فى مثل هذا اليوم

في ذكرى سقوط مدينة حيفا العربية الفلسطينية

في ذكرى سقوط مدينة حيفا العربية الفلسطينية 

كتب/ يوسف المقوسي

 

في نيسان كان العهد قاسيا على حيفا .

حين أصبحت مدينة حيفا حبرا على بطاقة اللاجئين

 

في حيفا كانت الحياة وكان التجديد وكانت الرفاهية 

حتى ما قبل الحداثة كان الحلم موجودًا وكانت الطمأنينة تسود كل شبر من أراضي فلسطين. كان كل شيء يوحي إلى حياة ونبض مدينة، فقد كانت حيفا مركزا اقتصاديا بلغ مدى كبيرا في أوائل سنوات الانتداب البريطاني لفلسطين، كما أنها كانت نقطة الجمارك ونبضها التجاري المتواصل بين الغرب والشرق من جهة البحر الأبيض المتوسط .

 

كانت حيفا ميناء مزدهرا، وفيها مصنع هام للبتروكيمويات وللطاقة التي اشتهرت بها من خلال هذه الامتيازات في وقت مبكر ما قبل الحداثة .

 

كان يمر عبرها خط فلسطين الحجاز، لمن قصد السفر لها.

 

كل هذة الامتيازات فتحت وفسحت المجال لسكان حيفا العرب والوافدين إليها للعمل بكل مراكزها التي أصبحت فيما بعد معلما هاما أضفى نوعية هامة في تضاريس المدينة وجماليتها.

 

لم يسدها التطرف ولا حتى التوترات التي وضعتها لاحقا الحركات الصهيونية التي لم تحل لها هذه التطورات، ولا ذاك الازدهار الذي تنتعش به المدينة ولا ذاك الرقي المستمر الذي نتج بأياد عربية ..

 

ففي حيفا كان اليهود يسكنون بمعظمهم في أعالي جبل الكرمل ومنطقة الهدار، بينما سكن العرب في البلدة القديمة في شوارع وأحياء ما زالت بصماتهم عالقة بحجارتها اليابسة المزركشة .

 

وكانت الأحياء تحمل أسماء مختلفة اكتسبت معاني وشخصيات يبدو أنها زارت حيفا أو أسماء ملوك كشارع الملوك الذي ارتبط أسمه لكثرة الملوك الزائرين للمدينة، وفيها شارع وادي النسناس، وشارع وادي الجمال، وعباس، وبات جاليم . الخ.

 

ناهيك عن أن العلاقات الاجتماعية ما بين الطرفين لم تكن منقطعة بأي سبب من الأسباب بكل كانت مترابطة وحميمة يسودها جو من الاحترام والتعايش المشترك.

 

كانت الحركات الصهيونية تهدف لتمزيق المجتمع العربي بشقيه السياسي والثقافي، حيث بدأت العملية باسم ” المقص “، فأدت هذة الخطة إلى فصل المدينة عن الأرياف والقرى المجاورة لحيفا، وإلى جعلها بمعزل تام.

 

وبما أن حيفا كانت ميناء رئيسيًا لفلسطين فقد رحل منها آخر الجنود البريطانيين المتآمرين على الفلسطينيين.

 

وبدأت سلسلة الرعب وبث الذعر في نفوس أهالي المدينة العرب في كانون الأول من عام 1948.

 

بعد عمليات قصف عنيفة قام بها اليهود بين الفترة والأخرى من مركزهم في أعالي الجبال وبأدوات رخيصة، كدفع البراميل النفطية من أعالي الجبال وحذفها إلى المناطق العربية المأهولة بالسكان، وهذا نوع من التخويف الصوتي !

 

أهل حيفا مسيحيين ومسلمين بعد هذه الحوادث بات مسكنهم الكنائس والأديرة والجوامع ومنهم من هجرها مجبرا إبان الطلقات الأولى، ومنهم البرجوازيون والطبقة المالكة، وقد فروا لوجهات عديدة من الدول والأقطار العربية بحثًا عن الأمان، وأملاً في الرجوع بعد التهدئة، وكانوا يحملون مفاتيح عديدة لبيوتهم ومتاجرهم وأماكن عملهم، ومنها خزنائهم التي تغيرت أبوابها مع الزمن. ولم يعد منهم احد، وبقوا في مخيمات الشتات، وأصبحت المفاتيح علامة ذكرى لنكبة حيفا المدينة الجميلة..

 

أرادوا حيفا نظيفة من العرب

 

لقد اراد اليهود والانكليز حيفا نظيفة من سكانها العرب الأصليين بعد أن تعالت أصوات يهودية رسمية وغير رسمية تطالب العرب بالبقاء حسب رواية الكثير من المعاصرين اليهود والعرب

 

وخاصة رئيس البلدية ” شبتاي ليفي ” الذي صاح بمكبرات الصوت بان لا يخرج أهالي حيفا منها، وأنه كفيل بتوفير الحماية اللازمة لهم، وردع اليهود وهجماتهم، وان حيفا كانت وما زالت مدينة تعايش بين الطرفين !!

 

لكن ما هي إلا خدعة من شخص صهيوني لا تمته أي صلة بينه وبين العرب. وهي خطة استعملت في أولى المدن الفلسطينية التي قدمت قربانا، وهي طبريا التي هجر أهلها من مدينتهم، وكان اليهود مستاءين من هذة الهجرة السريعة التي أودت بتهجير كافة السكان عن المدينة دون أي ذنب حسب الروايات الشفوية من معاصرين يهود وعرب ..

 

اغتيال الثقافة الفلسطينية بحيفا العربية 

 

سقطت مدينة حيفا في 1948 – 4-21 أي قبل انتهاء صلاحية الانتداب في تسليم فلسطين للحركة الصهيونية بثلاثة أسابيع- الأمر الذي أعطى الضوء الأخضر لتطهير حيفا عرقيا، وتفريغها من العرب وبأي وسيلة.

 

ُهجر الكثير من سكانها وكان هدف الحركات الصهيونية تدمير واغتيال المعالم الثقافية والاجتماعية التي كثرت بحيفا ما قبل النكبة وما زالت هذه المعالم شامخة، وذلك بالرغم من هدم الكثير منها، وطمس الحقائق التاريخية. وبرغم هذا الاغتيال التاريخي فما زالت شواهد على خلود هذه المدينة في وجدان الشعب الفلسطيني ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى