مقال

نفحات إيمانية ومع كلام سيد الآنام ” جزء 5″

نفحات إيمانية ومع كلام سيد الآنام ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع كلام سيد الآنام، فان ما بذله المسلمون منذ القرن الثاني لظهور الإسلام، كان الأساس للوعي التاريخي الذي ميّز المجتمعات البشرية منذ ذلك الوقت، ثم تطور هذا الوعي منذ القرن الرابع عشر الميلادي وهو عصر بن خلدون، جعل التاريخ علما، له أصوله وقواعده ومناهجه التي نفهم في ضوئها الماضي، ونعي الحاضر ونستشرف المستقبل، ولعل أول المسائل التي واجهت علماء الحديث، فضلا عن التحقق من الأمانة في رواية الحديث النبوي الشريف، وهي مسألة اختيار ما يجب الحفاظ عليه من أحداث السيرة النبوية الشريفة، فكل واقعة أو حدث أو قول للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم جديرة بالحفظ ثم الرواية.

 

فالرسول صلى الله عليه وسلم، هو خير الناس في كل ما يقول ويعمل ويقرّ ويمنع، أدّبه رب العالمين ليكون قدوة للناس كافة ” فكان خلقه القرآن ” كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها فكل ما يصدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، جدير بالاتباع، ومعرفة الحكمة منه سعي مشكور، وكان من الطبيعي أن يؤدي هذا الموقف الذي هو من صلب الدين والتدين إلى جمع كم هائل من الوقائع والأحداث عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكل من عاصر النبي صلى الله عليه وسلم، من أهل الحجاز، سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، أو شهد حدثا، أو نقل اليه خبر عنه، حرص أن ينقله إلى من بعده، بل لعل البعض ادّعى أنه سمع قولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

طمعا في شهرة أو مكانة بين الناس، وأي شرف أعظم من أن يقال عن شخص إنه سمع أو شهد أو نقل خبرا ارتبط بحياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا فإن ما تجمع من الأحاديث والأخبار المتصلة بالرسول صلى الله عليه وسلم، والتي نسبت اليه، خاصة في القرون الأولى من تاريخ الإسلام، أدى إلى تطورين أساسيين أحدهما إيجابي والآخر سلبي، أما التطور الإيجابي فهو تسجيل تفاصيل دقيقة عن حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، شملت كل صغيرة وكبيرة من تصرفاته العامة والخاصة، وهكذا أصبحت شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم شخصية قريبة إلى كل مسلم يتذكرها ويتمثلها، ويحبها ويحاول الاقتداء بها.

 

وكلما قربت شخصية المثل الأعلى من أتباعه زاد إعجابهم وتعلقهم بها، ولولا حرص النبي صلى الله عليه وسلم، وحرص القرآن الكريم على التأكيد على إنسانية الرسول صلى الله عليه وسلم، أي كونه بشر مخلوق كسائر البشر، لظهر في الإسلام من يرفعه إلى مقام الألوهية، بل إن في تاريخ الفرق الإسلامية من ذهب هذا المذهب ولكن الدعوة الإسلامية التي لا تقبل التساهل بموضوع وحدانية الله عز وجل، خالق كل شيء وليس كمثله شيء، ولولا تأكيد القرآن الكريم على أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ” بشر مثلكم يوحى اليه ” لكان لهذه المذاهب شأن أكبر في تاريخ الفكر الإسلامي، ثم إن ما اجتمع في الأدبيات الإسلامية من أخبار السيرة.

 

والأحاديث المنسوبة إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ساعد على التقريب بين المُثل العليا وبين حياة الناس اليومية، ولولا ذلك لابتعدت المثل العليا عن حياة الناس ولأصبحت طموحا لا يمكن بلوغه أو نظرة غير واقعية وغير قابلة للتطبيق في حياة الناس فإن السيرة النبوية هي الجسر الرابط بين المُثل العليا والحياة، أي، بين هذه المثل والواقع، وهكذا أصبح الإسلام أقرب إلى مفهوم الناس وحياتهم، فقال الله تعالى قى سورة الفتح ” إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ” ويقول أيضا سبحانه وتعالى فى سورة الحشر ” وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ” فما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم لصحابته وللمسلمين لا بد أن يطاع لأن قوله هو الحق والصدق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى