مقال

نفحات إيمانية ومع السلام مع النفس والكون ” الجزء التاسع “

نفحات إيمانية ومع السلام مع النفس والكون ” الجزء التاسع “
إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء التاسع مع السلام مع النفس والكون، فإن الناس ليتلهفون على دين يتفق وحاجاتهم ومصالحهم الدنيوية، ولا يكون قاصرا على إرضاء مشاعرهم وإحساساتهم، ويريدون أن يكون هذا الدين وسيلة لأمنهم وطمأنينتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وليس هناك دين تتوفر فيه هذه المزايا كلها بشكل رائع سوى الإسلام، إذ أنه ليس مجرد دين فحسب، بل إن فيه حياة للناس، لأنه يعلمهم كيف يحسنون التفكير والكلام، ويحضهم على فعل الخير وصالح الأعمال، ولذلك سرعان ما شق طريقه إلى القلوب والأفهام” وإن للسلام معانى كثيرة حسب ما ترد فيه من سياق اجتماعي أو ثقافي أو ديني، ففي السياق الديني ترمز كلمة السلام للتحية التي يحيّي بها المسلمون بعضهم بعضا.

وهو المقصود في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال “لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم” والسلام في المنحى الديني أيضا يأخذ معنى اسم من أسماء الله تعالى، وهو بهذا التفسير “السّالم من كل عيب أو نقص” كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يُسلم المسلم على نفسه في نهاية الصلاة، فيقول “السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين” ويبقى السلام في معناه الثقافي المعاصر رمزا للسلم بتحقيق الأمن والأمان، بعيدا عن النزاعات التي تهدف إلى تدمير الشعوب وتبديد وحدتها.

فلا مبرر لخلق النزاعات إلا إعلاء كلمة الحق أو استرداد مظالم، أو دفاع عن مظلوم، ولذلك يعبر عن السلام برمز الحمامة البيضاء أو غصن الزيتون الذي يحتوي على أوراق خضراء، لما يبعثه في النفس من طمأنينتها الطبيعية التي خلقت فيها، والتي تسعى إلى العيش معها دون أن تشوبها شائبة، ولكن كيف يتحقق السلام؟ وهو إذا كانت المشاريع الصغيرة تقوم على مقومات لتنتهي بالنجاح فإن السلام هو أعظم مشروع يمكن للبشرية أن تسعى لتحقيقه، فلا بد له من مقومات تدعم قيامه وتمنع تداعيه وسقوطه، وإذا بحث الدارس عن الدعائم الأساسية للسلام سيجد أنها ذاتها التي تبني الحضارات، وتقوم بها قائمة الرقي الاجتماعي بكافة أشكاله.

لأن السلام شكل من أشكال التكافل والإيثار، وتفعيل لدور الحرية لكل إنسان يحيا على هذه الأرض، وبتدعيم أسسه لا يمكن أن تنهار حضارة من الحضارات، وإذا أمعن الإنسان النظر سيجد أن أساس السلام يقوم على هذه المحاور،أولها العدالة الاجتماعية، فالعدل بين الناس بكافة أشكالهم وألوانهم وأصولهم وثرواتهم هو المطلب الأول والرئيسى في تحقيق السلام في أي بلد، فالمساواة هي النواة التي تعطي لكل فرد في المجتمع أحقية التعبير والعلم والعمل والعيش بالشكل الذي يراه مناسبا، وتعني العدالة الاجتماعية إزالة الفوارق الاقتصادية الشاسعة بين طبقات المجتمع المختلفة، وهو مبدأ أساسي للتعايش السلمي داخل الأمم، وتحقيق التنمية وصون كرامة الإنسان.

وثانيها هو الوعي، فهو أساس التغيير في كل إنسان هو قناعته التي يغذيها فكره، ولذلك عمل القادة خلال التاريخ على العمل بالفكر والعلم قبل الجيش والقتال، لأن الجيش الذي يعلم أبعاد حربه ليس كمن يقاتل في سبيل النصرة وحسب، فلا يمكن التساؤل “كيف يتحقق السلام” دون العمل على النهوض بالوعي الفكري والعلمي، كما أن إدراك نتائج الحرب وتبعاتها تشكل فهما أعمق لكل جزء من المجتمع يُسهم بدوره في تكوينه، ومن هنا تبدو أهمية الوعي في انتشال المجتمع من سباته إلى إصباح فجر لا يزول، وثالثها الحب، فإن الحب هو الشعور الأسمى الذي يجعل الصعب سهلا، ويبني علاقات لا يمكن أن تهدمها المصالح، فيشد المرء على يد الآخر ويسعى في سبيل مصلحته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى