القصة والأدب

الإوزة المغرورة،،

الإوزة المغرورة،،

بقلم/ أحمد عيسى

حَوَتْ مزرعةٌ كبيرة مُشْرفة على بُحيرة قطيعاً من الماعز والماشية، وضَمَّتْ أسراباً متنوعة من الطيور، كان بينها البط والإِوَزّ والدَّجَاج والحَمَام وغيرها من الطيور الداجنة.

تخلل الحُبّ والسرور والتعاون أرجاء المزرعة كلها، فأضحى الجميع أصدقاء متحابين، بيد أن هناك بَطَّة سوداء استحوذت على احترام شديد ومحبة خاصَّة من قِبَل الطيور كافة.

في البدء شَعَرَت الإِوَزَّة بِغِبْطة نحو هذه البَطَّة التي كانت تسارع في الخيرات، فتحافظ على نظافة الحظيرة، وتسعى دوماً بنشاط لمساعدة الآخرين في شؤونهم وأعمالهم، كما كانت تتفقد جيرانها فتطمئن على الغائب، وتعود المريض، وتواسي الحزين.

لكن سرعان ما استحالت غِبْطَة هذه الإِوَزَّة إلى حسدٍ وضغينة، بدا ذلك واستبان واضحاً في تصرفات الإِوَزَّة وسلوكياتها نحو البَطَّة..

الإِوَزَّة: ما رأيك أن تصحبيني إلى شاطئ البحيرة؟

البَطَّة: بكل ود.. لكن هل هناك شيء ما ينتظرنا؟

الإِوَزَّة: نعم يوجد شيء مهم هناك ستعرفينه بالنظر.

وعند البحيرة..

البَطَّة: ها قد وصلنا ترى ما الأمر.. ما الخبر؟

الإِوَزَّة: انظري إلى صفحة الماء الجارية جيداً.

البَطَّة: كم هي صافية كعين ديك المزرعة!

الإِوَزَّة: ماذا ترين فيها؟

البَطَّة: أراك زاهية واضحة كما أراني بائنة لائحة.

الإِوَزَّة: مَنْ الأجمل.. والأكثر رشاقة.. والأعلى قامة ورأساً؟

البَطَّة (مبتسمة): أنتِ قطعاً لكن لِمَ هذه المقارنة؟

الإِوَزَّة: بل لِمَ وعلامَ يُفضلك الجميعُ عليَّ اهتماماً واحتراماً ومحبة؟!

البَطَّة: كلنا يحب بعضُنا بعضاً وجميعنا كذلك يُحبك.

الإِوَزَّة: لكنك استأثرت بقلوب الجميع وعشقهم لك.

البَطَّة: هذه أرزاق الله موزَّعة وهباته بيننا مُقسَّمة.

الإِوَزَّة: ماذا يُعجبهم في وجهك الكالح الأسمر وريشك الأسود الأغبر؟!

البَطَّة: هذه طبيعة شَكْلي وخصائص خَلْقي.. لا أملك لها تبديلاً ولا عنها تحويلاً.

انصرفتْ الإِوَزَّة بصَلَف وخُيلاء تاركةً البَطَّة وحيدة حزينة شاردة الفكر كسيرة النَّفْس.

وذات يوم انطلقت الإِوَزَّة باحثةً عن عُشب بالبراري غريب، سمعت من “جَدْي” المزرعة الحكيم أن من طَعِمَه ازداد احمرارُ وجهُه، وانتفش ريشه، وسمِن جسدُه، كما سمعت منه نصيحته جليَّةً بعدم أكله لأن له أضراراً خطيرة مع نفعه.

وبعد مشقة ولأي وصلت الإِوَزَّة إلى مكان العُشب، فعرفته من رائحته، ووصفه، ولونه، ثم طَفِقَتْ تأكل منه بِنَهَمٍ حتى شَبِعَت ثم بَشِمَت.

وأثناء غياب الإِوَزَّة اشتد حرّ الصيف فهُرع أفراخها إلى شاطئ البحيرة للسباحة بمفردهم، وإذا بفرخ صغير ضعيف يدفعه تيار الماء إلى منتصف البحيرة فيستشعر الخطر، ويُخفق في العودة ولمرات حاول ثم فشل؛ فتعلو صرخاته بالاستغاثة من الغرق!!

كانت البَطَّة تتفقد أفراخها على الشاطئ، تنبههم وتحذرهم مغبَّة الغرور والحماقة والنَّزَق، فإذا بها تسمع صرخات استغاثة فرخ الإِوَزَّة فتقطع حديثها على الفور مع أفراخها، وتهب مسرعة لإنقاذ الفرخ الذي كابد أسباب المنايا وأوشك على سكرات الغرق.

أُعجب الجميع بموقف البَطَّة النبيل فتكأكأوا عليها وصاحوا طَرَباً مُغردين وصفَّقوا، عندها أقبلت الإِوَزَّة تختال بنفسها مُعْجَبة..

الإِوَزَّة: لماذا تجتمعون هكذا ما الأمر ما النبأ؟!

ديك: أوشك فرخُك على الغرق لولا بَسَالة البَطَّة وجميل القدر.

الإِوَزَّة: لو كنتُ حاضرة لأنقذته.. هذا ما اجتمعتم لأجله فقط؟!

مرَّت أيام والتقت الإِوَزَّة البَطَّة مرة أخرى، واسترعى ناظري البَطَّة أن وجه الإِوَزَّة بدأ أكثر تألقاً واحمراراً، كما أن ريشها زها، وجسدها قد انتفخ، لكنها بدت غير قادرة على عَدْوٍ ومسارعة ولا طيران ومسابقة.

البَطَّة: سلامتك هل تعانين شيئاً من علةٍ أو مرض؟

الإِوَزَّة: الآن بان حقدك وانكشف لي بغضك وكرهك.

البَطَّة: ماذا تقولين.. وإلى أي شيء ترمين وتقصدين؟

الإِوَزَّة: لم يبهرك سِحر وجْهي وجَمال شَكْلي ورحت تشعرينني زَعْماً بالمرض؟

البَطَّة: المرء ليس بخَلْقِه وسَمْتِه بل بُحسن خُلُقِه وجميل الفعال والعمل.

كان صاحب المزرعة قد استحسن في البدء ما طرأ على الإِوَزَّة من أمارات الصحة وعلامات العافية، ثم راعه بعد أيام قلائل بطء اعتراها، ووخم وكسل أصاباها، وكانت أيام تبويضها قد جاءت فلم تَبِض فقال صاحب المزرعة لعامله..

صاحب المزرعة: ادفع بتلك الإِوَزَّة إلى البيطري.

العامل: طوع أمرك حالاً يا سيدي.

البيطري: قد أكلتْ الإِوَزَّة من عُشب البراري؛ فاحمر وجهها، وسَمِنَت وثَقُلَت، ثم ها هي قد عَقِمَت.

وبعد عودة العامل إلى صاحب المزرعة..

العامل: تقرير البيطري أن خطراً يهدد حياة الإِوَزَّة وبالعُقْم أصابها ودهاها.

صاحب المزرعة: إذاً أضرم لنا ناراً واذبحها ثم اشوها، فهي عشاؤنا اليوم أو غداً، فَلَمْ يعُد لها بيننا جدوى ولا ثَمَّ فائدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى