غير مصنف

أبو طاهر القرمطى ” الجزء الثانى “

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع أبو طاهر القرمطى، وقد توقفنا عندما مهد سيف لما أراد أن يذكر في حروب الردة من تهويلات، بما روى في روايات قصيرة له أوردها الطبري في أول أخبار الردة، قال سيف فيها كفرت الارض وتضرمت نارا، وارتدت العرب من كل قبيلة خاصتها أو عامتها إلا قريشا وثقيفا، ثم ذكر إرتدادا في غطفان، وامتناع هوازن من دفع الصدقة، واجتماع عوام طي وأسد على طليحة، وإرتداد خواص بني سليم، وقال وكذلك سائر الناس بكل مكان، وقال وقدمت كتب أمراء النبي صلى الله عليه وسلم من كل مكان بانتقاض القبائل خاصتها، أو عامته، ونقل الخبر كذلك ابن الاثير وابن خلدون بتاريخيهما ونقله ابن كثير بالمعنى حيث قال في تاريخه ارتدت العرب عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خلا أهل المسجدين مكة والمدينة ثم ذكر سيف في ما اختلقه من حروب الردة كيف أرجع المرتدين إلى الاسلام السيف كما زعمه الزنديق في رواياته، ولا يعرف الكثيرون أن الحجر الأسود تعرض للسرقة لمدة اثنين وعشرون عاما.

 

وذلك حدث على يد القرامطة، وهم فرقة دينية متطرفة، والقرامطة هى فرقة سياسية دينية من غلاة الشيعة أسسها حمدان بن الأشعث الملقب بقرمط وهو إسماعيلى العقيدة، والإسماعيلية هم فرق شيعية متطرفة، سميت الإسماعيلية نسبة إلى إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق، وكان القرامطة قوة عسكرية بدوية تعتمد فى حياتها على الغارات التى تشنها على الدول المجاورة، وكان القرامطة من ألد أعداء العباسيين لأن العباسيين اضطهدوا العلويين وطاردوهم فى كل مكان وقتلوا منهم الكثير، وكانوا على علاقة صداقة فى بادئ الأمر مع الخلافة الفاطمية على أساس أن كلاهما يدينون بالمذهب الشيعى، ثم انقلبوا على الفاطميين وهاجموا أملاكهم فى الشام وفلسطين، وفى عام ثلاثة مائة وسبعة عشر من الهجرة النبوية هاجم القرامطة مكة المكرمة التى كانت تتبع الخلافة العباسية وانتزعوا الحجر الأسود من الكعبة وانتزعوا بابها وقاموا بأعمال دموية بشعة فقتلوا من الحجاج ثلاثين ألفا، ثم عادوا لديارهم ومعهم الحجر الأسود ووضعوه فى كعبة بديلة.

 

فى الإحساء ليحج إليها الناس، وظل الحجر الأسود معهم فى الإحساء لمدة اثنين وعشرون عاما، يطوف الناس حول الكعبة ولا يجدون الحجر الأسود، حتى هدد الخليفة العزيز بالله الفاطمى فى مصر القرامطة أن يسير لهم جيشا إلى الإحساء ليعيد الحجر الأسود، فخافوا على ملكهم فى الإحساء وأعادوا الحجر الأسود إلى مكة سنة ثلاثة مائة وتسعه وثلاثون من الهجرة، وقد حدث الهجوم القرمطى على الكعبة يوم التروية، حيث قام أبو طاهر القرمطى بغارة على مكة والناس محرمون، واقتلع الحجر الأسود، وأرسله إلى هجر وقتل عدد كبير من الحجاج، وحاولوا أيضا سرقة مقام إبراهيم ولكن أخفاه السدنة، وفى سنة ثلاثة مائة وثمانى عشر من الهجرة تقريبا سن الحج إلى الجش بالقطيف بعدما وضع الحجر الأسود فى بيت كبير، وأمر القرامطة سكان منطقة القطيف بالحج إلى ذلك المكان، ولكن الأهالى رفضوا تلك الأوامر، فقتل القرامطة أناسا كثيرين من أهل القطيف، وبعد أن خرج القرامطة من مكة حاملين معهم الحجر الأسود.

 

والأموال التى نهبوها من الناس متوجهين إلى هجر، تعقَب ابن محلب، وهو أمير مكة من قبل العباسيين القرامطة مع جمع من رجاله وطلب منهم رد الحجر الأسود إلى مكانه على أن يملكهم جميع أموال رجاله، إلا أن القرامطة رفضوا طلبه مما اضطره إلى محاربتهم حتى قتل على أيديهم، وكانت هذه هى أول محاولة لاسترداد الحجر الأسود، وظل الحجر الأسود بحوزة القرامطة مدّة اثنين وعشرون سنة فى البحرين، ولم تجد كل المحاولات والمساعى التى بذلها العباسيون والفاطميون من أجل الضغط على القرامطة وإجبارهم على إعادة الحجر الأسود، وقد عرض الخلفاء على القرامطة مبلغا قدره خمسين ألف ألف دينار مقابل إرجاعهم للحجر الأسود، لكن القرامطة ظلوا يخوضون فى عنادهم، ويقول ابن سنان الذى كان معاصرا لتلك الأحداث لقد عُرضت الكثير من الأموال على القرامطة كثمن لردهم الحجر الأسود لكنهم رفضوا كل تلك العروض، وكان السبب الحقيقى وراء امتثال القرامطة للأمر هو التهديد الذى وجهه.

 

المهدى العلوى الفاطمى إليهم مما أجبرهم على رد الحجر الأسود إلى مكة ثانية، وعاد الحجر الأسود إلى مكة سنة ثلاثة مائة وتسعة وثلاثون وقد حمله رجل من القرامطة يدعى سنبر والذى يحتمل أن يكون حمو أبوسعيد القرمطى، ويقال إن الحجر الأسود حمل قبل إرجاعه إلى مكة إلى الكوفة ونصب فى العمود السابع لمسجد الكوفة حتى يتسنى للناس رؤيته، وقد كتب شقيق أبو طاهر رسالة جاء فيها أخذناه بقدرة الله ورددناه بمشيئة الله، وأما عن فتنة القرامطة فهي تلك الجرائم البشعة التي أرتكبها القرامطة حينما أغاروا على المسجد الحرام وقتلوا من فيه وسرقوا الحجر الأسود وغيبوه اثنين وعشرين سنة، ورُدّ إلى موضعه بعد ذلك ففي تلك العام وتحديدا يوم التروية، قام أبو طاهر القرمطى، ملك البحرين وزعيم القرامطة، بغارة على مكة والناس محرمون، واقتلع الحجر الأسود، وأرسله إلى هجر وقتل عددا كبيرا من الحجاج، وحاولوا أيضا سرقة مقام إبراهيم ولكن أخفاه السدنة، وفي العام ثلاثة مائة وثمانى عشر من الهجرة تقريبا.

 

سن الحج إلى الجش بالقطيف بعدما وضع الحجر الأسود في بيت كبير، وأمر القرامطة سكان منطقة القطيف بالحج إلى ذلك المكان، ولكن الأهالي رفضوا تلك الأوامر، فقتل القرامطة أناسا كثيرين من أهل القطيف، قيل بلغ قتلاه في مكة ثلاثين ألفا وقد استغل القرامطة ضعف الدولة العباسية وتفككها لدويلات، وانشغالها بحرب مع ثورة الزنوج، فعاثوا في الأرض فسادا وسيطروا على بعض مناطق الجزيرة العربية، وارتكبوا مجازر كبرى خاصة في طريق الحجاج، فألغى أهل الشام والعراق الحج لشدة الرعب منهم، وقاموا بالهجوم على البصرة وقاموا بمجزرة كبرى استمرت سبعة عشر يوما، واستباحوا الأموال واغتصبوا النساء، ثم هاجموا أطراف الشام، وكانوا كلما مروا بقرية سلبوا الأموال وقتلوا الرجال واغتصبوا النساء، ثم يحرقون القرية بما فيها ومن فيها أطفال وعجائز، وقد ذكر ابن كثير في أحداث سنة ثلاثة مائة وسبعة عشر من الهجرة أن أبو طاهر القرمطي أمر أن يقلع الحجر الأسود، فجاءه رجل فضربه بمثقل في يده.

 

وقال أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ ثم قلع الحجر الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم، فمكث عندهم إثنتين وعشرين سنة حتى ردوه، ولما رجع القرمطى إلى بلاده ومعه الحجر الأسود وتبعه أمير مكة هو وأهل بيته وجنده، وسأله وتشفع إليه أن يرد الحجر الأسود ليوضع في مكانه، وبذل له جميع ما عنده من الأموال فلم يلتفت إليه، فقاتله أمير مكة فقتله القرمطي وقتل أكثر أهل بيته وأهل مكة وجنده، واستمر ذاهبا إلى بلاده ومعه الحجر وأموال الحجيج، وجاء في كتاب تحفة الراكع والساجد بأحكام المساجد، لأبى بكر الجراعي أنه قيل إنهم باعوه أى القرامطة من الخليفة المقتدر بثلاثين ألف دينار، ولما أرادوا تسليمه، أشهدوا عليهم ألا تسلموا الحجر الأسود، وقاله لهم بعد الشهادة يا من لا عقل لهم، من علم منكم أن هذا هو الحجر الأسود ولعلنا أحضرنا حجرا أسودا من هذه البرية عوضة، فسكت الناس، وكان فيهم عبد الله بن عكيم المحدث، فقال لنا في الحجر الأسود علامة، فإن كانت موجودة فهو هو، وإن كانت معدومة، فليس هو.أبو طاهر القرمطى " الجزء الثانى "

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى