مقال

فى طريق الهدايه ومع رمضان شهر الجهاد والصبر ” الجزء الثانى

 

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع رمضان شهر الجهاد والصبر، وقد توقفنا عندما أصبح العالم كالقرية الواحدة، وأصبح العدل منشرا، فلا داعي للقتال، فهؤلاء المنافقون الذين يتنازلون عن أهم مبادئ دينهم في حين نجد الغرب الكافر يغزوهم فى عقر دارهم، دمر المدن والقرى، وقتل الأطفال والنساء، وهتك الأعراض، وانتشرت بسببه الأمراض، ونهبوا خيرات المسلمين، ونجد الرويبضة يستسلمون لهم ويسلمون الأمور، ثم يعودون على مبادئ دينهم بالسلب والثلب، ولا يكون الجهاد عندهم جهادا إلا إذا وافق مصالحهم وأغراضهم، ونحن نسمع عن جهاد المسلمين في رمضان، وما حققوه من انتصارات عظيمة، وفتوحات باهرة، نرى كثيراً من المسلمين اليوم قد وهنت نفوسهم، وضعفت عزائمهم، وخارت قواهم، وغرس حب الدنيا وكراهية الموت في قلوبهم، فهم يسرحون ويمرحون، ويتابعون المسلسلات والملهيات فى شهر الجهاد والانتصارات والفتوحات التى حققها أسلافنا وأجدادنا، ونرى البعض منهم يقضى نهاره في النوم والكسل.

 

وليله فى الإفراط فى تناول الطعام والشراب، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات، والسهر على المحرمات ونرى فئة أخرى فهمت أو ظنت أن رمضان فرصة للإكثار من العمل للدنيا، واللهث وراء جمع حطامها الفاني، فنرى الأسواق في رمضان مزدحمة، والباعة أصواتهم بالتهريج مبحوحة، والنساء إلى الأسواق متوجهات، وللرجال مزاحمات، ولأطفالهن مضيعات، ولأزواجهن وخالقهن مسخطات، ومع هذا كله نريد ونتمنى أيها المسلمون من الله نصرا، ويتساءل البعض منا لماذا لم ينصرنا الله، ولماذا سلط الله علينا أحقر خلقه من اليهود والنصارى؟ ولماذا صرنا في مؤخرة الركب بعد أن كنا فى المقدمة؟ ولماذا ولماذا؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابة، وللإجابة عنها نقول إن الله قد وعدنا بالنصر والتمكين، وهو لا يخلف الميعاد، وهو أصدق القائلين، وأحكم الحاكمين، فقال تعالى فى سورة الروم ” وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون” وقال تعالى أيضا فى سورة الروم ” وكان حقا علينا نصر المؤمنين”

 

وقال تعالى أيضا فى سورة الصافات “ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون” وقال تعالى أيضا فى سورة النور ” وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون” ولكن النصر لن يكون حتى ننصر دين الله، فنمتثل أوامر الله، ونجتنب نواهيه، ونحرم حرامه، ونحل حلاله، ونفرده بالعبادة والطاعة، ونتحاكم إليه في كل شؤون حياتنا، حينها ينصرنا الله، فقال تعالى فى سورة محمد ” إن تنصروا الله ينصركم” وقال تعالى فى سورة الحج ” ولينصرن الله من ينصره” وقال تعالى فى سورة غافر ” إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد” ولذلك لما قام الصحابة بنصرة هذا الدين، وإعلاء كلمة التوحيد، وقاموا بمقتضياتها وشروطها، وحافظوا على فرائض الله، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.

 

وجاهدوا في سبيل الله، وطبقوا شرع الله في أرضه، وحكموا بين الناس بالعدل، نصرهم الله على عدوه وعدوهم، ومكنهم في الأرض واستخلفهم فيها، فلم يأتى هذا النصر بالأمانى، وإنما تحقق بالقيام بنصرة الدين، وإن كان النصر قد تأخر لتأخرنا عن ديننا، فإنه لا محالة سيتحقق فى واقع الحياة إن شاء الله فإنه قريب الوقوع، فقال تعالى فى سورة البقرة ” أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب” وعن تميم الدارى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يُعز الله به الإسلام، وذلا يُذل الله به الكفر” وكان تميم الدارى يقول قد عرفت ذلك فى أَهل بيتى لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية، وعن خباب بن الأرت قال.

 

شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بُردة له في ظل الكعبة، قلنا له ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال صلى الله عليه وسلم “كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمّن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون” وإن الجهاد باب واسع، فيكون تارة بالسنان، وهو المقصود الأول، ويكون باللسان، وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكلمة حق عند سلطان جائر، ويكون بالمال، فعن زيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من جهّز غازيا فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله فقد غزا” وقال تعالى كما جاء فى سورة الصف ” يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون فى سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون”

 

ولكن مع هذا التشويه لا تزال هناك طائفة من هذه الأمة فيها الخير، تقوم بهذا الواجب الذى ضيع، يجاهدون في سبيل الله، ويدافعون عن المقدسات والحرمات، ويناصرون المستضعفين، وعندما يذكر الانتصار في رمضان، يصرف الذهن مباشرة إلى الانتصارات العسكرية التى حققها المسلمون على أعدائهم في هذا الشهر، من بدر إلى فتح مكة إلى عين جالوت إلى حرب العاشر من رمضان وغيرها من الملاحم الإيمانية التي كتب الله فيها النصر المؤزر لعباده المؤمنين وهذا حق، ولكن مجالات الانتصار فى رمضان بالنسبة للمؤمن غير مقتصرة على هذا الجانب فقط، بل إن الانتصارات التي تحققت وتتحقق على أعداء الأمة خلال شهر رمضان منذ بدء الرسالة، هي نتيجة للأجواء الإيمانية والتربية الروحية والسلوكية التي يتعلمها ويتدرب عليها المسلمون فى مدرسة رمضان السنوية، مما يهيئ لهم أسباب النصر لينتصروا على أعدائهم، فإنها محصلة كذلك لتلك الانتصارات التى يحدثها وينجزها العبد المؤمن على مستواه الفردى والجماعي في شهر الصيام.

 

لذلك فإن مدرسة الصيام محطة مهمة ليجعل العبد المؤمن لنفسه فيها برنامجا عمليا لتحقيق الانتصارات بمفهومها الشامل، هذه الانتصارات التي تعد توطئة لانتصارات عظمى وإن من جملة هذه الانتصارات التى ينبغى للمسلم السعى فى تحصيلها فى شهر رمضان المبارك هو الانتصار على الرياء، فإن رمضان شهر الإخلاص بلا منازع، وقد توفرت كل عوامل النجاح للمؤمن فيه على كل دواعي الرياء وأسبابه، وتنمية عنصر المراقبة والتجرد لله عز وجل لديه، فامتناع الصائم عن الطعام والشراب والشهوات المادية والمعنوية طيلة يومه، استجابة لأمر ربه هو عين الإخلاص، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال يقول الله عز وجل الصوم لي وأنا أجزى به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلى” وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وسلم، قال ” من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” وقال صلى الله عليه وسلم ” من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه”فى طريق الهدايه ومع رمضان شهر الجهاد والصبر " الجزء الثانى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى