القصة والأدب

رسالة من داخل السّجن (رواية قيد الإنجاز )

رسالة من داخل السّجن
(رواية قيد الإنجاز)
ــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم: رشيد (فوزي) مصباح
ــــــــــــــــــــــــ
الجزء الخامس
(3)
كانت بداية المشوار؛
لم أشعر بالأيّام وهي تمرّ مرور الكرام بينما أنا أعبثُ بكامل وقتي هنا وهناك ومع هذا وذاك حتى جاءت نهاية الموسم الدّراسيّ تلقّيتُ بعده التعيين ببلدية “وادي الكبريت” التي اخترتها عن جهلٍ، بالأسباب وظروف العمل. ومشيتُ إلى تلك البلديّة بعد التّقسيم الجديد الذي حدث في الفاتح من شهر جانفي سنة خمسة وثمانين بعد الألف(١./١./٨٥ ۹ ۱ ) أحمل طموحي الكبير معي، و.و… لكن الطموح اصطدم بجدار الواقع المرير، فوجدتُ امامي شخصا أمامي تمّ تكليفه بتسيير شؤون البلدية، الادارة العامة والميزانية، وهذا من طرف بلدية مداوروش باعتبارها البلدية الأم. و”مير” رئيس بلدية جديد لا يملك من زمام الأمور سوى الختم الذي في جيبه يخرجه عند الطّلب. دخلتُ في خلافات معه بسبب العون الذي تم تكليفه من طرف البلدية الأم بحكم تجربته الكبيرة في الإدارة وقد بلغ سن التّقاعد يومها بصفة عون إدارة ولم يترقّ على مرّ السّنين التي قضّاها، و أفقدته بصره، بسبب التّهميش وعوامل أخرى معروفة في الأوساط المهنيّة لا علاقة لها لا بالكفاءة ولا بالتّنظيم، ولأنّ الترقيات في البلديات كانت تتمّ بطرق ملتوية، وخاصّة في عهد الحزب الواحد

رسالة من داخل السّجن
(رواية قيد الإنجاز)

.
حدث صراع بيني وبين هذا العون، والذي بقي متردّدا ورفض تسليم المهام طمعا في تولّيه منصب الأمين العام، رغم رتبته المتواضعة التي لا تؤهّله لشغل هذا المنصب، لكنّه في الأخير رضخ للأمر الواقع، واستلمتُ منه المفاتيح، وفتحتُ المكتب، وجلستُ على “عرش” المصائب والمتاعب الذي راهنتُ عليه خلال كل تلك المدّة التي قضيتُها متنقّلا بين مصالح الوصاية “بسوق أهراس” ومكان الشّغل ببلدية “وادي الكبريت”.
بدأتُ رحلتي الجديدة في التعرّف على عدد من السّجلات وبعض الوثائق التي وجدتها أمامي، ولفتَ انتباهي سجلُّ محاضرالمداولات الذي تفنّن العون المكلّف – رحمة الله عليه – في كتابة حروفه اللاّتينيّة بالحبر الصّيني، وكانت تحفة وغاية في الجمال “Un vrai chef-d’oeuvre”، وعبثا حاولتُ اقتفاء أثره. وعثرتُ على مسودّة لميزانية التسيير التي شرع في إعدادها لكنه لم يفلح في ضبطها، ومن ثمّ حاولتُ ضبط أرقامها، متلكأً كبطّة عرجاء، وشيئا فشيئا وبمساعدة من هنا وهناك ومن هذا وذاك، استطعتُ إعداد الميزانية وما تبعها من جداول وملحقات، وكانت أوّل وأصعب تجربة تعترضني في مسيرتي المهنيّة آنذاك. أما سجّلات محاضر الاجتماعات فأعدتُّ نسخها باللّغة العربية تزامنا مع التّعليمات الظرفية القاضية بضرورة تعريب جميع الوثائق باللّغة الوطنية والتي كانت تصدر من جهات رسمية، محليّة ومركزية.
بمرور الأيام تولّدتْ لديّ فكرة عن الشّغل، ولم تكن لديّ أيّ صلاحيات فعليّة ورسميّة استند إليها في تأدية مهامّي في غيّاب نص قانوني واضح وملزم، وفي وسط سادت فيه أشياء لا أتقنها مثل؛ الرّشوة والمحسوبية والمحاباة واستغلال النّفوذ و.و.. فرحتُ أفكّر في وسيلة، (واستحضر هنا نكتة سياسيّة قديمة عن الزّعيم الرّاحل (لحبيب بورقيبة) الذي خطب في الشّعب التونسي ذات يوم يقول: ” لابد من وسيلة” وكان يقصدُ بذلك وسيلة الرّقي للنّهوض بتونس، فجاء الردّ من الجمهور بالهتافات: ” “تحيا وسيلة” ” تحيا تونس ” ، قاصدا حرم الرّئيس)، ولم أفلح في إيجاد طريقة ما تمكّنني من أداء مهامّي بصفة عادية وهادئة بعيدا عن كل الضّغوطات والاستفزازت كانت تعترض سبيلي. ودفعني هذا الأمر إلى اهمال الشّغل، ووجدتُّ ضالّتي في الشّهادات الطبيّة لتبرير الغيابات المتكرّرة والمقصودة.

رسالة من داخل السّجن
(رواية قيد الإنجاز)

ولم تجد عديد الرّسائل والشّكاوي التي كنتُ أرفعها إلى كل من رئيس دائرة “سدراتة” ومدير الادارة المحليّة بولاية “سوق أهراس”، طريقها إلى الاهتمام والرد، ولأنّ القانون البلدي يمنح صلاحيات صلاحيات التحكّم في الإطار البشري بالبلديات لرؤساء المجالس الشعبية المنتخبة “الأميار” آنذاك.
كما كنتُ اصطدم بإصرار أبي على رجوعي إلى العمل كلّما قرّرتُ التوقّف عنه نهائيا، وبقيتُ على تلكم الحالة، أُكابِد وأُصارع وأُقاوم، بين مطرقة الواقع المهنيّ المشين وسندان الواجب الأسري المرير.
ومازاد في معاناتي أكثر فأكثر هو حرماني من وسيلة التنقّل اليومية، الضرورية لمزاولة الشّغل بهذه البلدية النّائيّة. واتّخذتُ قراري في النّهاية …/…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى