيث، وصاحب الجريمة العظمى في تاريخ الإسلام وهى اقتحام الحرم وقتل أهله ونزع الحجر الأسود، وقد نشط وبرز أمره صغيرا ومات صغيرا كذلك، فقد هلك أبوه أبو سعيد الجنابى وهو مؤسس جناح القرامطة في الأحساء، فجأة فانتزع أبو طاهر هذا زعامة القرامطة من أخيه الأكبر، ثم لم يلبث إلا قليلا في ترتيب أمر أتباعه حتى بدأ الإفساد في الأرض فهاجم البصرة وأقام فيها مذبحة كبرى لسبعة عشر يوما في شهر ربيع الآخر عام ثلاثة مائة وإحدى عشر من الهجرة، وهاجم قافلة الحجاج العائدة من مكة فى شهر المحرم فى سنة ثلاثة مائة وإثنى عشر من الهجرةن فقتل ما شاء وأسر ألفين وترك الباقى في الصحراء حتى ماتوا جوعا وعطشا، ثم هاجم الكوفة، ثم هاجم الأنبار واستولى عليها، وصار يعترض طريق الحجاج حتى امتنع الحج من جهة العراق، ثم هاجم مكة نفسها فامتنع الحج جملة وذعر أهلها وفرّ بعضهم إلى الطائف، واستطاع في كل مرة هزيمة جيوش الخلافة العباسية التي كانت حينئذ تعانى فوضى ونزاعا بين أجنحتها.

 

وكانت هزائم قبيحة رغم تفوقهم في العدد والعدة، حتى إن جيشها الرئيسى اعتصم خلف نهر فقطع الجسور ولم يجسر على مواجهته، وأبو طاهر القرمطى وهو أبو طاهر الجنابى ملك البحرين، وزعيم القرامطة، وهو سليمان بن الحسن بن بهرام الجنابى الهجرى، ولقب بأبو طاهر القرمطي، وكانت نسبته إلى جنابة وهو من بلاد فارس، وقد اشتهر بغارة شنها على مكة يوم التروية سنة ثلاثة مائة وسبعة عشر من الهجرة والناس محرمون، ونهب أموال الحجاج وقتل منهم الكثير، قيل بلغ قتلاه في مكة نحو ثلاثين ألفا، وكان يصيح على عتبة الكعبة ويقول أنا بالله، وبالله أنا يخلق الخلق، وأفنيهم أنا، واقتلع الحجر الأسود وأرسله إلى هجر حيث مكث فيها عشرون سنة حتى أعاده أبو محمد شنبر بن الحسن إلى موضعه، بعدما بعث إليه أمير الدولة الفاطمية يأمره بإعادة الحجر الأسود إلى مكانه، وقد عرّى البيت الحرام وأخذ بابه وردم زمزم بالقتلى، وعاد إلى هجر ومات فيها كهلا بالجدرى، وبعد أن تكلمنا عن الأسود العنسى وكان رجل من أهل اليمن.

 

 

من مذحج أسلم كما أسلمت اليمن، وارتد في آخر حياة النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، وادعى النبوة، وقال ابن الجوزى فى المنتظم أما الأسود فاسمه عبهلة بن كعب، ويقال له ذو الخمار وكان كاهنا، مشعبذا ويريهم الأعاجيب، ويسبي بمنطقه قلب من يسمعه، وكان أول خروجه بعد حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وكان من أول خروج الأسود إلى أن قتل أربعة أشهر، وقد روى الطبري في قصة الاسود العنسى عدة روايات عن سيف تتلخص في أن الاسود لما ادعى النبوة وتغلب على اليمن وقتل ملكها شهر ابن باذان و تزوج امرأته وأسند أمر الجيش إلى قيس بن عبد يغوث وأسند أمر الابناء وهم أبناء الفرس باليمن، إلى فيروز وداذويه ، كتب النبي صلى الله عليه وسلم، إلى هؤلاء بقتال الاسود أما مصادمة أو غيلة ، فاتفقوا على اغتياله فأخبره شيطانه فأرسل إلى قيس وقال يا قيس ما يقول الملك ، قال قيس وما يقول؟ قال يقول عمدت إلى قيس فأكرمته حتى إذا دخل منك كل مدخل، وصار في العز مثلك، مال ميل عدوك، وحاول ملكك.

 

وأضمر على الغدر، انه يقول يا أسود، يا أسود يا سوءة، يا سوءة اقطف قنته، وخذ من قيس أعلاه والا سلبك أو أخذ قنتك، فقال قيس وحلف به و كذب، وذي الخمار لانت أعظم في نفسي وأجل عندى من أن أحدث بك نفسى، فقال الاسود ما أجفاك، أتكذب الملك؟ وعرفت الآن انك تائب مما اطلع عليه منك، ويعني ما اطلع عليه شيطانه الذي يسميه الملك، وقال سيف ثم خرج قيس وأخبر جماعته بما جرى له مع الاسود وتواطؤوا على إنفاذ ما اتفقوا عليه من قتله ، فدعا الاسود قيسا ثانية، وقال له ” ألم أخبرك الحق وتخبرني الكذابة انه يقول ويعني شيطانه الذى يسميه الملك، يا سوءة يا سوءة الا تقطع من قيس يده يقطع قنتك العليا، فقال له قيس” ليس من الحق أن أقتلك وأنت رسول الله فمر بي بما أحببت، فإما الخوف والفزع فأنا فيهما مخافة، اقتلني فموتة أهون علي من موتات أموتها كل يوم ” قال سيف فرق له فأخرجه، وقال دعا الاسود بمائة جزور بين بقرة وبعير، وخط خطا فأقيمت من وراء الخط، وقام من دها، فنحرها غير محبسة ولا معقلة.

 

ما يقتحم الخط منها شئ، ثم خلاها فجالت إلى أن زهقت، ونقل سيف عن الراوى أنه قال” ما رأيت أمرا كان أفظع منه، ولا يوما أوحش منه ” قال سيف وتواطؤوا مع زوجته على اغتياله ليلا فلما دخلوا عليه ليقتلوه بادره فيروز ، فأنذره شيطانه بمكان فيروز وأيقظه فلما أبطأ تكلم الشيطان على لسانه وهو يغط في نومه وينظر إلى فيروز، قال له “مالي ولك يا فيروز ” فدق فيروز رقبته وقتله، قال ثم دخل الباقون ليحتزوا رأسه فحركه شيطانه فاضطرب فلم يضبطوا أمره حتى جلس اثنان على ظهره وأخذت المرأة شعره، فجعل يبربر بلسانه فاحتز الآخر رقبته فخار كأشد خوار ثور سمع قط، فابتدر الحرس الباب، وقالوا ما هذا ؟ فقالت المرأة النبي يوحى إليه فخمد” وقد روى سيف في قصة مسير يزدجرد إلى خراسان بعد واقعة جلولاء وقال ” كان يزدجرد بن شهريار بن كسرى وهو يومئذ ملك فارس، ولما انهزم أهل جلولاء خرج يريد الرى وكان ينام في محمله والبعير يسير به ولا يعرسون ، فانتهوا به إلى مخاضة وهو نائم في محمله.

 

فأنبهوه ليعلم ولئلا يفزع إذا خاض البعير، فعنف وقال بئسما صنعتم، والله لو تركتموني لعلمت ما مدة هذه الامة، إني رأيت أني ومحمدا تناجينا عند الله، فقال له أملكهم مائة سنة، فقال زدني، فقال عشرا ومائة سنة، فقال زدني، فقال عشرين ومائة سنة، فقال لك، وأنبهتمونى، فلو تركتمونى لعلمت ما مدة هذه الامة” ولكن ماذا استهدف الزنديق من وضع هذين الخبرين إن الاسود الذى ادعى النبوة كان يخبر قيسا بكل ما ينويه مرة بعد أخرى ويقول قال الملك وكان الملك الذى يخبره هو الشيطان وظهرت من الاسود مدعي النبوة معجزة باهرة حين خط خطا، فقد أوقف وراءه مائة جزور بين بقرة وبعير وقام من دونها ونحرها جميعا غير محبسة ولا معقلة ما يقتحم الخط منها شئ، ثم خلاها فجالت إلى أن زهقت، وإن الراوى استعظم هذا الامر وقال في الخبر الثاني إن كسرى رأى في المنام أنه اجتمع مع الله ورسوله في مؤتمر ثلاثي، وأليس مغزى الاسطورة الاولى إن نبى المسلمين ادعى النبوة وكان من يسميه الملك ويخبره بالغيب.

 

وتصدر منه المعجزات، والاسود العنسى أيضا ادعى النبوة وكان من يسميه الملك ويخبره بالغيب و تظهر منه المعجزات، وهل نشر الزنديق هذه الاسطورة دون أن يقصد إلقاء الشبهات في أذهان المسلمين؟ وفي الاسطورة الثانية ألم يقصد الزنديق الاستهزاء برب المسلمين ونبيهم حين جمعهم في مؤتمر واحد مع عدوهما يزدجرد ملك الفرس في ما رآه ؟ هكذا نقل كبار العلماء عن سيف أساطير الخرافة وحشوا بها كتب التاريخ الاسلامى وأصبحت تلك الاساطير جزءا من مصادر الدراسات الاسلامية، وكذلك نشروا في كتب التاريخ الاسلامي ما أشاعه سيف الزنديق بأن الاسلام انتشر بحد السيف، وإن إشاعة الزنديق أن الاسلام أنه انتشر بالسيف وإراقة الدماء أشاع سيف فى ما اختلق من أخبار حروب الردة والفتوح بأن الاسلام انتشر على وجه الارض بحد السيف وإراقة الدماء ومما اختلق باسم حروب الردة الاكاذيب والتهويلات وهى تهويلات وأكاذيب في ما رواها سيف عن أخبار حروب الردة، فقد مهد سيف لما أراد أن يذكر في حروب الردة من تهويلات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى