مقال

مدعي النبوة عبهلة بن كعب ” الجزء الثالث “

مدعي النبوة عبهلة بن كعب ” الجزء الثالث ”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع مدعى النبوة عبهلة بن كعب، وقد توقفنا معه عندما كانت مذحج السند القَبلى الأساسى الذى اعتمد عليه وانطلق منه وبمساعدتها تمكن من إخضاع اليمن لسلطته، والتحق به عشرات البطون والوحدات القَبلية، التى كانت قبل مدة وجيزة قد أرسلت وفودها إلى المدينة، ويبدو أن معارضى الوجود الإسلامى من مختلف القبائل أيدوا حركته ورأوا فيه ممثلا لمصالحهم، ومع ذلك فقد واجه معارضة تمثلت في الجماعات المسلمة من مذجح التي انسحبت مع فروة بن مسيك المرادى إلى الأحسية، أما فى منطقة حمير فقد كان لجهود ذي الكلاع وآل ذى لعوة الهمدانيين دور فى الاحتفاظ بالنفوذ الإسلامى، وقد وقفوا ضد عك بتهامة، وقد ظل الأسود العنسي مدعيا النبوة مدة ثلاثة أشهر وفي رواية أربعة أشهر، وقد ارتكب خلالها الحماقات، وفضح النساء، وأنزل الرعب والخوف فى قلوب اليمنيين خاصة الأبناء، ولم يركن النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى الهدوء وهو يرى جهوده الرامية إلى نشر الإسلام في اليمن.

وتوحيد قبائله تتعرض للنكسة، وكان يتجهز لغزو البيزنطيين للانتقام من هزيمة مؤتة، فواجه حركة الأسود العنسى بالحزم ولم يشغله ما كان فيه من الوجع عن أمر الله والدفاع عن دينه، فأرسل الرسل إلى اليمن يأمر اليمنيين بالقضاء على الأسود العنسى ويستنهضهم للمواجهة الذاتية معه، ومعنى هذا أنه لم يرسل جيوشا من المدينة للقضاء عليه، وإنما اعتمد على القوى المحلية، وكما أرسل إلى عماله في تلك الجهات يحثهم على الاستعانة بالثابتين على الإسلام، والصمود أمام المنشقين، والقضاء على رءوس الفتنة، وكتب إلى زعماء اليمن أمثال ذى الكلاع الحميرى، وذى عمرو، وذى ظليم مع جرير بن عبد الله البجلي، وأرسل الأقرع بن عبد الله الحميرى إلى ذى زود وذى مران فاستجاب هؤلاء لدعوته وأعلنوا ثباتهم على الإسلام، وكما كتب إلى أهل نجران وإلى عربهم وساكني الأرض من غير العرب وهم الأبناء فانضم جماعة منهم إلى دعوته، وأرسل الحارث بن عبد الله الجهنى إلى اليمن بمهمة تتعلق بأحداثه، ولكن جهود هؤلاء لم تثمر.

في وضع حد لانتفاضة الأسود العنسى، ولا تعطي المصادر صورة واضحة عن جهودهم ومحاولاتهم للقضاء عليه، وكان آخر من أرسله النبى صلى الله عليه وسلم هو وبر بن يُحنس الأزدى رضي الله عنه ومعه كتاب إلى المسلمين في اليمن يأمرهم فيه بالقيام على دينهم والنهوض في الحرب والقضاء على الأسود العنسى إما غيلة أو مصادمة، وأن يستعينوا على ذلك بمن يرون عنده نجدة ودينا، واكتفى من أمر اليمن بهذا، ووجه معظم اهتمامه لتنظيم جيش أسامة رضي الله عنه وإرساله إلى بلاد الشام، وسرعان ما ضايقت تحركات المسلمين الأسود العنسى فشعر بالهلاك، على أن الخطر الذى عصف به وقضى عليه جاء من الداخل، فقد اتصل وبر بن يُحنس رضي الله عنه فور وصوله إلى اليمن بالأبناء ليبلغهم طلب النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يتوجه إلى المسلمين من حمير وغيرها، علما بأن معظم هؤلاء الأبناء كانوا لا يزالون على المجوسية ولم ترد إشارة إلى إسلامهم قبل هذا التاريخ، حتى إن الروايات التاريخية.

تذكر أنه نزل عند داذويه وكان من حاشية الأسود العنسى، يضاف إلى ذلك، لم يكن الأبناء مؤهلين لأن يؤدوا دورا فاعلا ضد الأسود العنسى بعد أن فقدوا قوتهم عندما فشلوا فى الدفاع عن صنعاء، ويحدد ابن سعد تاريخ إرسال وبر بن يُحنس فى العام العاشر الهجرى، أما الطبرى فيذكر أنه أرسل في العام الحادى عشر الهجرى، والراجح أن هذا المنحى الذى انتهجه وبر بن يحنس رضى الله عنه للتخلص من الأسود العنسى مرده إلى عدة أسباب لعل أهمها هو أنه أراد أن يحيك مؤامرة للتخلص منه بوساطة مستشاريه وأعوانه المقربين منه، واستبعد الخيار العسكرى بعد أن خشي نتيجة الصدام المسلح نظرا إلى عدم توازن القوتين إذ كان الأسود العنسي متفوقا عسكريا، ولقد وقع فى ذلك الوقت نفور بين الأسود العنسى ومستشاريه بفعل اعتداده بنفسه واستخفافه بقيس بن هبيرة وفيروز وداذويه، كما شك في ولائهم له، ورأى فى سائر الفرس أنهم أعداؤه ويأتمرون لقتله، فاستغل وبر بن يُحنس رضي الله عنه هذا التطور للقضاء عليه.

ولأن الجيش كان أشد ما يحذر ويخاف دعا الأسود العنسى قائد جيشه قيس بن هبيرة وأخبره بأن شيطانه أوحى إليه، يقول “عمدت إلى قيس فأكرمته حتى إذا دخل منك كل مدخل، وصار فى العز مثلك، مال ميل عدوك وحاول ملكك، وأضمر على الغدر” وأجاب قيس “كذب وذى الخمار، لأنت أعظم في نفسى وأجل عندى من أن أحدث بك نفسى” وأجال الأسود العنسي نظرة فى قيس وقال له “ما أجفاك أتكذب الملك، قد صدق الملك، وعرفت الآن أنك تائب مما اطلع عليه منك” وقد خرج قيس من عنده مرتابا فى ما يضمر له، واجتمع بفيروز وداذويه وذكر لهما ما جرى بينه وبين الأسود العنسى وسألهما رأيهما، فقالا “نحن فى حذر” ويبدو أن الأسود العنسى علم بهذا الاجتماع فأرسل إليهما يحذرهما مما يأتمران به، فخرجا من عنده ولقيا قيس وهم جميعا فى ارتياب وخطر، وقد علم المسلمون في اليمن بما يجرى في بلاد الأسود العنسى، كما وقفوا على فحوى رسالة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لهم فأرسلوا إلى قيس وأصحابه.

يشجعونهم على التخلص من الأسود العنسى، وقد استطاع وبر بن يُحنس أن يستقطب عددا من زعماء الأبناء، أمثال فيروز، وداذويه، وجشيش، وغيرهم، وقرر الجميع اغتيال الأسود العنسي فاستعانوا بامرأته آذاد التى كانت تحقد عليه، لأنه قتل زوجها شهر بن باذان من قبل، ثم تزوجها بعد ذلك، وقد حانت فرصة التحرك لتنفيذ المؤامرة عندما أرسل الأسود العنسى قواته في مهمة عسكرية بين صنعاء ونجران، فدخل المتآمرون حجرة نومه بعد أن مهدت لهم آذاد الطريق، فقتله فيروز واحتز قيس رأسه وألقاه في باحة القصر، وتنادى الناس في المدينة فخرجوا صباحا، واضطرب الوضع ثم استقر على أن يتولى الأمر معاذ بن جبل رضي الله عنه، ولا بد لنا من الإشارة أخيرا إلى التاريخ الذي قتل فيه الأسود العنسى، فهل جرت حادثة القتل قبل وفاة النبى صلى الله عليه وسلم أم بعد وفاته؟ فإنه يذكر اليعقوبي أن الأسود العنسي تنبأ فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بويع أبو بكر ظهر أمره واتبعه على ذلك قوم.

فقتله قيس بن هبيرة المرادى وفيروز الديلمى، دخلا منزله وهو سكران فقتلاه، وأما الطبرى فيروى نقلا عن سيف أنه قتل قبل وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوحى ذلك إليه ليلة حدوثه، وفي رواية أخرى نقلا عن عمر بن شبة أن خبر موت العنسى وصل إلى المدينة بعد أن قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمضى أبو بكر رضي الله عنه جيش أسامة بن زيد رضي الله عنه في آخر ربيع الأول، وأتى مقتل العنسي في آخر ربيع الأول بعد مخرج أسامة وكان أول فتح أتى أبا بكر الصديق وهو في المدينة، والراجح أن مقتل الأسود العنسى تم قبل وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بيوم أو بليلة، وورد الخبر من السماء بذلك، وأعلم أصحابه به، ولكن الرسل وصلت في خلافة أبى بكر الصديق في آخر شهر ربيع الأول فى العام الحادى عشر من الهجرة، ومهما يكن من أمر فقد استقر الوضع الداخلي في اليمن بعد مقتل الأسود العنسي، وتراضى المسلمون على معاذ بن جبل رضي الله عنه فصلى بهم فى صنعاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى