مقال

نفحات إيمانية ومع الإنسان بين الوفاء والغدر “الجزء التاسع”

نفحات إيمانية ومع الإنسان بين الوفاء والغدر “الجزء التاسع”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع الإنسان ما بين الوفاء والغدر، وقد توقفنا عندما أمر النعمان للطائي بخمسمائة ناقة، فمضى الطائي إلى أهله، وجعل الأجل حولا، من يومه ذلك إلى مثله من العام المقبل، فلما حال الحول أصبح النعمان، وركب في خيله ورجله متسلحا كما كان يفعل، وأخرج معه شريكا وأمر بقتله، فقال له وزراؤه ليس لك أن تقتله حتى يستوفي يومه، فتركه، وكان النعمان يشتهي أن يقتل شريكا ليُفلت الطائي من القتل، فلما كادت الشمس أن تغرب وقرب المساء، قال النعمان لشريك قد جاء وقتك فقم تأهب للقتل، فقال شريك هذا شخص قد لاح مقبلا وأرجو أن يكون الطائي، فإن لم يكن فأمر الملك ممتثل، فبينما هم كذلك وإذ بالطائي قد اشتد عدوه في سيره مسرعا حتى وصل.

 

فقال خشيت أن ينقضي النهار قبل وصولي، ثم وقف قائما وقال أيها الملك مُر بأمرك، فقال له النعمان ما حملك على الرجوع بعد إفلاتك من القتل؟ قال الوفاء، فأطرق النعمان ثم رفع رأسه وقال والله ما رأيت أعجب منكما، أما أنت يا طائي فما تركت لأحد في الوفاء مقاما يقوم فيه ولا ذكرا يفتخر به، وأما أنت يا شريك فما تركت لكريم سماحة يذكر بها في الكرماء، ووالله ما أدري أيهما أوفى وأكرم أهذا الذي نجا من القتل فعاد أم هذا الذي ضمنه، والله لا أكون أَلأم الثلاثة ألا وإني قد رفعت يوم بؤسي عن الناس، ونقضت عادتي كرامة لوفاء الطائي وكرم شريك، ولأن الإسلام يجمع محاسن الأخلاق ويدل على أعظمها، فقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الوفاء.

 

مما تستأنس بذكره القلوب، وتستلذ بإيراده الأسماع، ومن ذلك عظيم وفائه صلى الله عليه وسلم لزوجته السيدة خديجة رضى الله عنها، حيث كان صلى الله عليه وسلم وفيا لها في حياتها وبعد موتها تقديرا لموقفها العظيم في نصرة الإسلام في أول أمره وحال ضعفه، ومن وفائه صلى الله عليه وسلم لها أنه لم يتزوج عليها حال حياتها حتى لا يحزنها، ولما ماتت فقد تجسد الوفاء كله منه صلى الله عليه وسلم نحوها، فقد كان يذبح الشاة ويقسمها في صاحبات خديجة، وكان إذا أتي بالشيء يقول صلى الله عليه وسلم “اذهبوا به إلى فلانة، فإنها كانت صديقة خديجة، اذهبوا إلى بيت فلانة فإنها كانت تحب خديجة” وقالت عائشة قالت “جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وهو عندي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم “من أنت؟” قالت أنا جثامة المزنية، فقال “بل أنت حسانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟” قالت بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت، قلت يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإن حسن العهد من الإيمان” وكان صلى الله عليه وسلم يرتاح لاستئذان هالة بنت خويلد رضي الله عنها عليه لما يُذكره ذلك باستئذان خديجة، فقالت عائشة رضي الله عنها “استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك، فقال “اللهم هالة” فغرت فقلت وما تذكر من عجوز من عجائز قريش؟

 

ومن وفائه صلى الله عليه وسلم ما قاله في أسرى بدر “لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له” وذلك وفاء لصنيع المطعم بن عدي حيث إنه أجار النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يدخل مكة بعد رجوعه من الطائف، ولأنه كان ممن نقض الحصار الذي ضربته قريش على بني هاشم لإرغامهم على تسليم النبي صلى الله عليه وسلم لهم، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لو كان المطعم بن عدي حيا وسأله هؤلاء الأسرى لمنّ عليهم بالعتق مجازاة له بحسن صنيعه، فما أجمل الوفاء فإنه يرقق القلوب ويهذبها، ويدفعها للرقي في طلب المعالي، ويتميز صاحبه عن أقرانه ولذلك فقد قيل “إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل، فانظر كيف تحننه إلى أوطانه، وتشوقه إلى إخوانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى