القصة والأدب

الـــجَـــــــــرَّه …….

الـــجَـــــــــرَّه …….

****************

— (سليم) رجل بسيط يعمل في صنع الفخار ويبدع في تصميمه إبداع الفنان المحترف المرهف الحس، فتخرج يديه للنور قطع فنية لا مثيل لها تخبر عن مهارة صاحبها وحنكته ورغم ذلك يبيعها بأثمان زهيدة لا تقارن بقيمتها الفنية ومشقة عملها ويرضى بمكسب متواضع يثير دوما غضب زوجته ويجعل الشجار بينهما عادة لا تنقطع بسبب قلة المال وحرمان الأولاد

حتى فاض بها الكيل يوما واندفعت إليه بمكان عمله بالبيت تقول : الجرذان هجرت البيت ،وحالنا يشكو لهوام الأرض وأنت تستطيع أن تخرجنا من أضيق الضيق إلى رحابة الرحابة بعملك فإلى متى سنبقى هكذا ؟

 

— رد سليم بهدوء : الرضا بالمقسوم عبادة ياأم الرجال

استشاطت الزوجة غضبا من هدوئه وقالت: رضينا وكوفينا وجوعنا وعرينا فماذا بعد؟

لماذا تصر على تعذيب نفسك وتعذيبنا معك وتستطيع أن تبيع جرارك التي ليس لها مثيل بأضعاف مضاعفة وتنقذنا من هذا الآتون ؟

رد سليم : ياأم الرجال لله عندي ديون كثيرة وحقوق لم أردها حتى اليوم ، لذا عاهدت نفسي أن أيسر على الناس لعل الله ييسرها لي

قالت الزوجة بغضب: وماذنبي والأولاد أن نتحمل ديونك وذنوبك ؟

إذا لم تضع حدا لحالنا فالفراق سيكون حالنا وخرجت مسرعة

وفي طريقها لمحت الجرار تصطف كجيش الأعداء أمامها ،

عبث الشيطان بعقلها أن تركل إحداها فينهار الجيش كله ،

لكنها تراجعت حين التقطت عيناها شيئا بين الجرار مغطى بإحكام بقطعة قماش قديمة فمدت يديها تكشف ستره عله يكون مالا اخفاه عنها زوجها .

 

— نزعت الغطاء فإذا بها جره فائقة الجمال نقوشها تبدو كنقوش تيجان الملوك وزخارفها غاية في الفخامة والروعة لكنها فارغة بلا مال

فكرت الزوجة قليلا وقالت في نفسها لماذا لا تهدي هذه الجره النادرة للملك ربما يمنحها مايخلصها من الفقر والعوز اللذان يحتلان حياتها وحياة أولادها احتلال المستعمر المستبد وقررت أن تأتي فجرا لتأخذ الجره دون علم زوجها وتذهب بها للملك

نهضت من فراشها قبيل الفجر لتنفذ ماعقدت عليه العزم لكنها لم تجد زوجها بمرقده فتعجبت واتجهت نحو غايتها، فلمحت سليم يخرج حاملا لفافة الجره على كتفه ويتجه نحوالنهر فتتبعته مستتره بالليل لترى مايفعل ، وإذا بها تجده يجلس على حافة النهر ويقوم بملء الجره وغسلها ثم يتوضأ ويصلي ويكرر ذلك عدة مرات فتعجبت مما رأت وزادت حيرتها

وفي اليوم التالي تسللت لتنفذ خطتها فتكرر ماحدث بسابقه

 

— هنا أدركت أنها لن تستطيع الحصول على الجره ولا إهدائها للملك فماكان منها إلا أن توجهت في الصباح للقصر وطلبت مقابلة الملك لأمر هام .

مثلت بين يديه خاضعة تقول : يامولاي أنا زوجة فقيرة من رعاياك وزوجي صانع فخار بسيط ولقد صنع لك هديه لا مثيل من الفخار المنقوش المزخرف لكنه يخجل أن يأتيك بها فتسخر منه ومن هديته ويرفض حرسك دخوله القصر لكني أخبرته مرارا أنك ملك للفقير قبل الغني وأرجو يامولاي أن ترسل معي بعض الحراس لأخذ الجره ليتيقن زوجي من كلامي

أمر الملك حرسه أن يصحبوها ويأتوه بالجره ووعدها إن صدقت أن يجزل لها العطاء، فلمعت عينا الزوجة وزاد حنينها للمال ، ورافقت الحرس لمكان الجره وهي على يقين أن زوجها لن يجرؤ على مخالفة أمر الملك وتسليم الجره

وعندما وصلوا جميعا دخلت إليه واخبرته بقدوم الحرس لأخذ الجره الثمينة كهدية للملك مقابل عطيه كبيرة

 

— ثار سليم ورفض تسليم الجره للحرس بل وعنف زوجته على تصرفها دون إذنه فما كان من الحرس ألا أن قبضوا عليه وكبلوه يالقيود وساقوه إلى الملك

تعجب الملك من تصرف سليم وهو الفقير المعدم الذي يحتاج للمال أشد الاحتياج كما علم من زوجته فسأله مستنكرا :

لماذا رفضت تسليم الجره للحرس يارجل وقد صنعتها لي ؟

رد سليم : يامولاي أضلك من أخبرك أني صنعتها لك وإني لأعيذك منها ومما بها ، ولكن إن شئت تركتها لك بما تحمل

تعجب الملك وقال لسليم : ماذا تقصد يارجل بما تحمل ؟

رد سليم: يامولاي هذه الجره صنعتها بيدي وزينت نقوشها لتبهر الناس ويفتنون يها ويشتهون اقتناءها فأبيعها لأحدهم نهارا وأقبض الثمن ثم أسرقها ليلا وأحفظ المال بجوفها ثم أبيعها لغيره في اليوم التالي نهارا وأسرقها ليلا وهكذا …..

 

— هذه الجره ذاقت معي لذة محرمة وشهدت جنوني ومجوني وحين استفقت من غفلتي وارتد إلي صوابي دعوت الله أن يقبل توبتي ويخلصني من لعنتها، وحاولت كسرها أو التخلص منها مرارا لكني فشلت ، فأيقنت أن الله جعلها شاهدا علي مدى الحياة ، لذا عاهدت نفسي أن تصحبني كل يوم في صلاة الفجر اغسلهاواطهرها بماء النهر الجاري الذي اتوضأ منه لعله يكون الطهور لكلينا و يغفر الله لي ويسامحني .

كما عاهدت نفسي ألا أكسب من حرفتي إلا أقل القليل لأيسر على الناس لعل الله ييسر علي يوم القيامة ويمحو من صحيفتي ماأخجل منه ،إن شئت مولاي هي لك بما فيها

 

— أطرق الملك قليلا ثم قال : لله درك يارجل، تحمل هم جره ذاقت معك لذة محرمة ، فمابال مولاك يمتلك جرارا من الذهب والفضة لا يعلم عما تحمل شيئا .

وأمر الحراس أن يردوا إليه جرته مغطاه كماهي في ويطلقوا سراحه بل ويمنحوه عطية كبيرة من المال وقال لسليم : يارجل عطية الملك لمالك الملك

خرج سليم من القصر يحمل المال والجره وقام بتوزيع المال في طريقه على والفقراء والمحتاجين حتى وصل إلى بيته منشرح الصدر وهو يقول : عطية الملك لمالك الملك اللهم تقبل من الملك ومن عبدك يامالك الملك

استقبل الأولاد والدهم بسعادة بالغة ومعهم زوجته وهي خفيضة الرأس خجلى مما فعلت وهمت بالكلام فقاطعها قائلا :احملي الجره للداخل وحين همت بحملها سقطت فجأة وتناثرت أشلاؤها في المكان فانزعجت الزوجة لكن المفاجأة عقدت لسانها عن الكلام حين تناثرمع أحشاء الجره عملات ذهبية كثيرة

ابتسم سليم وتذكر عبارة الملك (عطية الملك لمالك الملك)

وقال : لله ماأُخِذَ ، لله ماأُعْطِى ، اللهم لك الحمد والشكر

 

تمت

مايسة إمام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى