مقال

الإستعداد لشهر رمضان ” الجزء الرابع عشر

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع عشر مع الإستعداد لشهر رمضان، ولم يتبق من الزمن إلا أيام ويحل علينا شهر رمضان الكريم، الشهر المبارك الذي أنزل الله فيه القرآن الكريم هدى للمؤمنين، فهو من أعظم شهور السنة التي منحها الله لعباده في الأرض، وفيه ليلة خير من ألف شهر، فتزداد فيه الأجور، وتصفد الشياطين، وتفتح أبواب الجنان، فهو شهر تغفر فيه السيئات وترفع فيه الدرجات وتتنزل فيه الرحمات ولله في كل ليلة منه عتقاء من النار فطوبى ثم طوبى لمن تعرض لنفحات ربه وجوده وإحسانه عسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات فيسعد سعادة لايشقى بعدها أبدا، وقال صلى الله عليه وسلم “إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادى مناد يا باغى الخير أقبل ويا باغى الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة” رواه الترمذى، وإنه موسم عظيم من مواسم التجارة الرابحة مع أكرم الأكرمين مع الغنى الحميد سبحانه وتعالى يده ملأى.

 

لا تغيضها نفقه لو أن الخلق جميعا جنهم وإنسهم قاموا في صعيد واحد فسأل كل واحد منهم مسألته مانقص ذلك مماعند الله شيئا إلا كماينقص المخيط إذا أدخل البحر، فعلينا أن نستعد لهذا الشهر الكريم، والاستعداد لاستقباله يكون بأمور منها هو التوبة النصوح إلى الله لأن الذنوب تحول بين العبد والخير فتكون عائقا عن القيام بالأعمال الصالحة فإذا تاب من ذنوبه انبعثت النفس بالطاعات وأقبلت عليها، وينبغى للعبد الإكثار من الدعاء بأن يعينه الله على مرضاته في هذا الشهر فإنه ليس الشأن بلوغ الشهر فحسب بل بالتوفيق فيه للطاعات فكم من إنسانا بلغه الله الشهر لكنه لم يوفق فيه للخير بل ربما ارتكب الكبائر فيه، فليكثر المسلم من الدعاء الذي علمه النبى صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل “اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك” ولنرع حُرمته وذلك بحفظ الجوارح من معصية الله، وإن الاستعداد لإستقباله و التهيّؤ له لا يكون بادخار الأطعمة و الأشربة و إحتكارها في المنزل كمن يتخوف المجاعة و القحط، أو التفنن.

 

في إبداع الأكلات الرمضانية الشهية، أو بسط الموائد التي تتجاوز الأرقام القياسية في الإسراف والتبذير والترف، وإنما المقصود هو الاستعداد المعنوى، والتهيؤ الروحى والإيماني بما يتناسب مع أهداف هذا الشهر المبارك، وإن لضمان الحصول على النتائج الكبرى يحبذ أن يبدأ هذا الاستعداد قبل حلول شهر رمضان بأشهر، فعلى من يريد الفوز بالجائزة الرمضانية الكبرى أن يتحضر لها و يتهيأ لها بصورة كاملة، ولو تأملنا في كلام الرسول الكريم صلى الله عليه ويلم لعرفنا بأن من أهم أهداف شهر رمضان التي لا بد أن نجعلها هدفا نسعى للوصول إليها هي العبادة الخالصة ومخالفة هوى النفس وكبح جماحها من خلال ضبط اللسان وغض البصر ، وإلا فإن حظنا منه سوف لا يتجاوز الجوع و العطش، وسوف لا نصل إلى الهدف الأم من الصيام الذى هو التقوى، فالاستعداد والتهيوء لإستقبال شهر رمضان إنما يكون بتصحيح نظرتنا إلى هذا الشهر، والتعرف على مكانته الحقيقية بأنه شهر الله وشهر المغفرة الإلهية والرحمة الشاملة.

 

وأنه المدرسة التي أنعم الله تعالى بها علينا لكي نتربى فيها تربية إسلامية إيمانية قرآنية صادقة نتمكن من خلالها من التخلص من الذنوب والمعاصي وكل ما يحط من منزلة الإنسان وقدره، ونتخلق بأخلاق الصائم النموذجي، ونعتبره سُلم الرقي إلى أعلى درجات الكمال، كما ولا بد وأن ننظر إلى شهر رمضان المبارك بإعتباره فرصة فريدة لا بد من إغتنامها بصورة جيدة، ومما يساعد الإنسان على إغتنام الفرص الرمضانية المباركة هو الإصغاء إلى خطبة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والتدبر في بنودها فهي تحتوى على دروس مهمة جدا، فإن هذا الضيف القادم علينا ضيف عظيم مبارك، فينبغي علينا أن نستقبله أعظم الاستقبال، واستقباله اللائق به يكون بأمرين مهمين أولا هو تجديد الحياة وتغييرها وتطهيرها حتى تصلح لاستقبال هذا الضيف العظيم الاستقبال اللائق به، وإنما تجدد الحياة بفتح صفحة جديدة نقية، صفحة طاهرة نظيفة، ولا يكون ذلك إلا بالتوبة، التوبة النصوح، التوبة إلى الله تعالى، بالرجوع إليه.

 

وإلى شرعه المطهر، بإصلاح حياتنا وبرامجنا لتتوافق مع شريعة الله تعالى في كل منحى من مناحي حياتنا، بمجانبة كل ما يباعدنا عن الله، ولقد قسّم الله تعالى الناس إلى قسمين لا ثالث لهما، فقال تعالى فى سورة الحجرات ” ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون” وقال الإمام ابن القيم رحمه الله، قسّم العباد إلى تائب وظالم، وما ثَم قسم ثالث البته، وأوقَع اسم الظالم على من لم يتب، ولا أظلم منه لجهله بربه وبحقه وبعيب نفسه وآفات أعماله، فإن علينا أن نجعل حياتنا في رمضان إيمانية بحق، نصلح حياتنا كلها ونجددها ونصفيها من كل الشوائب، فإن شهر رمضان مصفاة تربوية، لن تجد نفسك أحسن ولا أفضل ولا أقرب إلى الله تعالى منها فى رمضان، فإن كل أسباب التقوى مجتمعة فيه، ونفسك مقبلة على الله، فلا تتردد أبدا فى تصفية نفسك، وتنقيتها، وغسلها من كل الشوائب التى علقت بها في جميع الشهور السابقة، ويحدثنا ابن عباس رضي الله عنهما،عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يروى عن ربه عز وجل قال”إن الله كتب الحسنات والسيئات.

 

ثم بيّن ذلك فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها وعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة” رواه البخاري ومسلم، ومما ينبغي الاستعداد به لشهر الصيام المحافظة على الصيام مِن أن ينقص أجره، فهذا أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه يحدثنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال “والصوم جُنّه ما لم يخرقها” رواه أحمد والنسائي وغيرهما، وخرق الصيام يكون بارتكاب المعاصى، وقد قالت السيدة حفصة بنت سيرين رحمها الله، الصيام جُنة ما لم يخرقها صاحبها، وخرقها الغيبة، وروى طليق بن قيس أن أبا ذر الغفارى رضى الله عنه قال إذا صمت فتحفظ ما استطعت، فكان طليق بن قيس رحمه الله إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلا لصلاة، وعن أبي المتوكل أن أبا هريرة رضى الله عنه وأصحابه كانوا إذا صاموا جلسوا في المسجد، ورُوي عن عمر رضى الله عنه أنه قال.

 

” ليس الصيام من الطعام والشراب وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو والحلف” ورُوى عن الإمام علي رضي الله عنه” إن الصيام ليس من الطعام والشراب، ولكن من الكذب والباطل واللغو” وقال ميمون بن مهران رحمه الله” أهون الصوم ترك الطعام والشراب” وقال مجاهد رحمه الله” خصلتان من حفظهما سلم له صومه، الغيبة والكذب” ويحدثنا أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لى، وأنا أجزى به، والصيام جُنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم، والذى نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه” رواه البخارى ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم يقول “رُب قائم حظه من قيامه السهر ورُب صائم حظه من صيامه الجوع”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى