مقال

ضائعٌ بين أقرانه ،،،،،

ضائعٌ بين أقرانه ،،،،،

(رواية قيد الإنجاز)

……………………….

رشيد مصباح (فوزي)

***

مداوروش في:

٣ صفر ١٤٤٣ هـ

الموافق لـ

10 سبتمبر 2021

**

(3)

وفي أحد الأيام عاد أبي إلى البيت ومعه آلة تصوير، وأمرني بارتداء البدلة الجديدة، ونزع رابطة العنق من رقبته وعقدها في عنقي، وطلب منّي اللّحاق به. فتبعته إلى ما وراء سكّة القطار، إلى حيث حقول القمح والشعير المترامية أمام البيت. وبينما أنا أُحاول جاهدا التخلّص من أكواز القمح الفارعة التي كادت تغطّيني بالكامل، استدار أبي، وبحركة تكاد تكون مدروسة ضغط على الزر. فعل ذلك مرّة واحدة ولم يكرّرها ثم عدنا إلى البيت. كم كانت تلك الصورة جميلة جسّدتُ فيها كل معاني الجمال والبراءة، وكم كان أسفي شديدا وأنا أقوم بتمزيقها إلى قطع حين كبرتُ وصرت شابّا يافعا وتغلّب عليّ الجنون والنّزق.

عدتُ إلى البيت، ووجدتُ أمّي في الانتظار وهي مسرورة جدّا بهذا الحدث. أمي التي من عادتها متابعة بعض البرامج التي كانت تُبثّ عبر المذياع المعلّق الصّغير، وخاصّة برنامج البيت السّعيد الذي كانت تقدّمه آنذاك مذيعة اسمها (سامية)، وكانت تحرص عليه أشدّ الحرص، وذلك بعد التخلّص من مهام البيت. وذات مرّة سمعتْها تتكلّم في برنامجها اليومي عن “السبانخ”؟، ولم نكن نعرف شيئا عن هذه النبتة في تلك الأيّام. فطلبتْ منّي أن أذهب إلى العم (أحمد)؛ بقّال كنا نقترض منه الخضر والفواكه، ورجل على أبواب الشيخوخة عُرف -رحمة الله عليه- بدعابته ومُزاحه، وخرجتُ من البيت مسرعا يدفعني الفضول لمعرفة السرّ في هذه النبتة الغريبة العجيبة، لكن حين وصلتُ إلى الرّجل خانني الكلام، وتعقّد لساني. وكان عمّي(أحمد) من أطيب النّاس وأذكاهم فتفطّن لحالي، وقال لي مازحا:

– جئت وحدك وإلاّ جابوك؟

ويقصد بكلمة “جابوك” ساقيّ التي حملتني إليه.

ثم سألني عن سبب حضوري فقلتُ له كما طلبتْ منّي والدتي. فلم يستطع الرّجل أن يتمالك نفسه من الضّحك، حتى انتابني الغضب وشعرتُ بالخجل وهممتُ بالانصراف. عندها ناولني حبّة فاكهة وسألني:

– من قال لك ذلك؟

– أمّي.

– هذه كلمة “شاوية” لا تكرّرها أمام الآخرين فيسخروا منك ومن أمّك.

وعاد إلى الضّحك من جديد.

يتبع …/…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى