مقال

فى طريق الهدايه ومع رمضان شهر الجهاد والصبر ” الجزء الرابع

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع رمضان شهر الجهاد والصبر، وقد توقفنا عند مجاهدة النفس، فإن النفس تارة تكون أمارة بالسوء، وتارة تكون لوامة، فهى تلوم صاحبها بعد وقوعه بالسوء، وتارة مطمئنة وهي التى تسكن إلى طاعة الله ومحبته وذكره، وكونها مطمئنة وصف مدح لها، وكونها أمارة بالسوء وصف ذم لها، وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم، فقال الإمام ابن القيم رحمه الله “ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا عن جهاد العبد نفسه في ذات الله كما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “المجاهد من جاهد نفسه فى طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه” رواه أحمد، فكان جهاد النفس مقدما على جهاد العدو في الخارج وأصلا له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أمرت به، وتترك ما نهيت عنه، لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج، فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصار منه، وعدوه الذى بين جنبيه قاهر له، ومتسلط عليه، لم يجاهده ولم يحاربه في الله، بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج؟”

 

والناس فى هذا على قسمين، قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته، وصار مطيعا لها، بل صار عبدا لهواه وشهواته، نعم، أيكون الإنسان عبدا لهواه، أيتخذ إلهه هواه؟ نعم ألا تستمع إلى قول الله تعالى كما جاء فى سورة الفرقان ” أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا” فبعض الناس قد اتخذ إلهه هواه، كل ما هوت نفسه شيئا طاوعها فأصبح كالعبد لهذا الهوى وأصبح أسيرا لنفسه ولشهواته وملذاته، فهذا يصدق عليه تصدق عليه هذه الآية، والقسم الثانى قسم ظفر بنفسه وجاهدها أشد المجاهدة، حتى قهرها فصارت مطيعة لله منقادة تعمل الأعمال الصالحة بيسر وسهولة، وجهاد النفس يكون بمحاسبتها أشد المحاسبة عما يصدر عنها من تصرفات، وقد كانت محاسبة النفس دأب الصالحين من قبلنا، فقال ميمون بن مهران”لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه” ولهذا قيل “النفس كالشريك الخوان إن لم تحاسبه ذهب بمالك” وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا،

 

وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله تعالى كما قال فى سورة الحاقه ” يومئذ تعرضون على الله لا تخفى منكم خافيه” وكتب عمر رضى الله عنه إلى بعض عماله “حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه فى الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضى والغبطة، ومن ألهته حياته وأشغلته، عاد أمره إلى الندامة” وقال الحسن رحمه الله “إنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة” وإن مما يعين الإنسان على محاسبة نفسه معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح غدا إذا صار الحساب إلى غيره، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غدا فيقول تعالى فى سورة الشعراء” يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم” فحق على العاقل الحازم حق على المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه بحركاتها وسكناتها وخطواتها وخطراتها، وإنما يظهر التغابن بين من حاسب نفسه اليوم.

 

وبين من أهملها، إنما يظهر ذلك يوم التغابن يوم القيامة، فينبغي أن تكون محاسبة النفس منهجا للمسلم في حياته ممتثلا أمر ربه في قوله تعالى ” ولتنظر نفس ما قدمت لغد” فيحاسبها فينظر إلى وجوه التقصير عنده فيحرص على تلافيها، وينبغي أن يعقب هذه المحاسبة ما يسميه السلف الصالح بمشارطة النفس، ويسميه بعض الناس اليوم لغة العصر التخطيط للوقت، فمثلا رجل حاسب نفسه فوجد أن من وجوه التقصير عنده أنه لا يصلى بعض الصلوات مع الجماعة فى المسجد فيشارط نفسه من الغد، بل يشارط نفسه من الآن على ألا تفوته الصلاة مع الجماعة في المسجد، ويتخذ الوسائل المعينة لذلك، وهكذا إذا كان الإنسان على جانب من المحاسبة والمشارطة للنفس فإن النفس تزكو، وإذا زكت أفلحت، فقال تعالى ” قد أفلح من زكاها” وأما عندما تنعدم المحاسبة، ويمر على الإنسان الليالى والأيام والشهور والأعوام والمواسم تلو المواسم، وهو يعيش في غفلة لم يحاسب نفسه يوما، فإنه سيتفاجئ بساعة النقلة من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة.

 

وسيتفاجئ بتلك الساعة ويندم حين لا ينفع الندم، وهنا يقول تعالى ” وقد خاب من دساها” وهذا هو الذى قد خاب حقا عندما يغفل عن محاسبة النفس، وتقوده النفس إلى الهوى، فيندم عندما يلقى الله عز وجل ولا بد من لقاء الله سبحانه مهما كدح الإنسان في هذه الحياة، فيقول تعالى فى سورة الإنشقاق” يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه” فمن عُنى بمحاسبة النفس فسيُسر ويغتبط عندما يلقى الله تعالى، أما من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانى، فإنه سيندم حين لا ينفع الندم، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم “حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات” رواه مسلم، فطريق الجنة محفوف بالمكاره، فالنفس بطبعها تميل عن هذا الطريق، فتحتاج إلى نهى حتى تسلك هذا الطريق الموصل للفلاح، وأما طريق النار فإنه محفوف بالشهوات، فالنفس بطبعها تميل إليه، فتحتاج إلى نهى حتى تترك هذا الطريق المؤدية إلى الخسران، فإن الهوى هو طريق النار المحفوف بالشهوات، فالنفس بطبيعتها تميل إليه فمن نهاها وخاف مقام ربه.

 

فإن الجنة هي المأوى، أما من أطلق لنفسه عنان ولم ينهها فإن النفس تقوده إلى الردى، وإن سياسة النفس عجيبة، وتحتاج إلى أن يكون لدى المسلم فهم وفقه لهذه السياسة، فالنفس تميل للهوى لكنها كالدابة الجموح التي تريد أن تنطلق براكبها من غير زمام، ولكن إذا أمسك الراكب بزمامها وسار بها إلى الطريق الموصل وصل، أما إن ترك هذه الدابة تسير به من غير أخذ بزمامها فسيجد نفسه في النهاية قد شردت به هذه الدابة وأضاع الطريق، ومن طبيعة النفس أنها إذا رأت من الإنسان حزما وعزما فإنها تنقاد له، وإذا رأت منه ضعفا وترددا مالت به للهوى، فعلى سبيل المثال من ينام وهو متردد في القيام لصلاة الفجر سيجد ثقلا كبيرا وسيجد أن نفسه تغلبه ولن يقوم لأداء صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد في الغالب، أما من نام وقد عزم عزيمة قوية على القيام لصلاة الفجر واتخذ قرارا حاسما بأنه لا بد أن يقوم لصلاة الفجر، واتخذ من الوسائل ما يعينه على ذلك فإن هذا لن يجد صعوبة فى الاستيقاظ وقت صلاة الفجر وفى أدائها مع الجماعة فى المسجد.

 

أرأيتم الفرق بين الأول والثاني؟ فالأول عنده ضعف وتردد وضعف عزيمة، والثانى عنده قوة عزيمة وعنده اهتمام كبير واتخذ قرارا بأنه لا بد أن يصلي مع الجماعة فى المسجد، هذا القرار وهذه العزيمة هي من أكبر العون للإنسان على أن يحقق هذا الهدف وأن يؤدى الصلاة مع الجماعة في المسجد ومن طبيعة النفس كذلك أنها إذا اعتادت شيئا من الشهوات المحرمة فإنه يصعب عليها فطامها منها، ولكن إذا وجدت قوة وعزيمة من الإنسان فسرعان ما تنفطم، ويشبهها بعضهم بالطفل الرضيع، فإنه يريد الاستمرار فى الرضاع فإذا فطم عن الرضاع تألم يوما أو يومين أو ثلاثة ثم إذا به يتعود على الفطام، وهكذا النفس إذا فطمت عن بعض ما ألفته قد تتألم ثم سرعان ما تنفطم، والنفس كالطفل إن تهمله شب على، حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم، ومن اعتاد إطلاق بصره إلى ما حرم الله إذا أراد نهى نفسه عن ذلك، فقد يجد فقد يجد صعوبة في بداية الأمر، ولكن سرعان ما تنفطم نفسه مع المجاهدة، وتنقاد له، وهذا الانقياد من النفس للإنسانفى طريق الهدايه ومع رمضان شهر الجهاد والصبر " الجزء الرابع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى