مقال

نفحات إيمانية ومع الإنسان و العقل “جزء 3”

نفحات إيمانية ومع الإنسان و العقل “جزء 3”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإنسان والعقل، وقال بعض أهل العلم إن العقل البشري مهما كان مبلغه من الذكاء وقوة الإدراك قاصر غاية القصور وعاجز غاية العجز عن معرفة حقائق الأشياء فهو عاجز عن معرفة النفس الإنسانية ومعرفة النفس لا تزال من أعقد مسائل العلم والفلسفة، وهو عاجز عن معرفة حقيقة الضوء، والضوء من أظهر الأشياء وأوضحها، وعاجز عن معرفة حقيقة المادة، وحقيقة الذرات التي تتألف منها، والمادة ألصق شيء بالإنسان، وقال ابن القيم رحمه الله”لا ريب أن البصر يعرض له الغلط ورؤية بعض الأشياء بخلاف ما هي عليه ويتخيل ما لا وجود له في الخارج فإذا حكم عليه العقل تبين غلطه”

 

ومع تكريم دين الإسلام للعقل واهتمامه به وصيانته له إلا أنه حد للعقل حدودا، هي كل ما يستطيع أن يستوعبه ويفهمه حسب قدرته، فقال عليه الصلاة والسلام “لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال خلق الله الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل “آمنت بالله” رواه مسلم، وقال الله تعالى فى سورة الإسراء ” ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى” وهو صـرف الجواب عن ماهيتها حتى لا يتيه العقل فيما ليس يدركه، وليس من طاقته، وهذا لا شك تكريم وأي تكريم لعقل الإنسان، ولذا كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم لا يخوضون فيما لا يستطيعون دركه ومعرفته، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ على المنبر قول الله تعالى ” وفاكهة وأبا ”

 

فقال “هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبا؟” قال “الأبا هو المرعى وكل ما أنبتت الأرض مما تأكله البهائم كالكلأ والعشب” ثم رجع إلى نفسه فقال “إن هذا لهو التكلف يا عمر” ويقول أحد الفلاسفة “يجب على العقل أن يقف في تصوره عند حد التجربة الحسية إذ لا يمكن لأفكارنا أن تمتد إلى الأشياء في أنفسها، فإذا ما حاولنا أن نعرفها بنفس الوسائل التي تعرف بها الظواهر، أي الزمان والمكان والسببية وغيرها، تورطنا في التناقض والخطأ” إضافة إلى أن العقل مطالب بالتسليم للنص الشرعي الصريح ولو لم يفهمه، أو يدرك الحكمة التي فيه لأن الشارع نص على كل ما يعصم من المهالك نصا قاطعا للعذر، فلا حجة لأحد بعد بيانه.

 

كما ذكر ابن تيمية رحمه الله مستدلا على ذلك بآيات كثيرة، منها قول الله عز وجل فى سورة التوبة “وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم” ومهما ابتكر عقل الإنسان من اختراعات وحل من مشكلات معقدة وكبيرة إلا أنه قاصر وله حدود يجب أن يتوقف عندها فقد لا يستطيع أن يفسر الكثير من الغيبيات التي اختص الله بها نفسه، وقد لا يستطيع أن يعرف من علل الأحكام والتشريعات إلا القليل، ولأن هذا القصور يصاحب العقل، فلم يتركه المولى سبحانه وتعالى يتخبط دون هداية فأرسل لأجل ذلك الرسل، وأنزل الكتب، فإن العقل نعمة من الله تعالى اختص بها الإنسان عن سائر الكائنات.

 

فالحيوانات عندها غرائز تحركها، غريزة الطعام الشراب وغيرها، وهذه الغرائز هي التي تحركها، ولكننا ميزنا الله بالعقل الذي نستطيع به أن ندرك وأن نعي الأشياء من حولنا، ونستطيع به التمييز بين الحق والباطل، وبين الصواب والخطأ، فالعقل ميز الله به الإنسان عن سائر الكائنات وجعله سيدا في هذا الكون، فقال الله تعالى فى سورة الجاثية ” وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” وبين لنا الله تعالى أن العقل ينبغي أن يكون هاديا إلى الله عز وجل، ومثل العلماء الشرع بالنسبة للعقل بالنور بالنسبة للعين فكما أن العين لا تبصر في الظلام فتحتاج للنور لتبصر فكذلك العقل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى