مقال

نفحات إيمانية ومع الحياة ” الجزء الأول “

نفحات إيمانية ومع الحياة ” الجزء الأول ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

إن أعظم المخاطر على دين العبد هو السَّير وراء حب هذه الدنيا الفانية بدون ضوابط شرعية ولا قيود دينية، وإن من أشد الفتن على المسلم هو التكالب على متاع هذه الحياة الزائلة، وجعلها الغاية والهدف بحد ذاته دون رقابة إيمانية، ومراعاة لأحكام إسلامية، وإن من الفتن الخطيرة على المسلم هو أن يجعل الدنيا أكبر همه، ومبلغ علمه، ومحور سعيه، وغاية وجوده، وقد تعوذ نبينا صلى الله عليه وسلم من هذه الحال المزرية، فقال عليه الصلاة والسلام “اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا” ومن غلب حب دنياه على حب دينه، وقدم شهواته على طاعة مولاه، فقد وقع في حبائل الشيطان الجسام، ومصائده العظام.

 

وإن الحياة الطيبة مطلب عظيم وغاية نبيلة، هي مطلب كل الناس وغاية جميعهم، عنها يبحثون، وخلفها يركضون، وفي سبيلها يضحون ويبذلون، فما من إنسان في هذه الحياة إلا وتراه يسعى ويكدح ويضني نفسه ويجهدها، كل ذلك بحثا عن الحياة الطيبة، وطمعا في الحصول عليها والناس جميعا على ذلك متفقون، ولكنهم يختلفون في معنى هذه الحياة وفي نوع هذه الحياة الطيبة، وتبعا لذلك فإنهم يختلفون في الوسائل والسبل التي توصلهم إلى هذه الحياة إن وصلوا إليها، مختلفون على كافة مستوياتهم كانوا، أمما أو شعوبا، أو مجتمعات صغيرة أو كبيرة بل حتى الأسرة الواحدة تجد فيها ألوانا شتى فتجد الأب، فتجد أن للحياة الكريمة والحياة الطيبة عند الأب في كثير من الأحيان.

 

معنى يختلف عن الحياة الطيبة عند ولده، وتجد أن للحياة الطيبة معنى عند الأخ يختلف عن معناها عند أخيه، وقد تجد أن للحياة الطيبة معنى عند الزوجة يختلف عن معنى الحياة الطيبة عند زوجها، وكَم قامت من أجل ذلك خصومات ومشاكل، وللناس في كل زمان أفهام حول هذه الحياة الطيبة، وهم تبعا لذلك أصناف فمنهم من يرى الحياة الطيبة في كثرة المال وسعة الرزق، وأنه إذا توفرت له هذه الأمور فإنه في حياة طيبة وحياة كريمة، فهو يسعى في ذلك ويجهد نفسه، ويسلك كل الوسائل التي يرى أنها تمكنه من الحصول على مطلبه بل بعض الناس يجعل من هذه الغاية مبررا لكل وسيلة، فيتخذ كل ما خطر بباله ويرى أنه يوصله لهذه الغاية، ولو كان مما حرم الله تبارك وتعالى.

 

إن كان من قبيل الربا أقدم ولا يبالي، حتى ولو ذكر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه” ويسعى إلى المال ولو كان من قبيل الرشوة، حتى ولو ذكر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم “لعن الله الراشي، والمرتشي، والمرشي، والساعي بينهما” ويسعى للحصول على المال، ولو كان بأكل أموال اليتامى ظلما، ويسعى للحصول على المال، ولو كان في أكل أموال الناس بالباطل، ويسعى للحصول على المال، ولو كان بالغش والأيمان الكاذبة والحيل المحرمة، كل ذلك بُغية أن يحصل على مقصوده ليحصل على ما يراه من حياة طيبة يضني نفسه ويجهدها، ويضني من تحت يده ويجهدهم بل ويظلمهم.

 

وبعضهم قد يصل إلى الذين حذر الله ورسوله منهم بقوله كما جاء فى سورة التوبة “فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها فى الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون” وكذلك يسعى ويرى أن غيره ممن لم يكن على شاكلته لم يعرفوا معنى الحياة الصحيحة بعد، ولم يذوقوا لها طعما، وقليل من الناس من يكسب المال من حلال، ويحرص على أن يضعه في حلال، ويجعله معونة على طاعة ربه حتى لا يفتنهم في دينهم،أما الكثير فإنك تراهم لا راحة لهم في أبدانهم ولا طمأنينة لهم في أنفسهم، إذا انخفضت الأسعار تمزقت قلوبهم جزعا، وإن ارتفعت الأسعار تقطعت قلوبهم طمعا، فهم على نارين، لا يهدأ لهم بال ولا يقر لهم قرار، يعيشون مفتونين في حياتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى