مقال

نسائم الايمان ومع رحلة الحج ” الجزء الثامن “

نسائم الايمان ومع رحلة الحج ” الجزء الثامن ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثامن مع رحلة الحج، ويقول الإمام الرافعي بخصوص تدارك رمي يوم في اليوم الآخر وانه أداء على الأصح إن قلنا أداء فجملة أيام منى في حكم الوقت الواحد، وكل يوم للقدر المأمور فيه وقت اختيار كأوقات الاختيار للصلوات، ويجوز تقديم رمي يوم التدارك على الزوال، وانه لا دم عليه، ثم قال ونقل الإمام أن على هذا القول لا يمتنع تقديم رمي يوم إلى يوم لكن يجوز أن يقال إن وقته يتسع، وذهب إلى هذا القول أيضا من الحنابلة العلامة ابن الجوزي، جاء في الفروع وجوزه أي الرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر قبل الزوال، وفي الواضح بطلوع الشمس، وكذلك ابن الزاغوني في منسكه نقل عنه انه يجيز رمي الجمار أيام منى.

 

ورمي جمرة العقبة يوم النحر قبل الزوال، وبعض الصحابة والتابعين يرون ذلك، فقد روى الحافظ ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح على مسلم عن ابن أبي مليكه قال “رمقت ابن عباس رماها عند الظهيرة قبل أن تزول” فهؤلاء العلماء العظام الذين ذكرناهم قد ذهبوا إلى جواز الرمي قبل الزوال من بعد بعد غروب شمس يوم عرفة لجمرة العقبة الكبري وبعضهم من بعد منتصف الليل و كذا طلوع الشمس، وبعضهم من طلوع الفجر، وكفى بهم من حيث الاعتماد على أقوالهم في ظل عدم وجود نص صريح ثابت، وفي ضوء ذلك نحتاج إلى أن نمارس أنواعا جديدة من العبادات الغائبة أو المنسية، أو المسكوت عنها في أيام الخير هذه.

 

كما نسارع إلى الصوم وصلاة النافلة، والإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن، وترديد الاستغفار، والتكبير المطلق، نحتاج معها كذلك إلى أن نمارس عبادات الحب والمصالحة، والاعتذار والبِر والصلة، فهذه عبادات لا شك فيها كون بعضها داخلا في مفهوم التوبة، والبعض الآخر عبادة في ذاته، كالحب في الله، وصلة الأرحام، وبِر الوالدين، ونحن في حاجة في هذه الأيام المباركة إلى أن نشعر ذواتنا وأهلنا أننا نحبهم في ذات الله بالكلمة الطيبة التي هي صدقة، والبسمة في الوجه التي هي صدقة، واللقمة في فم الزوجة التي هي صدقة، وتعزيز شعور الابن والابنة بالثقة في الذات الذي هو إحسان، وبر الوالدين، وزيارة في الله، وصلة قريب،

 

وعيادة مريض، ومسح على رأس يتيم، وإفشاء سلام، وإهداء هدية، أليست كل هذه عبادات تحتاج في أيام عشرنا هذه إلى إحياء؟ أليست هذه عبادات إيجابية تنطلق من روح سامية، وتَصنع حولها جوا من التسامح والرضا، يؤدي إلى الإصلاح المنشود؟ فلتكن هذه وصيتنا في أول أيام العشر من ذي الحجة، أن نجتهد في العبادة وعلى رأسها عبادة التوبة، وإحياء العبادات الاجتماعية الغائبة، ولأبدأ بنفسي بعبادة الحب، والحث على اغتنام الأيام الفاضلة والساعات المباركة، وهو وإن كان ضعيفا، إلا أن أدلة الشرع متوافرة على ذلك من الحث على استباق الخيرات وتحين الفرص، كالدعاء يوم عرفة، وليلة القدر، وفي الثلث الأخير من الليل، وساعة يوم الجمعة، والدعاء حال السفر وفي مواضع السجود، وتشتمل فريضة الحج إلى بيت الله الحرام على العديد من الفوائد.

 

التربوية والإيمانية، وبسهولة ويسر يستطيع المطالع للنصوص الشرعية أن يصل إليها، من خلال التأمل في تلك النصوص، ومراجعة تعليقات علماء الأمة ودعاتها وسلفها الصالحين عليها، إلا أن الفوائد التربوية الجليلة المضمنة في هذه الشعيرة التي هي مِن أعظمِ شعائر هذا الدين، تدور في مجملها حول أمرين اثنين، فالأول هو إعلان صيحة التوحيد عالية مدوية تسد الآفاق، وتصم آذان الشرك، وتدك صروحه، وتزلزل كيانه ذلك لما في الحج من نفي العبودية أو الملك المطلق لغير الله تعالى، بل وإعلان وثيقة عالمية يوقع عليها نائبون عن أجناس الأرض من أدناها إلى أدناها، عربيها وأعجميها، شرقيها وغربيها أن الله تعالى واحد، وطريقه واحد، ونسكه واحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى