مقال

نفحات إيمانية و لله على الناس حج البيت ” الجزء العاشر”

نفحات إيمانية و لله على الناس حج البيت ” الجزء العاشر

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء العاشر مع لله على الناس حج البيت، وهناك مواقف تحصل للحاج منها هو خروجه من بلده ومفارقته أهله، فيذكر بالفراق حال الخروج من الدنيا، والتجرد من المخيط وترك الزينة، وهو يذكر بالكفن وخروج العباد من قبورهم حفاة عراة غرلا، والترحال والتعب والازدحام مع العطش والعرق، وهو يذكر بمواقف عرصات القيامة وحشر العباد، وكذلك التربية على الاستسلام والخضوع لأمر الله تعالى والمجاهدة فيه، ويكون هذا بإيثار محاب الله ومرضاته على رغبات النفوس وشهواتها مما يقود إلى مرتبة أعلى ومنزلة أسمى حين لا يكون للعبد إيناس ولا استئناس إلا بما يرضي الرب سبحانه وحينها يبلغ إيمان المسلم درجة عالية عزيزة بفضل الله وتوفيقه، وأيضا تعميق معاني الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية. 

 

فالحج مؤتمر إسلامي عالمي كبير، تتحقق فيه الوحدة في مصدر التلقي وفي قصد القلب وعمل الجوارح وفي الزمان والمكان واللباس والذكر والمناسك، وتذوب فوارق اللغة واللون والإقليم بين المسلمين في حالة هي الأصل المتخلف ولله وحده المشتكى، وأيضا ربط الحجيج بأسلافهم، حيث تحمل أعمال الحج في مضامينها ذكرى أبينا إبراهيم عليه السلام ورحيله بزوجه هاجر وابنه الرضيع إسماعيل عليه السلام إلى مكة وماكان من أمرهم مرورا بباقي الركب الميمون من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وصولا إلى حجة الوداع مع خير الرسل وخاتمهم ثم استكمالا للمسيرة مع الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين إلى وقتنا هذا وكم في سير أولئك الكبار من دروس وعبر وكم فيهم من قدوة ومعتبر، وأيضا الإكثار من ذكر الله تعالى. 

 

والحج شعيرة يملئها الذكر ويمنحها مزيدا من الجلال والبهاء فقال سبحانه وتعالى “فاذكروا الله عند المشعر الحرام” وقال صلى الله عليه وسلم “إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله في الأرض” والتعود على النظام والانضباط، فللمناسك ترتيب ونظام لا يقبل الإخلال بهما وكم في الناس من مزاجية واضطراب لا تنضبط إلا بالحج، وأيضا التربية الإيمانية ومنها التربية على النفرة من المعاصي واجتناب الذنوب، والتربية على الاجتهاد في الطاعات واستغلال الوقت، والتربية على الدعاء والمسألة ولذة مناجاة الله “خير الدعاء دعاء عرفة” وفي الحج ست مواضع قمينة بإجابة الدعاء فضلا من الله ومنة وهى الطواف، الصفا والمروة، يوم عرفة، عند المشعر الحرام، بعد رمي جمرة العقبة الصغرى. 

 

بعد رمي جمرة العقبة الوسطى علما أن الحج كله سوق رائجة رابحة للدعاء والابتهال والاستغفار، وأيضا التربية على الاستقامة بعد الحج وغفران الذنوب وتبييض الصحائف، فقال الحسن البصري رحمه الله “الحج المبرور أن يرجع زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة، ويشهد لذلك قوله تعالى فى سورة محمد ” والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم” وكذلك تربية النفس على لدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاجتماع الناس وجهل بعضهم أحكام الحج فرصة سانحة لدعوتهم وتصحيح مفاهيمهم وتقويم سلوكهم كما أن وجود البدع والمنكرات وربما الشركيات يحتم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال شجاع بن الوليد “كنت أحج مع سفيان فما يكاد لسانه يفتر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاهبا وراجعا” 

 

وإن في الإحرام تربية حين يحرم المسلم نفسه ما أباحه الله من متع الدنيا ومتاعها وزينتها لغير المحرم، فكيف بالمحرمات على الدوام؟ ولم ينغمس البعض في حرام لا مرية فيه بينما يتحرز من حلال حرم عليه مؤقتا؟ وأيضا في التلبية تربية، ففيها تحقيق توحيد القصد وإجابة أمر الله ومعاهدة على الطاعة إثر الطاعة ومخالفة لطريق المشركين فإذا لبى الواحد داعي الله السنوي فما باله يتكاسل عن داعي الله اليومي؟ وأيضا التربية على صدق العزيمة وقوة الإرادة، فمن حج البيت فقد أرغم هواه وغالب لذة الراحة والدعة ومضى لأمر يعلم مشقة غير ملتفت لمخذل أو مرجف أو صارف وما أكثر الصوارف، وما أعلى صياح المخذلين بالحجج الواهيات والتوهيمات الساقطات، وأيضا التربية على هجر العوائد وقطع العلائق وتغيير نمط الحياة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى