مقال

أليس الربّ بالمرصاد؟!                           من رواية قنابل الثقوب السوداء

أليس الربّ بالمرصاد؟!

من رواية قنابل الثقوب السوداء

بقلمي:إبراهيم أمين مؤمن

كرّس جاك حياته لدراسة الثقوب السوداء الفضائيّة وكلّ ما يتعلق بها مذ أن شاهد نجم سحابة أورط؛ وعلى ذلك فقد قرر أن يرابط حول المراصد لمراقبته حتى يسارع في إدراك العالم قبل أن يتحول إلى ثقب أسود حسب ما يظن وإن كان يأمل أن يتحول إلى قزم أبيض بحسب ما ارتأى خبراء ناسا.

وعلى طول فترات المرابطة وهو يردد قول واحد وهو: «نفسي فداء للبشرية

وكثيرًا ما كان يفكر في شأن هذا النجم، ويتساءل قائلا: «لماذا ساقه الرب إلينا في هذا التوقيت بالأخص؟!»

وأجاب بنفسه: «أيكون عقابًا للعالم بسبب تناحره الذي قد يؤدي إلى قيام حرب نووية؟ أم يكون ردءًا لهذا العالم حتى لا تُُقام هذه الحرب؟»

تبسّم ساخرًا مستعبرًا عندما استحضر في نفسه حالة الناس الوحّشية وحال الثقب معهم، حيث إنّهم تذئبوا، وتثعلبوا، فنصبوا كمائن العنكبوت ليمصّوا دماءَ بعضهم بعضًا، وبنوا حضارات العناكب في كل مكان، وها هي السماء تنتفض انتقامًا لتغيث الأرض فتفنيهم وحضاراتهم العنكبوتية الحمقاء.

أليس الربّ بالمرصاد؟

ثمّ عاود وتعجّب من شأن النفس التي جُبلت على الظلم فقال: «ولِمَ كلّ هذا وقد منحها الله كلّ سبل دعم الحياة ووهبها ما يُبقي على حياتها؟»

وبينما تصارعه هذه الخواطر رن جرس هاتفه، إنه فهمان.

وبعد أن تبادلا الترحيب أخبره فهمان بما فعله الرئيس مهديّ بشأن تَبْرِئةً والده، فسُرّ جاك بذلك أيّما سرور رغم الهمّ الساري بأوصاله بشأن توحّش الناس.

سأله فهمان عن أحواله، فأجابه جاك بكل ما يدور بخلده بشأن نجم سحابة أورط.

قال فهمان بغضب: «ما أرسل به إلّا ذاك الملعون إبليس وأعوانه.»

– «وما شأن إبليس بالثقب؟»

– «هذا الثقب أرسله الله انتقامًا من الناس بما كسبت أيديهم بعد أن أوحى إليهم ذاك الملعون المسمى بإبليس.»

– «أرى أن النفوس لا تحتاج إلى وحي الشياطين يا فهمان لكي تفجر أمامها.»

– «على كل، افعل أنت ما يحلو لك، وآمن بما تعتقد، أما أنا، فلن يقر لي قرار، ولن ينام لي جفن، ولن يطيب لي فراش حتى أدق عنق ذاك الإبليس، وأقسم بربي

لأذهبن إليه عبر بوابتهم، عندئذ، سيقف أمامي صاغرًا لأعد عليه أعماله، وآمره فإن لم يمتثل قتلته على الفور ليكون عبرة للشياطين.»

أشفق جاك على فهمان فور سماعه تلك الكلمات؛ لأنه يعلم أن أمر طرق بوابة إبليس صعب المنال، والمستحيل أن يصل في عقر داره سالمًا.»

 

***

رسالة ماجستير جاك

اسم الطالب: جاك الولايات المتحدة الأمريكيّة.

تخصص الرسالة: علم الفلك والفضاء.

الرسالة بعنوان: ماذا لو اتجه نجمٌ هِرمٌ إلى مجموعتنا الشمسية وتحوّل إلى ثقبٍ أسود؟

المشرف على الرسالة: أستاذان في علوم الفضاء والفلك.

لجنة المناقشة: لفيف من أساتذة الفضاء والفلك.

القاعة : قاعة كليّة العلوم ببيركلي.

التاريخ : في المستقبل .

ومن أجل المناقشة، زحف الجمهور الأمريكيّ من كاليفورنيا وكذا بقية الولايات إلى بيركلي، وكذلك حضر بعض الأجناس الأخرى ممن يقيمون فيها، والسبب يرجع لعدة عوامل منها: تسابق بروفيسورات الكليّة للإشراف على رسالته، وذكر الدور البطوليّ الذي قام به لإنقاذها من الحريق، واسمه الغريب المسمى نفسه به لأنّه مجهول النسب بالفعل، وإتقانه المنقطع النظير في معرفة دروب ومسالك المجرّات، وكان العامل الرئيس لكثرة الحاضرين هي حملة إعلامية قامت بتدشينها إسرائيل.

ولقد صرّح بعضٌ من العلماء أنّ هذا الفتى سوف يتجاوز علمه علم الكثير من بروفيسورات العالم، بل قال قولا عظيما فيه: «يبدو أن آينشتاين بُعث من الممات!»

ومما حفز الشعب الأمريكيّ على الحضور بهذه الأعداد الكثيفة هو ظن الكثير منهم ولاسيما رجال الدين منهم أنّ هذا الفتى هو المسيح المنتظر، فهم لم ينسوا مطلقا قول القساوسة في خضم حريق الجامعة: «إنّ الله حمى تلك الجامعة من أجل رجل سينزل بها سوف يخلّص العالم من كارثة سوف تلم به.»

وما زالت الدوائر العلميّة وبعض الدوائر السياسيّة في شتى بِقاع الأرض تنتظر الحدث المثير والذي سوف يشاهد عبر الشاشات .

كذلك الدوائر العلميّة والسياسيّة في أمريكا من: رؤساء الجامعات، وأعضاء الكونجرس، ومجلس الشيوخ، ورجال البيت الأبيض.

كلّ إمّا على أرض بيركلي أو أمام الشاشات.

وفهمان ينتظر الآن مشاهدة المناقشة أمام شاشة التلفاز، عيناه مليئتان بدموع الفرح وهو يشاهد الجمع الغفير الذي أتى من أجل صديقه من كافة الولايات .

أمّا العالم الفذُّ ميتشو كاجيتا فيشاهدها عبر التلفاز وعيناه تقدح شررا من جمرات جهنم.

 

العرض التقديمي

جلس على كرسيّه وأمامه طاولة وعلى يمينه شاشة عملاقة، أمسك بعصا وأشار إلى حركة النجوم وتجمعاتها في بعض المجرّات، وأخذ يشرح قائلا: «حركة النجوم، السماء ملآنة بمليارات النّجوم، يصل بعدها عنّا من أربعة سنة ضوئية إلى الملايين منها، وهي تتجمع على هيئة عائلات تسكن في ناطحات سحاب المجرّات ، وستجدون في ….إلخ.»

ظلّ يتكلّم عن النجوم حتى بلغت براعته أن أحد الفلكيين الجالسين قال: «الفتى رسم خريطة جغرافية للمجرات وهو قائم بيننا، رباه ما هذا الذي أراه، ما أسعد بلدك بك أيّها الفتى الفذّ، بل ما أسعد هذا الجيل وأنت فيه يا فتى، فقد شرفتهم.»

وما زال جاك يتكلم عن النجوم؛ لم ينته بعد فاستأنف: «وقد يشردُ نجمٌ عاق عائلته ثمّ يأتي ليستعمر مجموعتنا الشمسية، لكن كيف يستعمرها؟ هذا ما سوف تعرفونه لاحقًا في السطور اللاحقة.» استراح قليلا ليمسح عرقا قد قذفه الهم والخوف الساري بأوصاله على البشرية، ثم انتفض واقفًا وأشار بالعصا إلى صورة للمجموعة الشمسيّة وما حولها من كواكب سيّارة في فلك الشمس وهو يقول: «وما خارج عائلة المجموعة الشمسيّة؟ هذه هي المجموعة الشمسيّة كما تروْن، إنّها تتحزّم بحزام عبارة عن سحابة اسمها سحابة أورط، هذه السحابة وما خلفها عبارة عن مجرات ونجوم وكواكب وكويكبات ومذنبات تبتعد عن بعضها من عشرات إلى ملايين السنوات الضوئيّة.» صمت هنيهة ثم أشار مجددًا على موضع فيها وهو يقول: «هنا، هنا بالتحديد سكن نجمنا المارق، هرب من أبويه وأخواته ليستعمرنا، يستعمرنا من هنا، فيحرقنا هنا، يحرق أولادنا هنا، سوف ينادينا بجاذبيته ليحرقنا من هنا، سوف ..»

لجلج ثم انهار بجبال خوفه المتطفلة في فضاء قلبه: «ولن يستطيع إلّا بعد أن يموت، ثمّ يُعاد إلى الحياة، يعود وحشًا، أتعلمون كيف، سأقول لكم، يتقيأ أولاً وقوده النوويّ، ويظلّ يصغر حتى يصبح بحجم هذه القاعة (يتكلم وهو يشير بيده اليمنى) مع أنّه كان بحجم الشمس، ويموت مودعًا حياة النجوم ومنضمّاً إلى زمرة وحوش الثقوب السوداء، عندئذٍ يخبّر عن نفسه، فيطهو الأرض داخل أمعائه..و ..»

ظلّ يغمغم بكلام غير مفهوم تبعه صمت ثمّ رجف بالجسد ثمّ نشْج، ثمّ انهدّ وانهار كالجبل على كرسيّه بوجه كلون الشمس وقت الغروب.

وصمت الجميع، وعمّ الصمتَ، ليس في القاعة فقط؛ بل عبر الشاشات من كلّ أنحاء أمريكا والعالم. فإيمان الشعب الأمريكيّ به جعله يظنّ أنّ هناك بالفعل نجمًا سوف يهدّد الأرض.

فتساقط العشرات من الحاضرين والمئات من أنحاء العالم مغشيًا عليهم، بينما البعض تماسك وأخذ يتلو صلاته مشيرًا على كتفيه وجبهته قائلاً ليرحمنا الربّ.

وعليه فقد أطلقت الحكومة سيارات إسعافها لتطلق سراينها المتواصلة في شتى أنحاء الولايات لنقل الناس وعمل الإسعافات الأوليّة لهم .

قال فهمان عندما شاهد صديقه يتضعضع . .ربنا يلطف بك صديقي الرحيم، فأنت تعلم ما لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى