مقال

نسائم الايمان ومع الأعمال ما بين الصدق والباطل” الجزء الثامن

نسائم الايمان ومع الأعمال ما بين الصدق والباطل” الجزء الثامن

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع الأعمال ما بين الصدق والباطل، وقيل أيضا أن أنس بن النضر رضي الله عنه، كان يأسف أسفا شديدا لعدم شهوده بدرا، فقال والله لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليرين الله ما كيف أصنع، وصدق في وعده مع الله، فلما كان يوم أحد مرّ على قوم أذهلتهم شائعة موت النبي صلى الله عليه وسلم، وألقوا بسلاحهم، فقال “ما يجلسكم؟ قالوا قُتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ياقوم إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد قُتل فإن رب محمد حي لا يموت، وموتوا على ما مات عليه رسول الله” وقال “اللهم إني أعتذر إليك مما قال هؤلاء” ثم لقي سعد بن معاذ فقال “ياسعد، إني لأجد ريح الجنة دون أحد” ثم ألقى بنفسه في صف المشركين وما زال يقاتل حتى استشهد، فوجد فيه بضع وثمانون ما بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، فلم تعرفه إلا أخته ببنانه” وكذلك فإن من المجالات المهم فيها الصدق هو البيع والشراء، وما أكثر الكذب الآن، في البيع والشراء. 

 

فإن الصدق في البيع والشراء سبب للبركة، قال النبي صلى الله عليه وسلم، البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال حتى يتفرقا فإن صدقا وبيّنابين البائع السلعة هل فيها عيب أم لا؟ فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما” رواه البخاري ومسلم، والآن الناس يغشون في الحراج، وفي أسواق السيارات وغيرها، ولذلك كثير منهم لا بركة في مكاسبهم، وخصوصاً الذين يشتغلون في معارض السيارات من هؤلاء الدلالين وغيرهم، يقولون: سكر في ماء، وملح في ماء، وكومة حديد، وسيارة لا تفتح ولا تغلق، لا تمشي إلى الخلف ولا إلى الأمام، ثم يقولون: برئت الذمة، وهم يعلمون الخلل الذي فيه، فهذا حرام، ولو رضي المشتري فهو حرام، ونحن في هذا الزمان وهو آخر الزمان، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، أن الكذب سيفشو فيه، والصدق سيقل، وأن الصادقين سيضطهدون، فقال في الحديث الصحيح ” سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق” 

 

“ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة؟ قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة”رواه ابن ماجه ” وفي أمر عامة الناس، وكل أهل البلد، يتكلم في أمرهم الرجل التافه، ولذلك المؤمنون يتحرون الصدق ولا يدفعهم ألم الغربة إلى أن يكونوا مع الكذابين ولو كثر الكذب، ولقد أصبح الكذب الآن من أهون الأشياء عند الناس، وإن بعض الناس يستسهلون الكذب في المزاح ويحسبون أنه مجال للهو، ويختلقون الأخبار من أجله، والإسلام أباح الترويح عن القلوب لكن ليس بالكذب، قال النبي صلى الله عليه وسلم ” أنا زعيم بيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب ولو مازحا “رواه النسائى، وقال صلى الله عليه وسلم ” ويل لمن يحدث بالحديث ليضحك منه القوم فيكذب، ويل له ويل له “رواه ابو داود والترمذى والنسائي، والشاهد أن الناس يطلقون الأعنة لأخيلتهم في تلفيق الأضاحيك، ولا يحسون حرجا في إدارة الحديث المفترى المكذوب، ليتندّروا بالخصوم ويسخروا منهم، أو بخلق الله.

 

وهذا اللهو بالكذب حرام ولا شك فيه، وقد يلجأ الإنسان للكذب للتملص من خطأ وقع فيه، وهذا غباء وهوان، وهو فرار من شر إلى شر أشد منه، فالواجب أن يعترف بخطئه فلعل صدقه ينجيه ويكون سببا في مسح هفوته، ومما يروى عن الحجاج هذا الظالم الباغي الفاجر أنه كان إذا صدقه الخصم عفا عنه، ومن الأسباب التي تدفع إلى الكذب هى الديون، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم، يدعو في الصلاة ويقول “اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا ومن فتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم” وهذا الحديث كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم، أيضا في الصلاة” أعوذ بك من المأثم والمغرم” فقال له قائل ما أكثر ما تستعيذ من المغرم، فقال “إن الرجل إذا غرم حدّث فكذب ووعد فأخلف “رواه البخاري ومسلم، وهذا حال المديونين من الناس، فإنهم يقولون غدا سوف أعطيك، وهو كذاب ويعده إلى الوقت الفلاني وهو كذاب. 

 

وكذلك فإن من أعظم الكذب الكذب على الله بتحليل ما حرمه أو بتحريم ما أحله، أو إسقاط ما أوجبه وإيجاب ما لا يجب، أو كراهة ما أحبه واستحباب ما كرهه، هذه من أعظم الكذب، وكذلك الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم” إن كذبا عليّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار “رواه البخاري ومسلم، وهذه خطورة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك فإن للكذب علامات وأمارات كما قلنا في الصدق، فمن علامات الكذاب، أنك إذا لقنته حديثا تلقنه ولم يكن بينه وبين ما حكيته فرق عنده، وأخذ مباشرة أي شيء تقوله، أنك إذا شككته فيه تشكك حتى يكاد يرجع عنه، وإنك إذا رددت عليه قوله، حُصر وارتبك ولم يكن عنده نصرة المحتجين، ولا برهان الصادقين، إذا رددت عليه أبلس، أما الصادق إذا رددت عليه قوله ثبت عليه، وكذلك ما يظهر عليه من الريبة والتخبط في الكلام، لأن هذا لا يمكن أن يدفعه عن نفسه، كما قالوا الوجوه مرايا تريك أسرار البرايا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى