مقال

نبذه عن القعقاع بن عمرو ” الجزء الرابع

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع القائد الشجاع القعقاع بن عمرو، وقد توقفنا مع معركة اليرموك، وفى اليرموك قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعدما سمع بمكر الروم” والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد” وكتب إليه كتابا وقد كان خالد بن الوليد فى الحيرة وهى مركز قيادته، وقد أمره فيها أن يمضى للقاء الروم، وأرسل له مددا كبيرا، وكان مع خالد القعقاع بن عمرو رضى الله عنهما، وتحرك خالد بن الوليد بنصف جيشه فى العراق وترك النصف الآخر للمثنى، ومضى ومعه القعقاع بن عمرو، يستعين به فى المهام الشاقة، والتحقت القوات بقوات المسلمين في الشام، ووقف خالد بعد أن أصبح أميرا على كل الجيوش الإسلامية التي التحقت به وقد بلغ قوامها ستا وثلاثين أو أربعين فرقة، وجعل خالد على ميمنته عمرو بن العاص، وعلى ميسرته يزيد بن أبي سفيان، بينما كان قلب الجيش بقيادة أبي عبيدة أمين الأمة وعلى مجنبتي القلب عكرمة بن أبى جهل والقعقاع بن عمرو، رضي الله عنهما، وقد أمر خالد بن الوليد.

 

أن يبدأ القتال من مجنبتي القلب، وكانت البداية والتحم الجيشان فى قتال لا ينساه التاريخ، تلألأ فيه القعقاع وسيفه المبارك ليضرب قوى الشر والكفر، وفوق سور دمشق انتهت اليرموك وجاءت أنباء تقول إن قوات جديدة من الروم دخلت دمشق لتحميها وتمنع عنها المسلمين، وقد علم أبو عبيدة بن الجراح، رضي الله عنه، بذلك فسار إلى دمشق والقعقاع جندى من جنوده ومعهما خالد رضي الله عنهم، ولما وصلت جيوش المسلمين وفرقهم إلى دمشق ضربوا حصارا قويا حولها استمر سبعين يوما دون جدوى، لذلك قرر الجنديان خالد بن الوليد والقعقاع بن عمرو، رضي الله عنهما، تسلق السور المرتفع لمدينة دمشق ولما دخل الظلام تسلق القعقاع وصاحبه أحصن مكان في حصن دمشق وصعد المسلمون خلفهم ثم هاجم خالد وجنوده، ومعه القعقاع، حماة الحصن من أعلى، فقتلوهم، وفتحوا الأبواب وصرخوا الله أكبر، الله أكبر، فانهارت كل مقاومة في المدينة، ودخل المسلمون دمشق بعد حصار طويل.

 

وفي معركة القادسية استمرت معركة القادسية أربعة أيام ولما بدأ النزال بين الفرس والمسلمين في القادسية وذلك في اليوم الثانى، وبلغ عمر رضي الله عنه ما بلغه من استعدادات هائلة للفرس عددا وعدة، لذلك فقد أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبى عبيدة بن الجراح بعد فتح دمشق أن يرد الجند الذين جاءوا من العراق إلى الشام مع خالد بن الوليد، وقال عمر في رسالته لأبي عبيدة” اصرف جند العراق إلى العراق، وأمرهم بالحث إلى سعد بن أبي وقاص” فكان وصولهم إلى جيش المسلمين، في اليوم الثاني من أيام القادسية وهو يوم أغواث قبل بدء القتال من جديد، وكانوا ستة آلاف، منهم خمسة آلاف من ربيعة ومضر، وألف من اليمن، وأمر أبو عبيدة على هذا الجيش هاشم بن عتبة بن ابي وقاص وجعل بطلنا القعقاع بن عمرو على مقدمة هذا الجيش وعلى مجنبتيه قيس بن هبيرة والهزهاز بن عمرو العجلى، وفكر القعقاع القائد فى خطة رائعة يوقع الرعب من خلالها فى قلوب الفرس، فقد عهد إلى أصحابه أن يتقطعوا أعشارا.

 

فقسموا أنفسهم أقساما، كل قسم عشرة رجال، فكلما بلغوا عشرة سرحوا في آثارهم عشرة، وقدم القعقاع في العشرة الأولى، فلما أتى القعقاع الناس سلم عليهم وبشرهم بالجنة ثم قال يا أيها الناس إني قد جئتكم في قوم، والله إن لو كانوا بمكانكم، ثم أحسوكم حسدوكم حظوتها، وحاولوا أن يطيروا بها دونكم، فاصنعوا كما أصنع، وتقدم القعقاع الفارس، ونادى بأعلى صوته من يبارز؟ فبرز إليه رجل من الفرس، تبدو عليه الفروسية والقتال، فقال القعقاع لخصمه في صوت حاسم حازم من أنت؟ فقال أنا بهمن جاذويه، فنادى القعقاع بن عمرو قائلا يا لثارات أبي عبيدة وسليط وأصحاب يوم الجسر، واجتلد الرجلان، وكانت ضربة هائلة من القعقاع قضت على بهمن جاذويه جعلت خيل القعقاع ترد قطعا وجماعات، ومازالت ترد إلى الليل، مما أثار في الناس اطمئنانا شديدا، وحفزهم على النشاط والإصرار على النصر فتنشط الناس، وكأن لم يكن بالأمس مصيبة، وهدأ القعقاع بعد يوم عظيم حمل فيه ثلاثين حملة كلما طلعت جماعة من جماعاته.

 

حمل معهم فيها فقتل وحده يومها من الفرس ثلاثين رجلا، وبات ليلته يستعد للغد القريب، ولم يتوقف القعقاع بن عمرو فى اليوم الثالث وحتى اليوم الرابع بل اخذ يشحن الهمم ويرفع معنويات جيش المسلمين ما استطاع في ذلك سبيلا، وقال القائد سعد بن أبي وقاص مخاطبا رجاله، طالبا منهم تأمين قواته وحمايتهم في أثناء عبوره النهر إلى المدائن قال من يبدأ ويحمي لنا الفراض حتى تتلاحق به الناس لكيلا يمنعوهم من الخروج، وهنا جاء صوت فارس من بعيد يقول أنا أيها الأمير، إنه صوت عاصم بن عمرو، فأمر سعد بن أبي وقاص عاصم بن عمرو قيادة كتيبة الأهوال وأمر القعقاع على الكتيبة الخرساء، لصمت رجالها الكثير وفعلهم الكبير، ومضت كتيبة الأهوال فعبرت النهر وصنعت رأس جسر على الجانب الآخر، وحمت عبور الجيش الإسلامي البطل، ومضت كتيبة القعقاع فى اقتحام الأهوال، ويمضي القعقاع مسرعا على رأس كتيبته، وحسبي أنه تبسم قليلا عندما دخل عاصم المدائن قبله، إلا أنه سعد بالقائد سعد.

 

وهو يصول ويجول في القصر الأبيض قصر كسرى بعد فتح المدائن، وفي اثنا عشر ألفا من الرجال تقدم القعقاع إلى جلولاء وهي بلدة في طريق خراسان، تقع على بعد أربعين ميلا شمال المدائن. حاصر القعقاع جلولاء، وتحصن أهل فارس بالمدينة وجعلوا لا يخرجون إليهم إلا إذا أرادوا، فوقف هاشم يحث المسلمين على القتال ويقول أبلوا في الله بلاء حسنا يتم لكم عليه الأجر والمغنم، واعملوا لله، سمع القعقاع كلمات قائده، فاندفع واندفع الناس معه واقتتلوا مع الفرس قتالا شديدان ومضى القعقاع إلى باب الخندق فدخله وسيطر على جزء منه وصاح مناديا يا معشر المسلمين هذا أميركم قد دخل خندق القوم، وأخذ به فأقبلوا إليه ولا يمنعنكم من بينكم وبينه من دخوله، وظن المسلمون أن هاشم بالخندق فاندجفعوا إليه فإذا بالقعقاع قد سبقهم فطاولوا الفرس وطالوهم، وقاتلوهم فانهزم منهم من انهزم فطاردهم القعقاع إلى داخل بلادهم فتساقطت أمامه الحصون في خانقين، وقصر شيرين، وحلوان، وكلها مدن وقرى فارسية.

 

واستقر القعقاع في النهاية بحلوان، وقد اختار النعمان بن مقرن المزنى القعقاع بن عمرو، وكان على الخيل وذلك لينشب القتال بين المسلمين والفرس واستثارتهم وجرهم إلى القتال، وعندما اندفع الفرس نكص أمامهم وتراجع، وطاردوهم، ثم قال الناس للنعمان لما تأخر عليهم في أمر القتال ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما لقي الناس؟ فما تنتظر بهم، ائذن للناس في قتالهم، وتمهل النعمان حتى تململ المسلمون وقال أحدهم لم أرى مثل اليوم فشلا، وبعد وقت ليس بالقليل كبر النعمان، وحمل على الفرس والناس معه فدار قتال شديد استمر وقتا طويلا حتى فتح الله على المسلمين، وفى هذا اليوم فر الفيرزان قائد الفرس فتعقبه القعقاع ومعه نعيم بن مقرن المزنى، فأدرك القعقاع الفيرزان وقد بدأ يصعد جبلا فصعد خلفه حتى أدركه فقتله ومضى جيش المسلمين حتى فتح همذان، وفي الكوفة عاش القعقاع أيامه الأخيرة، وبعد حياة حافلة بالجهاد، فياضة بالبطولة والغيرة على دين الله عز وجل، انتهت حياة قائد من قادة الإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى