مقال

وقفه إيمانية و إتساع أبواب الخير ” الجزء التاسع

وقفه إيمانية و إتساع أبواب الخير ” الجزء التاسع ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع إتساع أبواب الخير، وقد توقفنا عندما قال أبو الدحداح إني قد أقرضت ربي عز وجل حائطي “أي بستانى، وكان فيه ستمائة نخلة” وأم الدحداح فيه وعيالها، فناداها يا أم الدحداح، قالت لبيك، قال أخرجي من الحائط، يعني أخرجي من البستان، فقد أقرضته ربي عز وجل، وفي رواية أخرى، أن امرأته لما سمعته يناديها عمدت إلى صبيانها تخرج التمر من أفواههم، وتنفض ما في أكمامهم، تريد بفعلها هذا الأجر كاملا غير منقوص من الله تعالى، لذلك كانت النتيجة لهذه المسارعة أن قال النبي صلى الله عليه وسلم “كم من عذق رداح “أى مثمر وممتلئ” في الجنة لأبي الدحداح” رواه احمد، وهذا هو أبو طلحة الأنصارى، فقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، يقول الله تبارك وتعالى في كتابه كما جاء فى سورة آل عمران ” لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” وإن أحب أموالي إليّ بَيرحاء، وكانت حديقة يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم ويستظل بها، ويشرب من مائها.

 

فهي إلى الله عز وجل، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال صلى الله عليه وسلم” بخ يا أبا طلحة، ذاك مال رابح، ذاك ما رابح، قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين، فتصدق به أبو طلحة على ذوى رحمه” رواه البخاري ومسلم، فكانت هذه صورة مشرقة، ولوحة رائعة يزيّنها مسارعة الصحابة، ومبادرتهم إلى فعل الخيرات، يوم أن عظم الخطب واشتد الأمر علي رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم تبوك الذي سماه الله تعالى يوم العسرة كما قال الله تعالى فى سورة التوبة ” لقد تاب الله على النبى والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه فى ساعة العسرة” فلقد فتح الرسول صلى الله عليه وسلم باب التبرع علانية حتى يحفز المسلمون بعضهم بعضا، وكان أول القائمين عثمان بن عفان رضي الله عنه، لقد قام فقال “علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله” فسُرّ رسول الله صلي الله عليه وسلم بذلك سرورا عظيما.

 

فهذا عطاء كثير ثم فتح باب التبرع من جديد، فقام عثمان بن عفان ثانية يزايد علي نفسه، قال”علي مائة بعير أخرى بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله” فسعد به رسول الله صلي الله عليه وسلم سعادة عظيمة، حتى إنه قال “ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم” ولكن هل سكن عثمان أو اطمأن؟ انظر إليه، لقد أخذ يدفع من جديد حتى وصل ما تبرع به إلي ثلاثمائة بعير، وفي رواية أخرى تسعمائة بعير، ومائة فرس، ثم ذهب إلي بيته، وأتى بألف دينار نثرها في حجر رسول الله صلي الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها متعجبا، وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه أتى بأربعة آلاف درهم، وقد يقول قائل إنها أقل بكثير مما جاء به عثمان لكنها تعتبر أكثر نسبيا من عطاء عثمان سبحان الله لأنها كل مال أبي بكر الصديق حتى إن رسول الله صلي الله عليه وسلم سأله “وماذا أبقيت لأهلك؟ قال له في يقين “أبقيت لهم الله ورسوله” وأتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنصف ماله، وهو كثير، بل كثير جدا.

 

وكذلك عبد الرحمن بن عوف أتى بمائتي أوقية من الفضة، وهذا أيضا كثير، بل إن النساء أتت بالحلى فكان الكل يشارك، فكانت قضية إسلامية تشغل كل فئات الأمة حتى الفقراء الذين لا يملكون إلا قوت يومهم، جاءوا بالوسق والوسقين من التمر، تمر قليل يُجهزون به الجيش الكبير؟ نعم قليل، لكن هذا كل ما يملكونه، سيطعمون جنديا أياما، قد لا يعني هذا في نظر بعض الناس شيئا، لكنها تعني بالنسبة لهم الكثير، وتعني أيضا عند الله الكثير والكثير، حتى إن المنافقين كانوا يسخرون من هذه العطايا البسيطة فأنزل الله دفاعا عظيما في كتابه عن هؤلاء الفقراء المتصدقين فيقول تعالى كما جاء فى سورة التوبة ” الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين فى الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم” وهذه صورة مشرقة لأب وابنه، لما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى الخروج إلى عير قريش، قال خيثمة بن الحارث لابنه سعد “إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم فآثرني بالخروج.

 

وأقم مع نسائك، فأبى سعد، وقال لو كان غير الجنة لآثرتك به، إني أرجو الشهادة في وجههي هذا، فاستهما “أي اقترعا” فخرج سهم سعد، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فقتل يومئذ” وهذا أبو مسلم الخولاني عندما كان يقوم الليل فإذا تعبت قدماه ضربها بيديه قائلا ” ﻗﻮﻣﻲ ﻓﻮﺍﻟﻠﻪ ﻷ‌ﺯﺣﻔﻦ ﺑﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺯﺣﻔﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻜﻠﻞ ﻣﻨﻚ ﻻ‌ ﻣﻨﻲ، ﺃﻳﻈﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻣﺤﻤﺪ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺄﺛﺮﻭﺍ ﺑﻪ ﺩﻭﻧﻨﺎ، ﻭﺍلله ﻟﻨﺰﺍﺣﻤﻨﻬﻢ ﺇﻟﻴﻪ ﺯﺣﺎﻣﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻌﻠﻤﻮﺍ ﺃﻧﻬﻢ ﺧﻠﻔﻮﺍ ﻭﺭﺍﺀﻫﻢ ﺭﺟﺎﻻ‌” فهو يريد المنافسة ويريد أن يزاحم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار الآخرة، وهنيئا له بهذه المنافسة الشريفة، ولقد كان التنافس هو سبب لرفع الهمة، وإثارة الحماس، ويكشف معادن الرجال، والتنافس المحمود يثرى الحياة، ويجعل المسلم يطمح إلى السمو بنفسه والارتقاء بعلمه وعمله للسعى إلى الكمال، فلابد من التنافس في مبادرة الأعمال الصالحة قبل ظهور العوائق، وكما أن الصالحين تنافسوا في الخير والفوز به وتسابقوا في الوصول إليه.

 

فإن الطالحين وأهل الهوى والشهوات تنافسوا في المنكرات وتسابقوا في ارتكاب المحرمات والسقوط في حمأتها، فكان التنافس على الدنيا، وهذا ما حذر منه الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم وهو التنافس على الدنيا وزهرتها على حساب الآخرة وبهجتها، وإن التنافس في الدنيا قد أوقع الناس في الشح الذي حملهم على قطع الرحم وعقوق الآباء، والإساءة إلى الجيران، ولم يعد مسلم يعرف لأخيه المسلم حقا بسبب التنافس في الدنيا، ولذلك حذر الإسلام من التنافس في الدنيا لما فيه من المفاسد، ولذلك يقول أحد السلف “إذا رأيت من ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة” وكذلك المسارعة بالكفر والإثم والعدوان، وإن التنافس في أعمال الإثم سمة أساسية من سمات اليهود، كما قال تعالى عن اليهود كما جاء فى سورة المائدة ” وترى كثير منهم يسارعون فى الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون” وكذلك التنافس في تضليل المؤمنين والإفساد بينهم، وهذا التنافس ذميم وتسابق أثيم على قتل العفه فى بلاد المسلمين.

 

ونشر الرذيلة فى أوساط المؤمنين، وتطبيع السفور والانحلال، وفرضِ اختلاط النساءِ بالرجال، في ميادِين العمل والتعليم، فنجد كثير من الشباب يتنافس في نشر المخدرات والأفلام الإباحية وسط أقرانه، والبعض يتنافس في إظهار أحدث أنواع الموضة العالمية ويتفاخر بذلك، وفي طريقك إلى الله تعالى لن تجد لوحات تطالبك بتهدئة السرعة، وتحدد لك السرعةَ القصوى وتحذرك بمراقبة الرادار، بل ستجد مجموعة من اللوحات فى الطريق، مكتوبا على إحداها سابقوا، وعلى الأخرى وسارعوا، وعلى الثالثة فاستبقوا، ولذلك إن استطعت أن تسارع وتسابق وتبادر وتغتنم حياتك قبل موتك فافعل، واعلم بأنك ستجد أول الطريق مزدحما، وأما في آخره فلن تجد إلا قلة مختارة مصطفاة، فاحرص على أن تكون منهم ومن هنا يقول الحق تبارك وتعالى ” وفى ذلك فليتنافس المتنافسون” وقال صلي الله عليه وسلم ” من استطاع منكم أن يقى وجهه حر النار ولو بشق تمره فليفعل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى