مقال

أحكام الصيام ” الجزء السادس “

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع أحكام الصيام، وقد توقفنا عند إذا أعسر المريض الذى لا يرجى برؤه أو الكبير، فإن الإطعام يسقط عنهما لأنه لا واجب مع العجز، والإطعام هنا ليس له بدل، ويلتحق بهذه الفئة أصحاب الأعمال الشاقة التى لا يحتمل الصيام معها، مثل عمال المناجم، أو الأفران ونحوهم ممن لا يجدون فرصة للقضاء، فهؤلاء يفطرون، وإذا سنحت لهم فرصة في القضاء كفصل الشتاء فعليهم ذلك وإلا أطعموا مسكينا عن كل يوم، وأصحاب الأعمال الشاقة ليس لهم أن ينووا الإفطار من الليل، بل عليهم أن ينووا الصيام ، فإذا أرهقهم الصيام وعاقهم عن العمل فلهم حينئذ أن يفطروا، ومن واجب الحكومات الإسلامية أن تقوم بسياسة هذه الأمور بأن تجعلها في الليل مثلا أثناء شهر رمضان، وأما عن عمال الطبخ والخبز، واعتبر فقه الصيام أن الطباخون والخبازون والعمال الذين يباشرون هذه الأعمال ونحوها فى نهار رمضان يجوز لهم تذوق الأطعمة والمشروبات، بمعنى وضعها فى الفم أما ابتلاعها في الحلق فلا، وذلك للتعرف على الطعم.

 

والتأكد من مقادير المواد المضافة إليه كالملح أو السكر، أو لمعرفة إذا كان قد تم إنضاجه أم لا، ثم عليهم لفظها وإذا سقط شيء من هذه الأطعمة أو المشروبات إلى الحلق رغما عن صاحبه بعد توقيه الحذر فلا يؤثر على الصيام، وأما عن الحامل والمرضع، فإنه بالنسبة الحمل، ومثله الإرضاع ليس سببا مرخصا للفطر في ذاته في فقه الصيام، ولكن يكونان من أسباب الترخيص إذا خافتا على أنفسهما أو الجنين، ويكفي غلبة الظن، وذلك يعرف بالتجربة، أو بإخبار طبيب ثقة، وقد اختلف العلماء في فقه الصيام في كيفية الاستدراك أيكون بالصيام أو الإطعام أو بهما معا؟ أم ليس عليهما شيء كالأطفال الصغار؟ وبكل وجه من هذه الوجوه قال بعض الفقهاء، والذي رجحه الشيخ القرضاوى أن المرأة التى لا تستطيع القضاء، حيث لا يأتيها رمضان إلا وهى بين الحمل والرضاعة فلا تكلف بالقضاء، ويكفيها الإطعام، أما المرأة التي تسنح لها الفرصة بالقضاء فعليها القضاء، ولا يكفيها الإطعام، وأما عن قضاء رمضان، فإنه يتناول فقه الصيام من كان يضرب عن الصيام كلية.

 

ثم تاب فالأظهر أنه ليس عليه قضاء ولا كفارة، وحسبه أنه تاب، وقال بذلك ابن حزم، وابن تيمية، والشيخ ابن العثيمين، والشيخ الألبانى، ومن شكت هل قضت أم لا عملت بغالب ظنها، وكذلك من شكت في عدد الأيام التي أفطرتها، وفي فقه الصيام، قضاء رمضان واجب على التراخى بدليل أن السيدة عائشة كانت تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان، والتطوع قبل القضاء محل خلاف، فأجازه بعض الفقهاء إذ من الصعب أن تمكث السيدة عائشة طوال العام دون أن تصوم يوما واحدا تطوعا، فإذا أتى رمضان الثانى قبل أن يقضى من عليه القضاء فهو آثم إذا كان مفرطا، ولا شيء عليه إذا كان معذورا طوال السنة، وإذا مات المعذور قبل التمكن من القضاء فلا شيء عليه، ولا يجب على أهله أن يقضوا عنه إجماعا، وقد يحدث أن تترك الحائض والنفساء قضاء ما عليهما سنوات طوالا حتى يتراكم عليهما أيام كثيرة جهلا منهما بوجوب القضاء، أو تكاسلا وتشاغلا، أو ضعفا ومرضا، فأما من أخرت القضاء جهلا أو ضعفا أو مرضا فلا إثم عليها.

 

وأما المسوفة الكسولة فهى آثمة بتأخيرها القضاء، وهل عليها أ ن تطعم بإزاء القضاء فدية عما اقترفته من التأخير؟ والصحيح أنه لا يجب، والقول باستحبابه متجه، ويبقى عليهن جميعا وأعني من أخرت القضاء ضعفا أو جهلا أو تكاسلا القضاء، ومن لم تتمكن منهن من القضاء بسبب مرض أو ضعف لا يرجى الشفاء منه فإنها تنتقل إلى الإطعام، فتطعم عن كل يوم مسكينا وجبتين مشبعتين من أوسط طعامها، وأرجو أن تلحق بالمريضة تلك التى إذا ذهبت تقضي أضعفها الصيام عن القيام بشئون حياتها الضرورية فلا تستطيع أن تجمع بينهما بسبب ضعف جسمها مثلا فتكون بمنزلة أصحاب الأعمال الشاقة، أى تنوى الصيام من الليل فإذا منعها الصيام من مباشرة أعمالها الضرورية التى لا يمكن تأخيرها إلى الليل فيجوز لها حينئذ الفطر، ويرى جمهور العلماء فى فقه الصيام على أن القضاء لا يشترط فيه التتابع، وإذا مات المفرط قبل القضاء فلأهله أن يقضوا عنه، أو يطعموا عن كل يوم فاته مسكينا وجبتين، وجمهور العلماء على أن الصيام لا يكون إلا من أهله.

 

وأجاز البخارى صيام الأجنبى عنه، وفي هذا فسحة عظيمة، وكم هى خيبة هذا الذى فرط في القضاء، وترك مصيره لأهله يقضون أو يهملون، ويعتبر فقه الصيام أن المريض الذى يرجى شفاؤه ينتظر الشفاء ثم يقضي ولا يجزئه الإطعام طالما أن مرضه مرجو الزوال، فإذا بان له أثناء انتظاره أن مرضه أصبح مزمنا فعليه حينئذ أن يطعم عن كل يوم أفطره مسكينا، فإذا مات أثناء الانتظار فليس عليه إثم، ولا يجب على أهله فدية ولا صيام، ويثبت فى فقه الصيام أن من كان مريضا مرضا مزمنا فأفطر وأطعم ثم امتن الله عليه بالشفاء فلا يجب عليه القضاء كما جاء باللجنة الدائمة، ويتم التأكيد فى فقه الصيام أنه ليس لمن يصوم فى قضاء رمضان، أو يصوم وفاء لنذر أن يفطر في نهار يومه، وإذا فعل فقد أثم، وعليه التوبة وعدم العود، وليس عليه كفارة فى ذلك حتى لو وقع جماع في هذا اليوم، لأن الكفارة تجب في رمضان لحرمة الشهر نفسه، وأما عن المفطرات فى مجال التداوى، وإنه فى خضم البحث والتفسير فى مسائل فقه الصيام.

 

قرر مجمع الفقه الإسلامى الدولى التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامى أن الأمور الآتية ليست من المفطرات وهى قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو غسول الأذن، أو قطرة الأنف، أو بخاخ الأنف، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق، وأيضا الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق ويعني عليه إذا نفذ شيء من ذلك إلى الحلق أن يلفظه، وأيضا ما يدخل المهبل وهو فرج المرأة من تحاميل أى لبوس، أو غسول، أو منظار مهبلى، أو إصبع للفحص الطبى، وأيضا إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم، وأيضا ما يدخل الإحليل، أى مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى من قسطرة وهى أنبوب دقيق، أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة، وأيضا حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق، ويعنى عليه إذا نفذ شيء من ذلك إلى الحلق أن يلفظه، وأيضا المضمضة، والغرغرة.

 

 

وبخاخ العلاج الموضعى للفم إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق وهو يعني عليه إذا نفذ شيء من ذلك إلى الحلق أن يلفظه، وأيضا الحقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية، باستثناء السوائل والحقن المغذية، وأيضا غاز الأكسجين، وغازات التخدير وهو البنج ما لم يعط المريض سوائل أى محاليل مغذية، وأيضا ما يدخل الجسم امتصاصا من الجلد كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية، وأيضا إدخال قسطرة وهى أنبوب دقيق في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب أو غيره من الأعضاء، أو إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها، وأيضا أخذ عينات وهى خزعات، من الكبد أو غيره من الأعضاء ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل، أو منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل وهى المحاليل أو مواد أخرى، وأيضا دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكى، وأيضا القيء غير المتعمد بخلاف المتعمد وهو الاستقاءة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى