مقال

نفحات إيمانية ومع الرأفة والرحمة وجبر الخواطر “الجزء الخامس “

نفحات إيمانية ومع الرأفة والرحمة وجبر الخواطر “الجزء الخامس ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع الرأفة والرحمة وجبر الخواطر، وإن من لزم الأخلاق وصل لأعلى مراتب الحياة الطيبة وعاش كريما عزيز النفس، فإن الإنسان بعمق مشاعره التي هي أعمق من عمق البحار، ومقدرته على تحمل ما قد لا تطيقه الجبال الرواسي، هذا الإنسان هو الكنز المليء بالأسرار والعواطف ومختلف ألوان المشاعر لهو جدير بالكلمة التي هي بمثابة السفينة التي تشق عباب مشاعره على أن تكون الآمال شراعها، والصدق والإخلاص قاعدتها وهى صفة يحبها الله، ويأمر بها عباده، ويحث عليها في كثير من الآيات في كتابه، إنها صفة الرأفة، فإن الرأفة مأخوذة من كلمة رأف التي تدل على الرقة والرحمة، بل إن الرأفة أرق وأدق من الرحمة.

 

وقيل الرحمة أكثر من الرأفة، والرأفة أقوى منها في الكيفية لأنها عبارة عن إيصال النعم صافية عن الألم، ولقد وصف الله عز وجل، نفسه بالرأفة، وجعل الرأفة من صفاته سبحانه وتعالى، وسمى نفسه بالرؤوف في أحد عشر موضعا من القرآن الكريم، ومعنى الرؤوف أي الرحيم بعباده العطوف عليهم بألطافه المتناهي في الرحمة بعباده، الذي لا أرحم لهم منه سبحانه وتعالى، والرأفة صفة من صفات نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم التي شرفه الله تعالى بها، فوصفه بأنه رؤوف بنا، عطوف علينا، شديد الرحمة بنا، فقال سبحانه وتعالى فى سورة التوبة ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم” صلى الله عليه وسلم.

 

فقد كان حقا رؤوفا بالطائعين، رحيما بالمذنبين، مشفقا على الخلائق أجمعين، وإن التحلي بهذه الصفة العظيمة يتطلب من الإنسان أن يسعى بكل جهده، ويعمل بأقصى طاقته على رفع المكروه عن إخوانه، وحب الخير لهم، ونفعهم بكل ما يستطيع نفعهم به، وإزالة الضر عنهم قدر الإمكان، والتفاني في الحيلولة بينهم وبين الوقوع في الضرر، لأن الرأفة هي أن تدفع عن غيرك المضار، ولقد ذكر الله تعالى الرأفة في كتابه العظيم في آيات كثيرة، وبأساليب مختلفة، فمرة يذكر الرأفة بكونها اسما من أسماء الله الحسنى وصفة من صفاته العلى، فيقول تعالى “إن الله بالناس لرءوف رحيم” وقال تعالى “والله رءوف بالعباد ” وقال تعالى ” إنه بهم رءوف رحيم”

 

وقال تعالى ” إن ربكم لرءوف رحيم” وقال تعالى ” وإن الله بكم لرءوف رحيم” وفي آيات أخرى يذكر الله الرأفة باعتبارها صفة من صفات أوليائه المتقين وعباده الصالحين، وذكر الله تعالى رأفة موسى عليه السلام بتلك المرأتين الضعيفتين حين سقى لهما، فقال تعالى ” فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير” وفي سورة النور يذكر الله الرأفة بطريقة أخرى، حيث نهى عن الرأفة في إقامة حدود الله، أو الشفقة بمن وجب عليه حكما من أحكام الله، فقال تعالى ” الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر” وإنما ذكر الله الرأفة في الآية ” ولا تأخذكم بهما رأفة ”

 

ولم يقل لا تأخذكم بهما رحمة لماذا؟ لأن الرحمة حاصلة فعلا، فإن الجلد تطهير للزاني وقد ينتهي بها في نهاية الأمر إلى جنات النعيم، فرغم أن الحد في ظاهره عذاب وعقوبة لكنه في باطنه وحقيقته رحمة بالمعاقب ورحمة بالمجتمع، ولذا نهى الله تعالى عن الرأفة لأنها لو حصلت هنا فلا يمكن تنفيذ حد الجلد، وإن للرأفة صورا كثيرة وأنواعا مختلفة، ومن أعظم صور الرأفة هو أن يرأف الإنسان بنفسه ويرحمها، وذلك بوقايتها من عذاب الله، وتجنيبها الوقوع في سخط الله، والحيلولة بينها وبين النار، وكذلك الرأفة بالمسلمين والشفقة عليهم، وإظهار الرحمة بهم فإن المسلم رحيم بإخوانه، عطوف عليهم، رؤوف بهم، يحب لهم ما يحبه لنفسه من الخير ومجانبة الشر والضير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى