مقال

ماذا عن شهر المجد والإنتصارات ” الجزء الثالث

ماذا عن شهر المجد والإنتصارات ” الجزء الثالث”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع رمضان شهر المجد والإنتصارات، ويبدو أن الإنتصارات بشتى أنواعها وإختلاف مجالاتها في شهر رمضان، مرتبطة إرتباطا وثيقا ببعضها البعض، فكلما إرتفع مؤشر هذه إرتفع منسوب تلك وإقترب موعدها وتوفرت أسبابها، وكلما حدث فشل وتقصير في هذه، أصبحت الأخرى بعيدة المنال وهكذا، وقد قيل من لم ينتصر في حى على الفلاح، لاينتصر في حى على الكفاح ، كمثال على هذا الإرتباط، لذلك فإن مدرسة الصيام محطة مهمة ليجعل العبد المؤمن لنفسه فيها برنامجا عمليا لتحقيق الإنتصارات بمفهومها الشامل، وقد أحصيت عددا معتبرا من الإنتصارات التى يجب على المؤمن الصائم أن يحققها وينجح فى إمتحانها، ليتاكد ويطمئن أنه فعلا إستطاع أن يستثمر أجواء الإنتصارات الإيمانية الرمضانية وخرج منها بحظ وافر، وكان رمضان منطلقا بالأمة إلى العالمية حيث وثب فيه المسلمون وثبتهم الكبرى إلى قلب أوروبا، وقد خرجوا من حدود الجزيرة العربية إلى العالمية، حيث حملوا رايات التوحيد إلى قلب العالم.

النصرانى والوثني، وذلك مبكرا جدا عندما فتح المسلمون جزيرة رودوس سنة ثلاثه وخمسين من الهجرة ثم وثب المسلمون أكبر وثباتهم وفتحوا الأندلس فى معركة وادى لكة الشهيرة سنة اثنين وتسعين من الهجرة وأصبح غرب القارة الأوروبية مسلما يتردد الأذان في جنباته، ثم فتح المسلمون جزيرة صقلية سنة مائتان واثنتى عشر من الهجرة عندما قاد القائد الفقيه المحدث أسد بن الفرات جيوش المسلمين لمعركة سهل بلاطة في التاسع من رمضان سنة مائتان واثنتى عشر من الهجرة ليفتح أكبر جزر البحر المتوسط، ويصبح المسلمون على بعد خمسة أميال فقط من إيطاليا حيث مقر النصرانية العالمية، وفى الثامن والعشرين رمضان سنة اثنين وتسعين من الهجرة نشبت معركة شذونة أو وادى لكة بين المسلمين بقيادة طارق بن زياد والقوط بقيادة لذريق، وكان النصر حليف المسلمين، وقد هيأ ذلك النصر أن يدخل الإسلام إلى أسبانيا، التي كانت تسمى بشبه الجزيرة الأيبيرية، وأن تفتح الأندلس وتضم إلى كيان الدولة الإسلامية.

وأن تظل دولة مسلمة ثمانية قرون، وتم التقدم فى فتح الأندلس بهذا النوع المتميز من أجناد العقيدة الإسلامية فى أجواء رمضان المعطرة بشذا الإيمان وبندى الإسلام، فبدا ذلك سهلا أمام هذا النوع من الجند، فقد استهانوا بالصعاب وبذلوا النفوس رخيصة من أجل رفع شأن الإسلام وحضارته الحقة، فأمام هذا النوع من الجند كانت التضحيات كثيرة والجهد كبير، والدروب شاقة، والمناخ شديد، والجو غريب، والأرض صخرية عنيفة، وكان مستوى العقيدة أعلى من ذلك وأكبر، فانساب الفاتحون بهذه السرعة، فبدت لهم كأنها نزهة روحية من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض، وهي سبب راحة المؤمن وفرحته بنصر الله إن عاش، وبجنته إن استشهد، وفي هذا يقول الحق سبحانه وتعالى فى سورة التوبة ” قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين” ولقد نتج عن هذا الفتح المبين أن انطلقت الأمة الإسلامية انطلاقتها الحضارية، ووصل إشعاعها إلى أوروبا المظلمة آنذاك، ثم واصل المسلمون انطلاقهم إلى العالمية لنشر التوحيد بين ربوع المعمورة.

وفتح العثمانيون بقيادة سليمان القانونى بلجراد عاصمة الصرب في رمضان سنة تسعمائة وسبعة وعشرون من الهجرة وأصبحت بلجراد مدينة إسلامية، وانتشرت فيها المساجد، حتى بلغ تعدادها مائتين وخمسين مسجدا قام الصرب بإحراقها جميعا بعد سقوط الدولة العثمانية، فإن رمضان هو شهر الإخلاص بلا منازع ، وقد توفرت كل عوامل النجاح للمؤمن فيه على كل دواعى الرياء وأسبابه، وتنمية عنصر المراقبة والتجرد لله عز وجل لديه، فإمتناع الصائم عن الطعام والشراب والشهوات المادية والمعنوية طيلة يومه، إستجابة لأمر ربه هو عين الإخلاص، وإن تحقيق هذا النوع من الإنتصار هو الأساس الذي تنبنى عليه كل الإنتصارات الأخرى، فإن تربى العبد على الإستحضار الدائم لعامل المراقبة هذا، وذلك بعدم جعل الله أهون الناظرين إليه، وتجنب مالايرضيه من فعل أو قول أو خلق أو سلوك سرا أو علانية، فيكن بذلك قد تجاوز عتبة الإنتصار الأول والمهم فى مدرسة الصيام ليصحبه صحبة دائمة لازمة طيلة العام.

وفى رمضان عام ألف وخمسه وتسعون من الهجرة وقف العثمانيون بمائتى ألف مقاتل على أبواب ? ينا وهى أشهر المدن الأوروبية وعاصمة الدولة الرومانية المقدسة حتى كادوا أن يفتحوها، وعندما انتصر المسلمون بقيادة سيف الدين قطز على جحافل التتار في الخامس والعشرين من رمضان سنة ستمائة وثمانيه وخمسين من الهجرة وقضوا على أسطورة التتار الجيش الذى لا يهزم، وكانت تلك الأسطورة قد روعت الناس فى كل مكان، حيث بلغ من شدة خوفهم ورعبهم من التتار أن الجندى التتارى الواحد يدخل السرداب وفيه مائة رجل فيقتلهم جميعا وحده بعد أن قتلهم الخوف والفزع من لقاء التتار، وقد هيأ المولى سبحانه وتعالى ذلك للصائم، فصفده له ليسهل له وعليه هذا النوع من الإنتصار ولكى يقوى عناصر المناعة الإيمانية لديه، ويستحضر كل مسببات القوة اللازمة لينتصر فى معركته مع شيطانه بشكل دائم أو غالب على الأقل، ورمضان فرصة مواتية لتنتقم من شيطانك وتغلبه وتصرعه بسهولة ويسر.

لأنك إن فشلت في معركتك معه في شهر الصيام، فأنت فيما سواه من الشهور أفشل، تصور نفسك في حلبة تصارع خصما مكبل اليدين والرجلين وأنت حر طليق في كامل قوتك ولياقتك وعافيتك ونشاطك، يكن من العيب والقصور والحرمان أن لاتنتصر عند ذلك، فأعمل جاهدا وأستغل الفرصة لتذق طعم الإنتصار على الشيطان، كى يغريك ذلك فى الإستمرار في صرعه فيما سوى ذلك من الأوقات، وكما حطم المسلمون في حرب أكتوبر سنة ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعون، الموافق العاشر من رمضان سنة ألف وثلاثة مائة وثلاثه وتسعين من الهجرة أسطورة الجيش الصهيونى الذى لا يقهر، وحطموا سور بارليف الذي قال عنه الصهاينة إنه أحصن وأقوى أسوار العالم، وعرف الصهاينة مرارة الهزيمة، وأخذت شمطاء يهود جولدا مائير تصيح وتولول وتستغيث بالأمريكان أدركونا فإسرائيل تنهار، وفى العاشر من رمضان قد عبر الجيش المصرى قناة السويس وحطم خط بارليف وألحق الهزيمة بالقوات الصهيونية، في يوم من الأيام الخالدة.

التى سطرها التاريخ فى أنصع صفحاته بأحرف من نور ففى يوم السادس من اكتوبر، والعاشر من رمضان وقف التاريخ يسجل مواقف أبطال حرب أكتوبر الذين تدفقوا كالسيل العرم يستردوا أراضيهم، ويستعيدوا كرامتهم ومجدهم فهم الذين دافعوا عن أرضهم وكافحوا في سبيل تطهيرها وإعزازها فضربوا بدمائهم المثل، وحفظوا لأنفسهم ذكرا حسنا لا ينقطع، وأثرا مجيدا لا يمحى، فبعد أن احتل اليهود سيناء الحبيبة والجولان والضفة الغربية والقدس وغزة في الخامس يونيو سنة ألف وتسعمائة وسبعه وستون ميلادى أخذوا يتغنون بأسطورة جيشهم الذى لا يقهر، لكن مصر نجحت في أعادة بناء جيشها وجهزته بالعتاد وخيرة جنود الأرض، وبالتخطيط الجيد مع أشقائها العرب وبإرادة صلبة قوية وإيمان قوى عظيم، وبخطة دقيقة محكمة فاجأت إسرائيل والعالم كله الساعة الثانية بعد الظهر، وانطلقت أكثر من مائتان وعشرون طائرة تدك خط بارليف الحصين ومطارات العدو ومراكز سيطرته.


 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى